محاكمات تحت الشمس: أين الدليل؟
مسلم عباس
2022-08-24 06:40
غرد عضو التيار الصدري الشيخ صباح الساعدي يوم الثلاثاء 23 اب (أغسطس) 2022، موجها نقداً متعدد المسارات، بعد افتتاحية عرفنا بأنه ابن العراق وشعبه، وهو ابن البلد ومؤسساته، وهو ابن عاشوراء وثورته. ثم بدأ بالتصويب نحو أهدافه بخمسة أسئلة بعضها جديد وأخرى قديمة تظهر وتختفي حسب متغيرات الصراع السياسي.
السؤال الأول: ذكرنا الساعدي بأن العامري اعترف بتهديد القضاء جهاراً نهاراً، متسائلاً: أين أنتم عنه؟ ويقصد أين القضاء؟
ويسوق الساعدي هذه التغريدة ليبين أن المتظاهرين الصدريين الذين اقتحموا مبنى مجلس القضاء الأعلى ليسوا هم فقط من هدد القضاء، وإنما من يدعي الدفاع عن القضاء مثل رئيس تحالف الفتح هادي العامري كان قد هدده سابقاً عندما احتك القضاء بمصالحه.
الحقيقة أن جميع القوى السياسية لا تنظر إلى مؤسسات الدولة بمنظار الدستور والقانون، وإنما بما يخدم مصالحها، فإن توافقت مع مصالحها حصلت على المديح والثناء، وإن جاءت بنتيجة سلبية حصلت على الشتائم والتقريع والاتهام بالفساد وتبديد ثروات الشعب.
السؤال الثاني: نستكمل مع الساعدي الذي وصل إلى التذكير بالتسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والتي "هددت السلم المجتمعي واقتحام النجف وقتل الصدر القائد فأين أنتم عنه؟".
مقارنة أخرى يقودنا فيها الساعدي إلى نوعية الخطاب السياسي السائد في العراق، فهو يقول للقضاء أنكم شاهدتم ما نسب للمالكي من كلام خطير يهدد البلد بأكمله، ولم تحركوا ساكناً.
والمؤلم أن كلام الساعدي حقيقي، والقضاء يتفرج على ما يحدث من خروقات خطيرة للقانون.
السؤال الثالث: الفاسدون الذين اعترفوا علناً في الإعلام بأخذ الرشاوى والفساد، أين أنتم عنهم؟
فقد اعترفت أكثر من شخصية سياسية وأمام الكاميرات بدروب الفساد التي تنخر مؤسسات البلد دون أن يكون هناك رادع، ومن بين أشهر الاعترافات ما نقل على لسان النائب مشعان الجبوري الذي قال أن كل السياسيين يمارسون الفساد بما فيهم هو نفسه، كما كشف الجبوري عن حجم الفساد المالي في قانون الأمن الغذائي وتساهل أعضاء الكتلة الصدرية مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي يقسم أموال اللجنة المالية بما يراه مفيداً لمصالحه، حسب قول الجبوري.
السؤال الرابع: جريمة سبايكر والصقلاوية وسقوط الموصل وعشرات الالاف من الشهداء والجرحى والمعاقين المتسببين بذلك وباعوا ثلث العراق لداعش الإرهاب، أين أنتم عنهم؟
تصويب آخر نحو رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وتذكير بإخفاقاته السياسية والازمات العسكرية التي أوقع فيها العراق.
السؤال الخامس: القناصة والطرف الثالث الذين قتلوا ثوار تشرين، أين أنتم عنهم؟
تصويب أخير وإعادة تذكير بالتهمة الموجهة لحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وقوى الإطار التنسيقي التي دعمته بقوة خلال تظاهرات تشرين.
والقائمة تطول حسب الشيخ صباح الساعدي عضو التيار الصدري والمتصدي بقوة للتسويق والدفاع عن اعتصامات الصدريين في البرلمان ومجلس القضاء الأعلى.
ما قاله الساعدي صحيح، والملفات التي ذكرها تكسر ظهر المتهمين فيها، بشرط أن نكون في دولة قائمة على مرجعية دستورية واحتكام للقضاء، أما نحن فالقضاء في النهاية مؤسسة من ضمن مؤسسات الدولة العراقية التي أضعفتها القوى السياسية وحاصرتها بالجماعات المسلحة والصفقات السياسية ومحاولات الاستحواذ على السلطة بكل الطرق الممكنة، وانتهاك الدستور خدمة للمصالح الحزبية والرغبات الشخصية.
وإذا كان القضاء ضعيفاً أمام الملفات التي ذكرها الساعدي، والأخرى التي لم يذكرها، فهو دليل على استهتار الأحزاب السياسية بدون استثناء، من يقفز على الدستور وينشئ جماعات مسلحة بحجج مختلفة مساهم في هذا الوضع الخطير، ومن ينادي بشعارات وطنية لا يطبقها لا يطبقها متهم أيضاً، ولا يوجد حزب سياسي شارك في العملية السياسية منذ 2003 وحتى الآن بريء من تهمة تخريب مؤسسات الدولة.
المفيد في ذروة الازمة الحالية أن طبيعة الصراع السياسي لم يرتكز على أساس التنافس بين من يكون برنامجه الأفضل والنافع للمجتمع، بل جُل الصراع قائم على أساس من يكون الأقل سوءاً، فالساعدي الذي هو مثال مقالنا اليوم لم يقدم دليلاً قانونياً على صحة سلوكه وسلوك التيار الصدري، إنما احتج بأفعال غيره المنتهكة للقانون، وكأنه يريد القول بأن أسبقية وشدة انتهاك القانون من قبل خصومه، يجعله في مرتبة أفضل لأن انتهاكه متأخر وخفيف الوطأة.
بمعنى آخر الجميع يقدمون الدليل على انتهاكهم للقانون أو يُكشف انتهاكهم نتيجة اشتداد الصراع واستمرار كشف الأوراق ولعبة المحاكمات العلنية تحت أشعة الشمس وبدون وجود القضاة، فهم في إجازة بأمر من مجلس القضاء الأعلى، الشعب وحدة يشاهد الاعترافات ويدون الأدلة ويقرر حجم الضرر والعقوبة اللازمة لكل سياسي.