المستشفيات الاهلية: كثير من الأموال قليل من الإنسانية
مصطفى ملا هذال
2022-07-20 07:12
كلمني أحد الأصدقاء المقربين هاتفيا ليشرح لي وضع والدته المتدهور صحيا، وطلب مني على الفور الذهاب الى احدى المستشفيات الاهلية المعروفة على مستوى العراق في كربلاء، وبالفعل نفذت الطلب لكن وبفعل ازدحام الطرق وجدته امامي في باحة المستشفى واصلا قبل بضع دقائق.
سألته عن حال المريض فأجاب بألم انه لا يعرف ما الذي حدث لها بصورة مفاجئة، ما جعله يعود بها الى كربلاء بعد ان كان متوجها الى احدى المحافظات الجنوبية، انتظرنا بعد أكثر من ساعة ولا يزال الاجراء الوحيد الذي اتخذته الطواقم الطبية العاملة في الطوارئ هو تشكيل قنينة الاوكسجين، واجراء اختبار كورونا للتأكد من سلامتها، ومن ثم نقلها الى الردهات العلاجية.
لا اخفيكم تمر الدقائق وكأنها سنين على أولادها المتجمعين عند رأسها واقدامها وهم يشاهدون والدتهم تزداد حالتها سوء، بينما انا ومن معي من الأصدقاء نبحث عن صديق يعمل في المستشفى لكي يُعجل من عملية نقلها الى العناية المركزة، فحالتها لا تتحمل التأخير، وبعد مُضي ما يقرب الساعتين ولا تزال المحاولات جارية لتتم عملية النقل الى العناية الفائقة.
خرجت جميع التحاليل التي أجريت لها واهمها الذي يؤكد عدم اصابتها بفيروس كورونا، وكنا منتظرين لمجيئ الطبيب المعالج، وبالفعل جاء الطبيب الأجنبي وأجرى الاتصالات المطلوبة بعد معاينة التقارير والتحاليل المأخوذة في المختبر الداخلي والغالية نسبيا، وطلب منا بطريقة مهذبة بأن نأخذ رأي الطبيب المختص والمتواجد في العناية المركزة بعد معرفة وجود سرير خال يمكن ان يخصص لام صديقي.
وعلى الفور هرعنا الى الطبيب المختص الذي يتواجد في الدور الثالث، وبعد دقائق جاء الرد صادما بعدم قدرة المستشفى على استقبال الحالة المرضية بسبب شكوك في اصابتها، وهذه الشكوك مبنية على وجود التهابات حادة في الرئتين، وهذا ما يتعارض مع النظام المعمول فيه بالمستشفى بصورة عامة.
في هذه الاثناء ولنكون منصفين تعاون وتعاطف مع الحالة بعض العاملين في المستشفى، لكنهم ليسوا أصحاب قرار، بقينا نناور ونتحاور ونتأمل القرار الأخير من الطبيب الذي يأمر بدخولها العناية المركزة، لكن أصر على خروجها بالحال والبحث عن مستشفى آخر من الممكن ان يقدم الخدمة الطبية والعلاجية لها.
تم نقل المريضة في ساعة متأخرة من الليل الى مستشفى حكومي قريب، فالأخير لا يملك حق الرفض بمجرد الشكوك بوجود التهابات في الصدر، وتم الاستقبال وعمل الطاقم المتواجد في الطوارئ ما يتوجب عمله مع الحالة المرضية، وبعد ذلك تم تحويلها الى المكان المخصص لمثل حالتها.
بعيدا عن جميع الاعتبارات التي يجب ان تضعها إدارة المستشفى الاهلي في الحسبان، اين الجانب الإنساني الذي من المفترض ان يكون المعيار الأول في التعاطي مع الحالات المرضية؟، قد يؤدي عدم استقبال المريض في الوقت المناسب واجراء الفحوصات الكافية، الى موت الشخص، فمن المسؤول هنا عن حالة الوفاة هذه؟، هل الاهل الذين يضنون انهم اختاروا واحدة من أفضل المستشفيات على مستوى البلاد ام الإدارة التي لا تعي معنى المسؤولية الإنسانية والأخلاقية امام المريض؟
وللعلم ان تكلفة الليلة الواحدة في هذه المستشفى قد تتجاوز النص مليون دينار عراقي، وقبل كل شيء يجب ان يضع ذوي المريض التأمينات الكافية ومن ثم إكمال باقي إجراءات الدخول المتعددة، وهنا بالتأكيد يكون قد غاب الجانب الإنساني بشكل تام، وأصبح التعامل قائم على الربح والخسارة بغض النظر عن تماثل المريض للشفاء او لا.
من يدفع الناس بالذهاب الى المستشفيات الاهلية، هو احتواءها على جميع الأجهزة الحديثة والتي تعطي نتائج فحص دقيقة تساعد الطبيب على الوصول الى الخلل دون الحاجة الى اجراء تخمينات او احتمالات للتشخيص، وبالتالي تصرف العلاجات المناسبة ويتماثل المريض للشفاء.
لكن في الشق الآخر من المسألة ان هذه الأجهزة وما توفره من راحة للمريض تضع اهله في دائرة المديونية في اغلب الاحيان لارتفاع تكاليفها وعدم مراعاتها الحالة الاقتصادية للفرد، فمن ليس لديه التأمين الكافي، لا يسمح له بالرقود لساعة واحدة، وقد يتوفى مريضه وهو في رحلة البحث عن بديل حكومي لا يمكن ان يعالج مشكلته الصحية.
الطب مهنة إنسانية قبل كل شيء هذا ما وجدناه في السابق وتعلمناه من الماضيين، لكن في وقتنا الحالي لقد افرغت هذه المهنة من مضمونها الإنساني، وتم إدخالها ضمن المعايير الاقتصادية البحتة التي تُسيّر وتحتكم اليها جميع القطاعات في البلاد، بما فيها القطاع التربوي وغيره، بينما مهمتها الأساسية هي النهوض بالإنسان والمحافظة عليه من العوارض الخارجية، ولا تقدم للإنسان قبالة حفنة من النقود لا تعادل شيء مقابل حياة وكرامة الانسان.
تنويه ... هذه القصة واقعية ولا تمت للخيال بصلة.