العالم يتغير من حولنا: بماذا نفكر نحن؟

ابراهيم العبادي

2022-04-26 07:42

من اقصى غرب العالم الى شرقه، تلوح المؤشرات الدالة على الانعطافات الكبيرة الجارية على المسرح العالمي، حرب روسيا على اوكرانيا، صعود اليمين في اوروبا، تزايد نزعات التطرف، اشتداد الهجمات السيبرانية، التغيرات المناخية الكبرى وما يصاحبها من هجرات وبطالة ومجاعات وحروب مياه وعنف مستشري على الموارد، علاوة على القلق الذي يستبد بالعالم، الناجم من انعكاسات هذه الاحداث الكبرى على العلاقات الدولية، وعلى مستقبل العولمة، اسواق الطاقة، اسعار الغذاء، التكتلات الاقليمية.

في منطقة الشرق الاوسط تجري الاحداث بسرعة كبيرة، اتجاهات التطبيع العربية الاسرائيلية، نمط التحالفات الجديدة، دخول اسرائيل في المعادلة الامنية العربية، انهيارات اقتصادية متوقعة بسبب فشل الانظمة والحكومات في الدول الهشة، كل ذلك ينذر باخطار كبيرة تتمظهر في سلوكيات الشباب وتجعل مسار التغييرات الاجتماعية لاسيما في القيم والمعايير والاتجاهات السياسية تتحرك باضطراب شديد يصعب التحوط له وينذر بانفلات امني وجنوح نحو افكار راديكالية وتنظيمات عنيفة او متطرفة.

قد يقول القائل نعم وما الجديد في كل ذلك؟ فما تشكل العالم الجديد، وما تغيرت صور علاقاته الا بسبب الحروب، فالحرب احدى محركات التاريخ الكبرى، ونتائج الحروب تدفع بسيرورات مختلفة ان كان على صعيد الهويات القومية، والفكر الاقتصادي والسياسي، أو التحالفات الامنية والعسكرية أو حتى التكنولوجيا والتقانات بل كل شيء.

فخلال المائة عام الاخيرة من عمر البشرية، حدثت حربان عظيمتان، وعشرات الحروب المتوسطة والصغيرة والعديد من الحروب الاهلية، صاحب ذلك ونتج منه، اعادة بناء النظام الدولي، وتوزيع القوى ما بين دول عظمى واخرى كبرى، ثم الدول المحورية والاخرى ذات الاهمية الاقليمية في عالم الجيوسياسة، الان يجري تمزيق ما استقر عليه النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد امريكا بقيادة العالم، فيما تستعد الصين الان لتكون عملاق الكون الذي يرفض ان يعامله الاخرون بغير تعريفه لنفسه وامكاناته الهائلة وقفزاته التقنية والمالية والاقتصادية والعسكرية.

العالم يصوغ نفسه من حولنا، الدول العربية الغنية والفقيرة تهرول باتجاه اسرائيل وتعتمد عليها في توازنات القوة في مواجهة إيران التي صارت تهديدا لأولئك او هكذا يستشعرون.

في كل هذه المتغيرات تعاد صياغة العديد من المفاهيم ويتم تحديد خطوط حمر جديدة، وتتغير اولويات الامن الوطني والعلاقات الخارجية وفق منطق المصالح الجديدة.

ما جرى ويجري بطبيعة الحال، ما كان ولن يكون بدون معارضة او مقاومة او تفسير مبني على حقائق او اوهام، لكن المعارضة والمقاومة هاجسها الخوف والقلق مما يجري، عندما لا تكون مساهما او فاهما لمحركات التغيير وعلاقات القوى وافكار وفلسفات العالم الجديد، ستكون متلقيا وفاعلا سلبيا، تنصاع رغم ارادتك، تتحرك خلاف مصالحك، تدفع فواتير حروب الاخرين، وتنتظر حراك الايديولوجيات والافكار وهي تعصف بك وباستقرارك، اهكذا نحن ام لا؟، ساحتنا المحلية الموبوءة بالصراعات والمتخمة بالأزمات والتي تشكو من سوء التفكير والتدبير والتخطيط والادارة والحكم ،تعيش مشكلات عصر ما قبل الدولة الحديثة، لا الافكار الحديثة تفعل فعلها في انماط سلوكنا ووعينا، ولا ما يجري في العالم يجعلنا نستجيب من وحي المسؤولية وقراءة المخاطر وتقديرها وادارة التوقع ادارة فعالة، نحن بلا نخبة سياسية عقلانية، بل اوليغارشية تفكر بمصالحها الفئوية والحزبية والزعاماتية، يتعكز الكثير منها على فكر بال وايديولوجيات مستهلكة، اطرافها تتصارع على (الماء والكلاء) كما كانت قبائلنا البدوية تفعل من قبل!

كل شيء يجري خارج المعقول ،خذ هذا المثال وقس عليه، فبينما يشكو العراق من نقص الغاز لتشغيل محطات الكهرباء الغازية ويعتمد على الغاز الايراني المستورد، يفكر اقليم كردستان على لسان رئيس وزرائه مسرور البارزاني بتصدير الغاز الى اوروبا محاولا الدخول في لعبة السياسة والطاقة التي يلعبها الكبار عادة، يريد ان يقول نحن جاهزون لتعويض قسط من الغاز الروسي الذي تفكر اوروبا الاستغناء عنه حتى لا تمنح روسيا ميزة استراتيجية ومالية، كرر السيد مسرور ذلك في مؤتمر الطاقة في ابو ظبي وبعدها بأسبوعين خلال حديثه امام المعهد الملكي البريطاني (تشاتام هاوس) في لندن يوم 19نيسان الجاري، رافضا من جديد حكم المحكمة الاتحادية بخصوص عقود النفط والغاز في الاقليم وداعيا الى الخروج من عباءة النظام الاتحادي (الفيدرالي) الى الكونفدرالية، الاقليم على لسان نخبته السياسية الحاكمة لايريد لبغداد ان يكون لها رأي في قضايا الامن والطاقة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، بغداد مطالبة ان تجهز الاقليم بالاموال وتستقبل من الاقليم رؤوساء للجمهورية ووزراء ونواب يقسمون على الورق الدفاع عن سيادة العراق ومصالح شعبه !!!!!!!!!؟

والحل لكل الاشكاليات بين اربيل وبغداد في كونفدرالية علنية واغلبية وطنية !!!!، هذه الملهاة السياسية العراقية تفسر لماذا يعزف شباب العراق وهم الذين يشكلون 60 بالمائة من عدد السكان، عن المشاركة والانخراط في العمل السياسي، كما يقول استبيان مركز البيان للدراسات والتخطيط الاخير الصادر في (نيسان 2022)، قرابة 80 بالمائة لا يريدون الترشح او الانخراط في احزاب او حتى المشاركة في انتخابات، عزوف الشباب في اخر انتخابات تشريعية عراقية وتقلص نسبة المشاركة هو السبب الاكبر في وصول العملية الديمقراطية الى مأزق وانسداد، هذا يعني ان الشباب لايثق بالساسة والاحزاب والزعامات، ربما يكرهها، وقد يكون مستعدا للخروج عليها في اول بادرة سخط وغضب واحتجاج انه بركان خامد كما يصفه الملخص التنفيذي لمركز البيان.

هل نحن في معزل عن هذه المتغيرات الكبرى الجارية في العالم؟ ، قد يفسر لنا مقال الراي الذي نشره رؤوساء وزارات المانيا واسبانيا والبرتغال في الصحف الاوربية الكبرى، نمط التفكير والاهتمام بالمتغيرات والمشاعر والتوجهات السياسية والخيارات التي تصنع المستقبل القريب. الشخصيات الثلاث ذكرت بالماضي الحالك لأوروبا ابان الحروب التي انتجتها اتجاهات سياسية متطرفة كما جرى في المانيا بعد الحرب العالمية الاولى ،حيث صعد الاتجاه النازي من قاع الاضطراب الفكري والمشاعر السياسية المدلجة، العالم يشهد تموجات خطيرة، لذلك دعا هؤلاء السياسيون الكبار (شولتس وسانشيز وكوستا) الى دعم الرئيس الفرنسي ماكرون لولاية ثانية داعين الفرنسيين الى عدم التصويت لمرشحة اليمين ماري لوبان لأنها متطرفة ومنحازة الى بوتين وغير ديمقراطية ولاتكن احتراما كبيرا للحرية والديمقراطية والسيادة والقانون وهي القيم المقدسة التي انتجها فكر التنوير الفرنسي وصنعت عالما جديدا.

لاشك ان السياسيين الثلاث تدخلوا بشكل واضح لصالح تعديل اتجاهات الفرنسيين لئلا تغلبهم مشاعر الانفعال والغضب من الانجاز الضعيف لماكرون، انه تدخل محسوب لتأطير اتجاهات الرأي العام الاوربي، قادة اوروبا يدركون قيمة المراهنة على افكار احزاب الوسط في ظرف عصيب حيث الحرب البوتينية على ابواب قارتهم العجوز ،والمتغيرات ستكون في اول منعطف سياسي واقتصادي حيث فقد الاوربيون ثقتهم بمظلة الحماية الامريكية وبات عليهم ان يعيدوا النظر في سياساتهم الدفاعية ،كما عليهم ان يستعدوا لاضطرابات عنيفة في مصادر الطاقة، وما ينتج عنها من اثار اقتصادية تضعف الثقة باحزاب الوسط وتدفع نحو اليمين القومي المتطر .

كل العالم يتغير أو يستعد للتغيير من افغانستان التي تتقاتل فيها تيارات السلفية الطالبانية والداعشية وهم من مدرسة ومحركات متقاربة، الى افريقيا، الى جزر المحيط الهادي حيث تزحف القدم الصينية بهدوء، اما نحن فساكنون جامدون تكلس الفكر عندنا وما زلنا ندمن شعارات اليسار الثوري العروبي والماركسي واضفنا له اليسار الاسلامي، حتى من كان مصنفا على اليمين صار اليوم ينافس على مقاعد اليسار دونما تنظير ذي قيمة وانجاز ملموس. وستداهمنا المتغيرات في غمرة صراعنا على الماء والكلاء !؟.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي