التحولات الإستراتيجية في الحرب الروسية الأوكرانية
بعد إغراق السفينة الروسية وانعكاساتها على عقيدة الردع النووي
د. عمار أحمد إسماعيل المكوطر
2022-04-19 07:39
بعد شلل منظومة الأمن الجماعي متمثلة بمنظمة الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وحل كثير من النزاعات والصراعات الدولية، واستمرار العمل بمبدأ توازن القوى كوسيلة بديلة عنه لتحقيق أهدافه، وعدم تغير قواعد القوة وميزانها، لم يفلح هو الآخر في منع الحروب وتصاعد الصراعات الدولية، والحد من الأزمات الدولية المتصاعدة خاصةً بين أقطاب السياسة العالمية.
وقد شهدت بداية الألفية الثالثة كثير من التغيرات السياسية في أنظمة الحكم بدفع من أطراف دولية فاعلة، وتفاقم حدة الصراعات التي امتد مسارها من القارتين الأفريقية والأسيوية صعود إلى القارة الأوربية متمثلاً ذلك في غزو روسيا لجورجيا في العام 2008، ثم ضم روسيا الاتحادية لشبه جزيرة القرم في العام 2014، ومن ثم الغزو الروسي لأوكرانيا وتصاعد وتيرة الحرب خلافاً لجل التوقعات السياسية في أنها حرب سريعة خاطفة تنتهي بتسويات سياسية وفق ترتيبات بين القوى الدولية الفاعلة.
وبغض النظر عن حيثيات الحرب ومغذياتها، إلا أنها أخذت منعطفات خطيرة على أطرافها وسواهم، في أبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، إذ باتت مسارات الحرب لا تشي بالعودة إلى ما قبل اندلاعها أو احتواءها عند حدود معينة، فتدخل أغلب الدول الأوربية والولايات المتحدة عبر تزويد أوكرانيا بالأسلحة ودعمها المستمر جعل من الروس ينظرون أنهم يحاربون حلف الناتو وحلفاءه، وإن ما يسقط منهم من قتلى وما يتعرضون له من خسائر جراء الحرب يتحمل الناتو والغرب مسؤوليته.
وفي التطور النوعي الأخير المتمثل بغرق السفينة الروسية الأهم في البحر الأسود موسكافا بفعل قصف صاروخي أوكراني عقد المشهد إلى حالة اللاعودة المؤكدة لأية تسويات سياسية، لانعكاس ذلك على الداخل الروسي، كرأي عام أو في معنويات الجيش الروسي وقادته السياسيين المعارضين للحرب، وما يشكله من خطر على الأمن القومي الروسي سياسياً وأمنياً وجغرافياً، مما جعل من الروس يحملون الغرب والناتو مسؤوليته، وقد يدفعهم لتصحيح المعادلة آنفة الذكر من الرد النوعي في الساحة الأوكرانية (استخدام سلاح نووي تكتيكي)، وكذا كرسالة ردع للولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
وهنا تسقط معادلة الردع النووي السائدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945، بل لعله المشهد الأكثر واقعية في ظل النكسة التي تعرضت لها القوات الروسية، في عدم القدرة على احتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وحسم المعارك في جبهتها الشرقية، وغرق السفينة موسكافا في مياه البحر الأسود، وهي تعد الحامية لأسطولها هناك ومزودة بمنظومة ( S300).
ويبقى السؤال الأكثر أهمية هو: ما رد فعل الغرب والولايات المتحدة إزاء ذلك؟ ففي السكوت عنه تشجيع لروسيا وانكسار للإرادة والقوة الغربية، أو الرد؟ وبالتالي نكون أمام حرب نووية بين الروس وخصومهم، علماً بأن العقيدة الاستراتيجية النووية الروسية قد تغيرت عما كانت عليه زمن الاتحاد السوفيتي الذي تفكك في العام 1991، إذ بات استخدام السلاح النووي مسألة تقديرية لصانع القرار الروسي لكل ما يراه تهديداً للأمن القومي الروسي، وحادث غرق السفينة الروسية، رغم عدم إقرار روسية بغرقها نتيجة قصف بصاروخ أوكراني، إلا أنه يرقى لمسألة تهديد للأمن القومي الروسي، وكذا دعم الغرب العسكري لأوكرانيا، وقد بدا مثل هذا، في محاولة انضمام كل من فنلندا والسويد لحلف الناتو وما جاء من رد حاسم من نائب رئيس الأمن القومي الروسي ميدفيديف من أن بلاده سوف تنشر أسلحة نووية في بحر البلطيق.
إزاء هذه التطورات لم يعد العالم يتحدث عن أزمات غذاء وطاقة فحسب إنما أخذ بالحديث عن حرب عالمية ثالثة وسلاح نووي، وهو موضوع كان بالأمس القريب ينظر للمتحدث عنه بشيء من السخرية أو الاستهجان، بيد أن طبيعة الأحداث تسير بسرعة متزايدة نحو المشاهد الأسوأ، وربما يكثف أو يضاعف منه، فيما أقدمت الصين على غزو تايوان، وفشل المفاوضات الأمريكية الإيرانية، أو وجه الكيان الصهيوني ضربة لإيران أو حلفائها، ذاك كله محتمل الوقوع بين فينة وأخرى.
يبقى التوقع الأرجح لأي سيناريو مخفف، هو عالم مضطرب، قلق، فوضوي، يعيش حالة من الرعب والشك وعدم اليقين، يعاني من أزمات كبرى في شتى المجالات، أما في السيناريو الأسوأ فهو نهاية الحضارة العالمية أو لنقل الغربية بالدرجة الأساس ومثيلاتها، وعليه، ومن مبدأ الأزمة فرصة، فعلى الدول العربية والإسلامية أن تنأى بنفسها عن هذه الصراعات والحروب والوقوف على تل التفرج حتى تنجلي غبرة الصراعات والحروب القائمة والقادمة، ولتهتم بشأنها وشعوبها، وأمنها عامة، والغذائي منه خاصة وكل ما يكفل سلامتها أو التقليل من المخاطر المحدقة بالأفق العالمي.