ما بعد ٢٠٠٣

محمد عبد الجبار الشبوط

2022-04-12 06:47

وجهت سؤالا الى قراء صفحتي في الفيسبوك عما تحقق وعما لم يتحقق بعد ٩ نيسان من عام ٢٠٠٣، اي بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي في العراق. وذيّلت السؤال بعبارة "اجاباتكم الموضوعية مهمة بالنسبة لي". وشارك عدد كبير من القراء في الاجابة عن السؤال، وكانت اغلب ان لم اقل كل الاجابات موضوعية، سلطت الاضواء على حقلين من الاجابات: حقل يشمل فقرة ما تحقق، اي الايجابيات، وحقل يشمل فقرة ما لم يتحقق، اي السلبيات. وهذه النظرة الموضوعية والتفكيكية للواقع ضرورية من اجل سلامة الحكم على الواقع، وهي على خلاف النظرة المنحازة التي تتحدث فقط عن السلبيات وهي نظرة تورث اليأس وفقدان الامل بامكانية تحسن الواقع المعاش.

تركت للقراء الحرية الكاملة في ملء الحقلين بما يرون، واترك الحرية لنفسي في هذا المقال للجواب عن سؤالي.

عاش العراق منذ عام ١٩٦٨ حصارا معرفيا وثقافيا وبالتالي حضاريا فرضه نظام حزب البعث تدريجيا، وكأن هذا النظام يطبق السياسة الفرعونية التي اشار اليها القران الكريم نقلا عن فرعون بقوله :"قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ". فقد كان حزب البعث يعتقد انه وحده يملك الحقيقة، وان ماعداه لا يعلمون شيئا. وهكذا اضطهد فكريا الشيوعيين والاسلاميين والناصريين لانهم يختلفون معه جزئيا او كليا. وهكذا فرض رقابة مشددة على حركة الفكر والثقافة والاعلام ومنع النشر الا ضمن قواعده، وحرّم دخول المطبوعات التي تخالف افكاره. ومع تنامي النزعة الاستحواذية والاقصائية عند البعث، اصبحت اقوال صدام هي المعيار الذي تقاس به الافكار الاخرى، هذا إنْ سُمح للافكار الاخرى بالوجود، لان الساحات الثقافية والاعلامية اصبحت حكرا على اقواله حتى انه نقشها على جدران القصر الجمهوري.

وكان من نتيجة ذلك ان انقطع العراق عن الثقافات والحضارات العالمية، وتوقفت الحركة الحضارية للمجتمع العراقي عند السقف المتخلف والمتدني الذي شكلته "اقوال" صدام. وحُرم العراقيون من التواصل مع العالم من خلال الانترنيت والاعلام ومنتجات الحضارة العالمية المعاصرة الاخرى.

وكان للانقطاع الثقافي عن العالم الاثر الكبير في تعميق وترسيخ حالة التخلف الحضاري للمجتمع العراقي بعد كان في العصور القديمة والعصور الوسطى منارة للفكر والثقافة والرقي.

لكن سقوط النظام البعثي في عام ٢٠٠٣ كان اشبه بسقوط جدار برلين في ٩ تشرين الثاني من عام ١٩٨٩، فقد انفتح المجتمع العراقي على العالم، وعلى الحضارة العالمية، واتيح له المجال لأن ينهل من جداولها الجارية ما شاء له ذلك بلا رقيب وحسيب. فكان الانفتاح الحضاري من اهم ما تحقق بعد سقوط النظام الدكتاتوري.

واليوم اصبح بوسع المواطن العراقي ان يطلع على مجريات العالم في مختلف المجالات كما هو حال المواطن الاميركي والبريطاني والدانماركي وغيرهم من سكان الدول المنفتحة حضاريا. وهذا يفسر الكثير من الظواهر الجديدة في المجتمع العراقي.

لكن هذا الانفتاح الحضاري لابد ان يحمل معه ايجابيات وسلبيات في نفس الوقت، لان عنصر المفاجأة قد يخل بتوازن المجتمع وهذا موضوع اخر بحاجة الى بحث مستقل.

.............................................................................................

* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا