مجموعات التنمية المجتمعية المحلية

جميل عودة ابراهيم

2022-02-16 06:35

هناك ثلاثة تحديات تواجه السلطات المحلية في التخطيط لتنفيذ الخدمات والمبادرات والبرامج والمشروعات في الأقضية والنواحي، أول هذه التحديات هو محدودية الموارد البشرية، تارة من حيث قلة عدد موظفيها قياسا بالمسؤوليات والأنشطة التي ينبغي أن تؤديها هذه السلطات المحلية. وتارة بوجود فائض كبير في عدد الموظفين قياسا بالمسؤوليات والمهمات التي تقع على عاتقها، بحيث إن (10%) فقط من الموظفين هم وحدهم قادرون على تنفيذ تلك المسؤوليات والأنشطة، بينما (90%) من الموظفين ليس لهم أنشطة حقيقية، في الوقت الذي يتسلمون فيه رواتبهم أسوة بالموظفين الناشطين.

والتحدي الثاني هو محدودية الموارد المالية، إذ دائما ما تكون خدمات ومبادرات وأنشطة ومشروعات السلطات المحلية أكثر من الموارد المالية الفعلية المتاحة للسلطة، فيحصل أن تتخلى الإدارة المحلية عن بعض أنشطتها وفعالياتها أو تدفع بتأجيلها بهدف تنفيذ الأنشطة الأخرى ذات الأولوية المحلية.

والتحدي الثالث، هو محدودية الصلاحيات، إذ لا يجد المسؤولون في السلطات المحلية ما يسعفهم من صلاحيات لتنفيذ خططهم وبرامجهم التنموية، أو ما يحتاجونه من أجل تلبية احتياجات السكان المحليين المتزايدة مما يضطرهم في الغالب للاستعانة بالإدارة العليا.

والسؤال الأكبر هنا، لما كانت كل الإدارات، سواء اتحادية أو محلية، تشكو من محدودية الموارد البشرية، والمالية، ومن محدودية الصلاحيات من جهة، ومن جهة ثانية فان المطلوب منها أن تتحمل مسؤوليتها السياسية والقانونية والإدارية إزاء متطلبات السكان المحليين المتزايدة، فماهي الأفكار والمقترحات التي إذا ما اعتمدتها السلطات المحلية يمكنها أن تتجاوز العقبات الثلاثة؟

في الواقع، أمام رئيس الوحدة الإدارية طريقان؛ الطريق الأول هو الطريق العادي، وهذا الطريق يعتمد على ما يصل من موارد بشرية ومادية وصلاحيات من الإدارة العليا، فيعمل على وفق ما موجود منها، لا ينقص ولا يزيد، فيٌنفق تلك الموارد أو يستغلها في تنفيذ بعض المبادرات أو المشروعات التنموية المحددة ضمن الخطة التنموية للدولة. وإذا سأله المواطنون المحليون عن وجود تقصير في أداء مسؤولية كرئيس وحدة إدارية فانه يحمل الإدارات العليا المحلية والاتحادية مسؤولية ذلك. وأنهم السبب في التقصير، ويحثهم على التوجه للمطالبة بحقوقهم كونه لا يتمتع بالصلاحيات اللازمة التي تمكنه من أداء مسؤولياته في الوحدة الإدارية.

وفي الغالب فان كثيرا من رؤساء الوحدات الإدارية يحبذون هذا الطريق؛ لأنه طريق سهل، ويستطيعون فيه أن يٌخلوا من مسؤوليتهم القانونية بإلقائها على عهدة الآخرين. وهم محقون إلى حد ما. فالمساءلة والمحاسبة تكون بقدر السلطات الممنوحة لرئيس الوحدة الإدارية، فلا يمكن مساءلته عن مسؤولية هو غير مكلف بها، أو هو غير مخول بها.

ولكن هذا الخيار دائما لا يرضي الكثير من رؤساء الوحدات الإدارية أيضا؛ لأنهم يشعرون بالعجز أو التقصير في تنفيذ مسؤولياتهم كرؤساء وحدات إدارية، ويشعرون بالخجل أمام مواطنيهم حينما لا يتمكنون من تلبية احتياجاتهم الخاصة والعامة. كما أن هذا الطريق لا يشفع لهم عند السكان المحليين، فهؤلاء لديهم مطالب ومظالم، ولديهم مبادرات ومشروعات يريدون من الدولة تحقيقها كونها المسؤولة عنها، وأول مسؤول في الدولة هو مدير الناحية في الناحية كأصغر وحدة إدارية، أو القائم قام في القضاء، وهو من ينبغي أن يتحمل مسؤولية الوحدة الإدارية ودوائرها ومديرياتها، والناس في الناحية أو القضاء لا يعذرونه أبدأ، بل يطالبونه بتنفيذها أو تقديم الاستقالة.

والطريق الثاني هو الطريق غير العادي، وهو طريق صعب وشاق، وهو طريق يُعد خروجا على المألوف في الإدارة العامة، ولكنه طريق يحقق نتائج جدية، ويقفز على كل التحديات البشرية والمالية والصلاحيات، وهو طريق يُعتمد من قبل الكثير من الإدارات المحلية في الدول المتطورة، وبدأ يٌعتمد من قبل الدول الأخدة بالنمو.

وفكرة هذا الطريق هي أن تقوم السلطات المحلية بالتخطيط للخدمات والمبادرات والمشروعات في المناطق المحلية وتمويلها وتنفيذها بالاعتماد على الأهالي أنفسهم. فالمفكرون والمخططون والممولون والمنفذون كلهم من السكان المحليين، فلا السلطات المحلية، ولا السلطات الاتحادية تٌنفق على مثل هذه الخدمات والمبادرات والمشروعات إلا الشيء اليسر.

إن الفكرة تقوم على أساس تكوين مجموعات تنموية محلية، وهي ثلاث مجموعات:

1. المجموعة الأولى: هي مجموعة المفكرين والمقترحين والمبادرين، فمعروف أن في التجمعات البشرية أناس مبدعون في التفكير، وفي التخطيط، ولكنهم لا يستطيعون التنفيذ أو لا يرغبون في التنفيذ. فيمكن لرئيس الوحدة الإدارية أن يختار عددا من السكان ممن يتمتعون بهذه الصفات ويراعي فيهم مختلف الأعمار، ويراعي الجنس، أي وجود رجال ونساء، ويلتقي بهم دوريا، فرادا أو جماعة، ويستمع إلى أفكارهم ومقترحاتهم ومبادراتهم لتطوير المدينة، ويجعل له موظف يٌدون كل هذه المقترحات، ويرتبها على أساس الأولويات المجتمعية. والأشخاص المرشحون لهذه المجموعة في العادة هم أستاذة الكليات والجامعات أو المدرسون، ورجال الدين أو أصحاب الخبرة والمعرفة من كبار السن، أو الشباب والشابات المتحمسون لطرح الأفكار والمقترحات البناءة.

2. المجموعة الثانية: هي مجموعة السكان المحليون الذين يرغبون أو لديهم القدرة على تنفيذ أي خدمة أو مبادرة أو مشروع يسند إليهم، إما كونهم من أهل الاختصاص والمهنة، وإما أنهم يتمتعون بقدرات بدنية جيدة تمكنهم من العمل. مثل أصحاب الحرف المهنية كالفلاحين فيما يتعلق بالمبادرات الزراعية، والتجار فيما يتعلق بالمبادرات الإغاثية، وكالأطباء فيما يتعلق بالمبادرات الصحية، وكالمعلمين فيما يتعلق بالمبادرات التربوية والتعليمية.

3. المجموعة الثالثة: هي مجموعة السكان المحليون الداعمون للخدمات والمبادرات التنموية، فالكثير من السكان المحليون لديهم أموال أو لديهم قدرة على دعم هذه الخدمات التي تقدم إلى مناطقهم. فعندما يرى هؤلاء أن هناك خدمات تقدم ويثقون بمن يقدمها فإنها قطعا سيبادرون بدعم هذه المبادرات. مثل التجار والميسرون ووجهاء المدينة، والمصارف الأهلية، وأصحاب السناتر والمولات التجارية، ورجال الدين، والإعلاميين، والمسؤولين الحكوميين، وأعضاء مجلس النواب وغيرهم.

4. الجهات الحكومية الساندة: ولكي يتمكنوا رؤساء الوحدات الإدارية المحلية من إنجاح هذه الخدمات والمبادرات التي يقوم بها الأهالي بأنفسهم، ومن أموالهم، فان على رئيس الوحدة الإدارية أن يحشد لهم من موظفي الدولة ومن آلياتها ما يمكن أن يساعد على تنفيذ تلك الخدمات والمبادرات. مثل أن ينشأ وحدات تطوعية من الموظفين أنفسهم، وأن يسخر لهم الآليات والوسائل اللازمة. وأن يعمل على تكريم هؤلاء الموظفين بنفسه، أو يطلب من مسؤوله الأعلى تكريمهم بكتاب شكر أو مكافئة مالية، أو شهادة تقديرية لهم أو ترفعهم إلى مناصب أعلى إذا ما قام الموظف المتطوع بأعمال من شأنها أن تخدم المدينة. بل إن مثل هذه الأعمال التطوعية التي يقوم بها الموظفون يمكن أن تكون مؤشرا جيدا على اختيار الموظف المناسب في المكان المناسب، فمن يخدم أبناء منطقته هو أولى من غيره في شغل المنصب الحكومي.

5. وأخيرا فان الحكومة الاتحادية مدعوة إلى تنظيم عمل المتطوعين الحكوميين وغير الحكوميين، وتكريمهم سنويا لتعزيز دوافع العمل التطوعي في العراق ليساهم في تحقيق برامج التنمية المحلية بالاعتماد على السكان المحليين أنفسهم.

...........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2021
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة