المسؤول العملاق والمواطن المنسي
نوزاد حسن
2022-02-05 06:19
قبل سقوط النظام السابق كان هناك حديث يدور عن امكانية ان يكون العراق مصدرا جديدا لشكل جديد من السلطة هو النظام الديمقراطي الذي تريد الولايات المتحدة تطبيقه في العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين بالقوة العسكرية.
لا اظن احدا كان يشك في ان التجربة الديمقراطية ستنجح عندنا. فأي نظام بديل هو أفضل من نظام البعث بكل سنواته العجاف المرهقة، كنا واثقين ان امكانياتنا كبشر ستنطلق بعد ان نضع اوراق انتخابنا لمن نريد في صناديق الاقتراع. في الواقع كنا متحمسين جدا، ومنتشين بالنظام الجديد الذي كنا نصفه بانه طريقة مختلفة يحكم بها الشعب نفسه.
بمرور الوقت تراكمت المشاكل السياسية، ولم يحصل تقدم كبير في ملف الخدمات، وازدادت اعداد العاطلين عن العمل، وشهد الوضع السياسي حيلة غريبة جدا اضرت بالقوى السياسية كلها واعني بها حيلة المحاصصة.
ان هذه التقنية المعقدة جدا قسمت كل شيء على القوى السياسية، وصارت المناصب تذهب للجهة الفلانية، وتلك المناصب للجهة الاخرى بغض النظر عن كفاءة الشخص الذي يتولى منصبه. ومن الغريب ان كثيرا من المسؤولين والسياسيين يتحدثون علنا عن الدمار الذي تسببت به تقسيم المناصب على هوى المتحاصصين. وهذا ما أهدر الاموال والكفاءات وجعلنا نعاني من نقص كبير في تقديم خدمة جيدة على المستويات جميعا.
اظن أننا وصلنا اليوم الى صناعة ديمقراطية محلية وضيقة خاصة بنا، ولا تثير فضول اي جار يسكن في مدار حدودنا الإقليمية، كما لا اشك في ان هناك من يدعو ان لا تتعرض بلاده لهذا النوع الغريب من الديمقراطية التي تواجه كل هذه الصعوبات والمشاكل التي لا تنتهي، حين يتحدث مواطن بلا عمل او حامل لشهادة جامعية عن حل لمشكلته فانه يتوجه لمسؤول معين يناشده من اجل مساعدته، وايجاد فرصة عمل له. ما معنى هذا الكلام؟
ببساطة: يناشد المواطن المسؤول بالاسم لان هذه الديمقراطية لم تستطع ان تبني مؤسسة تطبق قانونا واضحا يخضع الجميع له. ما زال المسؤول شخصا عملاقا يبلع المؤسسة في جوفه، ويكون حضوره اقوى منها بحيث يصرخ المواطن موجها كلامه اليه، في الديمقراطيات الحقيقية يتضاءل حجم المسؤول، ويكاد يختفي تماما. اما في ديمقراطيتنا المحلية تختفي المؤسسة امام عظمة المسؤول وحضوره.
هل ما يحدث يوميا من فوضى سياسية هي امر طبيعي على الانسان ان يتأقلم معه، وان يتعود عليه؟ هناك من يطالب المواطن ان يكون حكيما كسقراط، وان يصبر، وان يكون هادئا جدا لان الحكمة ضرورية، وان الانسان هو في نهاية الامر كائن قوي وعليه ان يقدم نفسه هدية للصبر.
نحن نستمع يوميا الى قصص يرورها اناس يغضبون، ويصرخون بهستيريا قوية كأنهم يريدون اسماع شخص اصم يتجاهلهم. هذه الهستيريا هي رد فعل نفسي على كل ما يقع من اخطاء. أما حكاية الصبر الذي يشبه مادة طبية علينا ان نتناولها يوميا للسيطرة على اعصابنا فهذا هو ما لا يمكنني فعله.
بعبارة واحدة: العراقيون عصبيون، منزعجون، وقليلو صبر. ولعل حلقات الكاميرا الخفية التي تصور تعكس جانبا كبيرا من أنفسنا المغلفة بطبقات من الغضب، والاختناق، لا يريد السياسي الاعتراف انه يتسبب في تحطيم طريقة تفكيرنا وهدئنا، بمعاول الطائفية يهدم السياسي سقف اماننا الاجتماعي، وبتصريحاته الفارغة من اي حس وطني، يهدم جدران بيت يؤوينا جميعا.
الذين يصبرون لا يعرف لماذا يصبرون. البلد الغني لكنهم فقراء. وفرص العمل قليلة الا انها متوفرة لمن لديه واسطة قوية تقدم له الوظيفة ومعها قبل. والامان مفقود الا لمن يمتلكون الجاه والحمايات، من المنطقي جدا ان يشعر لواطن بانه منسي في وطنه، انه على الهامش، ولا أحد يهتم به، المواطن يناشد دائما لكنه لا يحصل على اية فائدة.