الغايات الخمس لنظرية السلطات العشر
جميل عودة ابراهيم
2021-12-26 06:30
يرى السيد مرتضى الشيرازي أن توزيع السلطات والقدرات بين جميع الفئات والجماعات والجهات على وفق نظرية (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية) من شأنه أن يؤدي إلى وجود حكومة قادرة على تحقيق الغايات الإنسانية العليا التي ذكرها الإمام علي عليه السلام في قوله: (لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الْأَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر).
والمقصود من (فاجر) في قوله (ع) (أمير بر أو فاجر) أي الفاجر في حياته الشخصية، لا الظالم المستبد. ولذا رتب الإمام على إمرته وحكومته الأهداف والغايات الخمس فان الظالم المستبد لا يأخذ من القوي للضعيف بل بالعكس يأخذ من الضعفاء ليعطيه للأمراء والوزراء والكبراء. كما أن الحاكم المستبد لا يسمح للمؤمن بالعمل ولا للكفار بالاستمتاع (إلا لبطانته) كما أن البر لا يستريح في حكومة المستبد ولا يستراح فيها من الفجار الغاصبين لحقوق الناس وسراق المال العام والمحتكرين للسلطة السياسية والاقتصادية وغيرها.
وبالطبع فإن الإسلام يدعو المسلمين إلى اختيار الحاكم البر العادل الأمين. ويضع الإمام شروطا لابد أن يتصف بها الحاكم الإسلامي، وهي أنه يجب أن يكون: كريم النفس كي لا يتطاول على أموال الناس، وعادلاً لكي يسوّي بين الناس في العطاء، ونزيهاً في القضاء، وأبياً لا تغره المغريات والرشى، وألا يفضل أحداً من أقربائه على أحد الناس في الحكم لكيلا يعطل الحدود ويخرق القوانين، بالإضافة إلى أمور أخرى جمعها (عليه السلام) في قوله: (وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَلاَ الْمَعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الْأُمَّةَ).
ويذكر السيد مرتضى الشيرازي خمس غايات كبرى يسعى للوصول إليها من خلال أطروحته (السلطات العشر) وهي:
1. إقرار العدل:
حيث إن من واجبات أي سلطة هو تحقيق العدل بين الناس جميعا، والصورة الأوضح هو أن تأخذ السلطة الحاكمة الحق من القوي وترجعه إلى الضعيف، كما يشير الإمام علي عليه السلام (ويؤخذ به للضعيف من القوي) وهذا لا يتحقق كاملا ما لم توزع السلطة بين أكبر عدد من الفئات والجماعات والاتجاهات. فتوزيع السلطة بين عشر سلطات أو أكثر يضعف قدرتها على التجاوز على حقوق الآخرين من جهة. ويدفع كل منها من باب التنافس على تحقيق الأفضل والأحسن إلى مراعاة حقوق الضعفاء والفقراء من جهة ثانية.
وبهذه الطريقة يأمن الناس على أرواحهم وأموالهم وحقوقهم وحرياتهم، فالعدل هو هدف جميع السلطات العادلة. وهو غاية الرسالات السماوية كلها، متمثلا في قوله سبحانه: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
2. تحقيق السلم والأمن:
تشجع نظرية (السلطات العشر) على تحقيق السلم والأمن المجتمعيين، والمقصود منهما أن يعيش أفراد المجتمع بسلام ووئام وتفاهم وحل للمشكلات مهما كانوا مختلفين في اللغة أو الجنس أو اللون أو الدين أو المنطقة أو غيرها من الاختلافات الطبيعة المتعارف عليها في المجتمعات البشرية. فالمجتمع الذي يعيش بسلام وأمان هو مجتمع مستقر، والاستقرار يحقق له التقدم والتطور والتنمية، وعكسه تماما المجتمع الذي يعيش بحرب، فهو مجتمع لا ينعم بالاستقرار، بل تسوده الفوضى والعنف، فهو مجتمع متخلف لا تقدم فيه ولا تنمية.
وعليه فان فكرة (السلطات العشرة) تساعد المجتمعات الحديثة على فرض سلطة القانون، وتضمن تبادل الحقوق والمصالح المشتركة بين فئات وشرائح المجتمع وشعور الجميع بمسؤولياتهم المشتركة تجاه حماية سلمهم الاجتماعي، حيث يأمُرنا الله سبحان وتعالى في محكم كتابه العزيز بقوله (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه كان لكم عدوا مبين).
3. توفير بواعث الراحة والاستراحة:
تساعد نظرية (السلطات العشر) على توفير بواعث الراحة والاستراحة، لأنها أقدر من السلطات المنفردة، أو السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) على تحقق المتطلبات المجتمعية المتزايدة، مثل حماية الحريات العامة، والمحافظة على الحقوق، وتوفير فرص عمل، وتحقيق التنمية المستدامة. لأن من شأن السلطات المتعادلة والمتكافئة في الصلاحيات والواجبات والحقوق أن تعمل معا على تحقيق أكثر ما يحتاجه المجتمع منها معنويا وماديا مما يوفر الراحة والاطمئنان لأفراد المجتمع على تنوعه واختلافه.
4. حفظ البلاد من عدوان الأعداء:
بل من فجور الفجار والظلمة كالمحتكرين والمرتشين، حيث تساعد (السلطات العشرة) على توفير حماية داخلية للمجتمع ليس من حيث توفير قوات حفظ النظام فقط بل من حيث تماسك المجتمع بأفراده وجماعاته ودياناته وأقوامه، لأنهم جميعا يشعرون كما أن حقوقهم واحدة ليس فيها تمييز بينهم فان مسؤولياتهم وواجباتهم أيضا هي واحدة.
وإن هذا الشعور يدفعهم جميعا إلى الدفاع عن الوطن والأرض والحقوق والحريات، سواء أكان العدو من داخل البلاد ممن يريدون جر البلاد إلى حروب ونزاعات أو يجرون البلاد إلى أنواع من الظلم والاستبداد، أم كان العدو عدوا من الخارج. حيث إن طبيعة المشاركة في الحكم والسلطة وتكافئ في الفرص والمسؤوليات كلها ستكون سدا منيعا أمام أي عدو يريد زعزعة أمنهم واستقرارهم وتنميتهم.
5. إعادة توزيع الثروة بالعدل:
وتنمية الموارد البشرية والطبيعة وغيرها من جباية الفيء؛ حيث تكون فكرة (السلطات العشر) أفضل صيغة من صيغ الحكم في المحافظة على الثروة وتوزيعها بالعدل بين جميع فئات المجتمع ومكوناته المتعددة، إذ لا يستطع أحد بمفرده ولا جماعة لوحدها أن تستحوذ على ثروة البلاد وتسخرها لمصلحتها من دون مصلحة الجماعات الشريكة الأخرى. كما أن خطط التنمية البشرية واستغلال الموارد الطبيعة التي وهبها الله للبشر ستكون أيضا على قاعدة الشراكة المجتمعية. فيستفيد منها الجميع دون استثناء، ويحصد الجميع ثمارها من دون يستأثر بها أحد.