دليل المواطن لزيارة المؤسسات الحكومية
مسلم عباس
2021-10-03 07:32
قالوا في الزمن السابق: من لم يدخل الجيش لم يخبر الحياة جيداً، وحالياً نقول: من لم يراجع المؤسسات الحكومية لم يفهم الحياة وتعقيداتها.
وقولنا هذا ليست تجنياً على موظفي القطاع الحكومي، هؤلاء هم ملوك الأرض وسادة الوطن، أي موظف حكومي في العراق هو ملك زمانه، لا يستطيع أحد طلب المشورة منه، ولا تقديم خدمة هي في صميم واجبه الذي يستلم من أجله الراتب نهاية الشهر.
يبدأ الموظف الملكي يومه في الصباح غير الباكر، يتناول الفطور أمام أعين المواطنين الذي يقفون في طوابير الانتظار، ثم يذهب للمغاسل لينظف فمه، يعود مجدداً إلى كرسيه لتناول الشاي، وخلال هذه المدة يطلق النكات مع زملائه.
ينتهي من الشاي يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، يشاهد بعض الأخبار المزيفة فيصدقها وينشرها بين زملائه، بينما يسمع شكوى المواطنين في الشباك بسبب تأخره في انجاز معاملاتهم.
بعد انقضاء نصف ساعة من بداية الدوام الرسمي يفتح الموظف الملكي الشباك الصغير فيبدأ الطابور كالسيل الجارف، تعم الفوضى في المكان، يصرخ الموظف بالمواطنين ويبدأ بالقاء الخطب التي تتحدث عن ضرورة الإلتزام بالقوانين، ويهددهم بغلق الشباك في حال عدم التزامهم، متناسياً أنه قضى نصف ساعة من الدوام الرسمي في تحضير الفطور.
تلك هي الصورة المصغرة لما سيواجه أي مواطن في المؤسسات الحكومية العراقية، ولهذا تجد المواطنين بحاجة إلى ابتكار أساليب جديدة لإتمام معاملاتهم الرسمية، ففي حال التزامهم بالقانون لن يحصلوا على شيء.
أساليب المراجعة
١. أن تسير وفق توجيهات الموظف الذي يقول أنه يستند إلى القانون تفقد كل شيء، لأن نظام الواسطة هو المعمول به فعلياً في العراق، ومن الصعب إتمام معاملاتك الرسمية بدون واسطة أو رشوة.
٢. تستأسد على الموظف... الموظف الفاقد للالتزام القانوني والأخلاقي، هو إنسان جبان، لذلك من الجيد التشاجر معه، لإثبات القوة والهيبة، وحينما يعرف حجم شراستك وقوتك، يبدأ بالتملق لك ثم يتحول إلى صديق ودود لك يقدم لك كل الخدمات التي تحتاجها.
٣. النفاق، قد لا تحتاج إلى الشراسة والقوة، إنما إلى قليل من النفاق، والموظف يعرف جيداً أنك تستعمل النفاق معه، لكنه مع ذلك يفضل هذا الأسلوب ليقنع نفسه أنه أنسان محبوب ويؤدي حقوق الناس.
لكن هذه الأساليب غير قابلة للتطبيق إذا لم يضع المواطن في جعبته بعض الأمور المهمة وفي حال اخفاقه فيها يخسر مراجعته وتتعقد مهمته في المؤسسة الحكومية، والمتطلبات هي:
١. فهم القوانين، صحيح أن الموظفين لا يلتزمون بالقانون، لكنهم قد يزعمون أن سلوكهم قانوني رغم مخالفته للقانون، وحينما تكون عارفاً بالقانون وتكشف لهم زيف ادعائهم، سوف يخشون جانبك، ويعرفون أنك مواطن عارف بحقوقك.
٢. عالم نفس ليفهم أنواع الموظفين، لأن العمل الوظيفي قائم على المزاج الشخصي للموظف والمدير، تحتاج إلى سرعة البديهة لفهم نفسية الموظف الذي تتعامل معه، وأبرز العقد النفسية الملازمة.
٣. ثعلب لتكون مراوغاً جيداً في بعض المواقف، فالمكر والخداع مهم عند مراجعة المؤسسات الحكومية العراقية.
قد يفهم القارئ أنني اشجع على الخديعة ومخالفة القوانين، إلا أن ما أكتبه هو استفزاز للمجتمع والحكومة والجهات الرقابية لتعرف حجم المشكلة الإدارية التي يعاني منها العراق، فالتعقيدات التي يفرضها الموظف الحكومي غير مبررة بالمرة.
فهل يعقل أن معاملة بسيطة تستمر لأشهر وربما لأكثر من سنة، تتوقف على توقيع هنا وهتم هناك، ثم يضيعها الموظف دون أي محاسبة قانونية.
وظيفة الكاتب هي التأشير على الحالات السلبية، ووضع المعالجات لها، والهيكل الإداري العراقي مترهل وميت سريرياً وغير مفيد إلا في نطاق محدود.
نظامنا الإداري يمثل أحد اكبر التحديات التي تواجه إصلاح الواقع الفوضوي في البلاد، وبينما يحاسبك الموظف على ختم وتوقيع ليثبت أنه ملتزم بالقوانين، بينما هو في الحقيقة يخالفها في اغلب الأحيان عبر التأخير غير المبرر، وعدم وضع جداول زمنية محددة للعمل، فضلاً عن غياب الرقابة الشعبية والإعلامية على عمل الموظفين.
وإن وجدت هذه الرقابة فإنها غير فاعلة، ولا تستطيع تغيير الواقع نحو الأفضل.
الحل الأمثل لكل هذه الفوضى هو إلغاء نظام التعيينات الأبدية، وتحويل الموظفين إلى متعاقدين، حيث يعتمد نظام التعاقد على الحاجة والكفاءة، هذا الأمر سيؤدي إلى تفكيك دولة الموظفين، وتقليل حالات التهرب من العمل، بل سيجبر الموظفين على العمل بأقصى جهد ممكن من أجل عدم انهاء عقودهم.