الاتفاق النووي بين نكسة حزيران وجدار برلين
حيدر الجراح
2015-07-16 02:54
حرب الأيام الستة هي التسمية التي اطلقتها إسرائيل المنتصرة على حرب حزيران، والنكسة كما سماها العرب المغلوبين على امرهم، وهم الذين توهموا وعبر خطبهم القومية الرنانة انهم سيدخلون الى تل ابيب عند وقوع الحرب.
هذه التسميات البسيطة، لم تكن كافية وقتها او بعد ذلك، عن حجب ضخامة الصدمة التي حلت بالعرب والمسلمين في تلك الفترة، لكن هذه الحرب كانت ولاتزال حتى اليوم بالنسبة اليهم الفاجعة الاساسية التي تؤثر في رؤيتهم للعالم وفي سلوكهم.
كان السؤال الذي حاصر العرب والمسلمين كيف أمكن ان تحصل مثل هذه الهزيمة؟
منذ سنوات يتشابه الوضع العربي والإسلامي مع الأوضاع التي سبقت تلك الهزيمة الماحقة والساحقة، فالصراع العربي الإسرائيلي انتقل الى صراع سني شيعي، في المحاور الأربعة الرئيسية (العراق – سوريا – لبنان – اليمن)، صراع بين قوتين اقليميتين كبيرتين هما ايران التي صادرت قيادة العالم الشيعي، والسعودية التي صادرت قيادة العالم السني، كلاهما وعبر أيديولوجيات سياسية تتعكز على المذهب والطائفة، وتستدعي التاريخ، تريد بسط نفوذها وانتزاع شرعية حق التمثيل لكل من المكونين.
هذا الصراع يستدعي شيطنة وأبلسة الاخر، والصاق كل النعوت والصفات الخبيثة فيه، ويستدعي أيضا التحشيد والمناهضة ضد هذا الاخر، بكل الإمكانيات والوسائل.
عاصفة الحزم واحدة من تلك الوسائل، اندفعت اليها السعودية في اليمن ضد من تقول انهم يمثلون مصالح الإيرانيين في هذا البلد المبتلى بالصراعات والفقر والاقتتال، وكان شعارها وقف النفوذ الإيراني من التمدد الى الجزيرة العربية والى المعابر البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية.
عاصفة الحزم وفرت للسعودية نوعا من الغطاء الشرعي لحربها تلك، مثلما وفرت أوضاع العالم العربي قبل العام 1967 غطاءا شرعيا لعبد الناصر لقيادة الامة العربية، وأصبح من خلال ذلك زعيما قوميا، اقتدى بخطواته بعد سنوات صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، وكان ما كان من مصير هذين الرجلين.
بعد الاتفاق النووي بين ايران وامريكا والدول الاوربية الكبرى، سيطرح المواطن العربي والمسلم سؤاله بصيغ وتعابير مختلفة: كيف امكن حدوث ذلك؟ وهل اختارت تلك القوى المعسكر الشيعي على حساب المعسكر السني؟
مثلما اثرت نكسة حزيران على رؤية العرب والمسلمين للعالم وعلى سلوكهم، هل سيؤثر هذا الاتفاق كذلك؟
جدار برلين والذي كان يمثل حاجزا بين ايديولوجيتين اشتراكية ورأسمالية، ومعسكرين غربي وشرقي سقط في العام 1989، مسقطا معه تلك الأيدولوجيات الاشتراكية والشيوعية واليسارية، مع سقوط مدو للمعسكر الشرقي، وكان من نتائجه تفكك الاتحاد السوفياتي، ودخول الأفكار الجديدة الى دول تلك المنظومة، من قبيل الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان وغيرها من شعارات شجع عليها المعسكر الغربي.
وكان من نتائجها أيضا ولادة الاتحاد الأوربي، تلك القوة الاقتصادية والسياسية التي لم تكن لولا سقوط هذا الجدار.
الاتفاق النووي يمكن ان يكون مثل جدار برلين بالنسبة للإيرانيين، فهو مرحلة جديدة وشديدة الخصوبة يمكن ان تدشن للكثير من السياسات الانفتاحية للنظام الحاكم على الداخل، خاصة وان من قاد تلك المفاوضات هم المحسوبون على التيار الإصلاحي وعلى رفسنجاني تحديدا.
وهو اتفاق سيسمح بتجيير انتصاره لصالح الرئيس الإيراني حسن روحاني وطاقمه الى الداخل الإيراني، وسيساعد على ترويج مقولات الإصلاحيين والتي تهدف الى منح مساحة اكبر للحريات مع الاهتمام بالرفاهية الاقتصادية، والتي ستتبعها رفاهية اجتماعية تجعل الداخل الإيراني اكثر تعاطيا مع شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة.