هل يدشن المغرب مرحلة ما بعد الاسلام السياسي؟

وماهي فائدة الدرس عراقيا

د. عامر صالح

2021-09-13 07:11

كان لهزيمة الاسلام السياسي في المغرب بعد الانتخابات التشريعية التي اجريت في 8 سبتمبر وقعها الكبير على مختلف الأصعدة وخاصة على الصعيد المغربي الداخلي وعلى الصعيدين الاقليمي والعالمي فقد رأى الكثير من المحللين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين أنها بداية حقبة انهيار الاسلام السياسي بعد ان انتعش نسبيا بعد احداث الربيع العربي في العام 2011 والتي جرت في مصر وتونس وليبيا.

وسبقها قبل ذلك انتعاش الاسلام السياسي في العراق بعد سقوط الدكتاتورية على أيدي الاحتلال الأمريكي في العام 2003 والتي قام على أثرها الاسلام السياسي وبتشجيع من المحتل بملء الفراغ السياسي الذي تشكل بعد سقوط الدكتاتورية وعدم وجود قوى سياسية مدنية مؤهلة لملء الفراغ بفعل عوامل القمع والاضطهاد والملاحقات التي مارسها النظام الدكتاتوري مما اخلى الساحة السياسية لبدائل تستنفر عواطف الناس وتدغدغ انفعالاتها عبر توظيف الخطاب الديني وزجه في آتون السياسة والذي ادى في محصلته النهائية الى استغلال السياسة والدين.

مني حزب العدالة والتنمية في المغرب بهزيمة كبيرة اعتبرت صفعة لتنظيم الاخوان المسلمين الدولي، حيث حصل فقط على 12 مقعدا في الوقت الذي حصل فيه في الانتخابات التشريعية السابقة بحدود 125 مقعدا وكان مهيمنا على المشهد السياسي والحكومي لحقبة ما بعد 2011، وكانت الهزيمة عبر انتخابات فيها قدر كبير من النزاهة والشفافية وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات بحدود 54% ممن يحق لهم المشاركة في التصويت، واذا كانت صناديق الاقتراع هي من اسقطت الاسلامويين في المغرب فأن الأمر مختلف في مصر وتونس حيث تم ازاحتهم من المشهد بعمليات جراحية سريعة لا تخلوا من اشكاليات كثيرة او اخلال للممارسة الديمقراطية ولكن على ما يبدوا ان تسابق الزمن وقدرات الاسلام السياسي على التحايل وتفريغ الديمقراطية من محتواها لم يدع مجالا للانتظار لتتم ازاحتهم على الطريقة المغربية.

عمل الاسلام السياسي في ما بعد "الربيع العربي" وفي أماكن سيطرته وما قبلها في العراق بعد 2003 على تفريغ الدولة من محتواها ووظائفها الاساسية في الحفاظ على الأمن العام، وتطبيق القانون ونشر العدالة الى جانب الأخلال بوظائفها الاساسية المالية والاقتصادية والاخلال بوظائف الدولة الخارجية من علاقات سليمة والامتناع عن التبعية الاقليمية وتنفيذ اجندة خارجية، وقد غاب مشروع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة وحل مكانها الفساد وسرقة المال العام وانعدام الخدمات الانسانية الأساسية.

الى جانب ضعف هيبة الدولة وارتهانها لمافيات الاسلام السياسي والمسلحة منها بشكل خاص، وباتت سرقة المال العام ثقافة شائعة تجد شرعيتها في فتوى المرضى من الاسلامويين الذين يرون في سرقة الدولة واموالها حلال في حلال.

بالتأكيد ان هزيمة الاسلام السياسي في المغرب في الدورة الانتخابية التشريعية لا يمكن قراءتها بأنها خسارة مطلقة وبدون عودة فهذا امر غير صحيح لأن حاضنة الاسلام السياسي موجودة من خلال انشطة الاسلامويين الخفية في كافة القطاعات الاجتماعية ونحن نعرف ان الخطاب الاسلاموي العاطفي له انصاره في اوساط الفقراء والمعدوميين وخاصة عندما لا تقترن الحياة السياسية القادمة بمزيدا من اجراءات محاربة الفقر والبطالة وتحقيق مزيدا من العدالة والمساواة الاجتماعية وتحسين الخدمات، ولا تعني ان هزيمتهم انهم لم يعودوا ثانية بنفس الكثافة الى قبة البرلمان والحكومة.

ولكن المهم هو تفويت فرصة عودتهم من خلال الارتقاء بمستوى الحياة العامة واضعاف خطابهم الديني السياسي الذي يحرض على التعبئة القطيعية المضرة للممارسة الديمقراطية، ولكن المطمئن في الامر انهم ازيحوا بعملية ديمقراطية نزيهة بقدر كبير تعكس مدى تبلور الوعي المجتمعي صوب خياراتهم الانتخابية، والاهم من ذلك ان العملية الانتخابية جرت في ظل استتاب الامن المجتمعي ووحدة اجهزة الدولة وأدائها الوطني وفي قدر من عدم زج الدين في السياسية في الدعاية والعملية الانتخابية.

الاستفادة من الدرس الانتخابي المغربي للحد من نفوذ الاسلام السياسي عبر صناديق الاقتراع يرتبط اساسا في توفير مقومات الحدود المعقولة من بيئة انتخابية ملائمة لحرية الاختيار والأدلاء بصوت الناخب بعيدا عن الضغوطات الدينية السياسية والعشائرية والمناطقية والشللية الحزبية الى جانب توفير فرص العدالة لكل القوى السياسية لخوض غمار المنافسة الانتخابية الشريفة وعدم افساد ارادة الناخب في الضغط على خيارته.

في العراق لا تتوفر بيئة انتخابية آمنة رغم الادعاء الحكومي بتوفيرها فهناك سلاح منفلت يعرف الجميع عائديته، وهناك مال حرام يتم استخدامه من قبل الاحزاب الفاسدة في تمويل الحملات الدعائية للانتخابات، وهناك قوى اللادولة والمتمثلة في الدولة العميقة التي تنافس الدولة وتصارعها وتفرض اجندتها السياسية والعقائدية وتعمل على حرف مسارات وأداء وظائف الدولة، بل ان تلك القوى تعمل في سياقات معرقلة لكل استقرار سياسي ولا تؤمن بالديمقراطية ولكنها "تؤمن" فقط بصناديق الاقتراع كغاية لذاتها لممارسة الفرهود الانتخابي.

عدا ذلك وهو الأهم ان العملية السياسية في العراق بنيت على اساس المحاصصة الطائفية والأثنية وتقاسم مناطق النفوذ الأثنو طائفي جغرافي وقد أسس الحكم على ثلاثية قاتلة لا يمكن ان تتغير: "رئيس جمهورية كردي، رئيس وزراء شيعي ورئيس برلمان سني"، ويتبع ذلك توزيع لمغانم الدولة ومواردها كتحصيل حاصل، والأسوأ من ذلك ان هذا الثلاثي ينبذ المحاصصة في خطاباته المعلنة ولكنه متمسك بها.

الانتخابات العراقية البرلمانية القادمة في 10 اكتوبر لا نعتقد وكما هي توقعات غيرنا ان تسهم في نقلة نوعية نحو اعادة بناء اصطفافات سياسية تنقذ البلاد من من مستنقع الطائفية السياسية والأثنية، وان توقعات عودة الاسلام السياسي بقوة الى المشهد السياسي حاضرة، حيث انعدام مقومات انتخابات نزيهة وعادلة بعيدا عن الترهيب والاكراه والتزوير حاضرة جدا.

فالحكومات التي تخشى الكشف عن قتلة المتظاهرين والجهات السياسية والمليشياوية التي تقف ورائهم لا تكون قادرة على حماية العملية الانتخابية، والحكومة التي تمتلك ملفات الفساد ورموزه ولا تستطيع الاجهار بها نعتقد ستكون ضعيفة امام حماية الناخب وصوته، الى جانب ان العملية الانتخابية ستجري في ظل عدم المسائلة عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية الى جانب قانون انتخابي غير عادل شرعن لبقاء الكتل الفاسدة واعادة انتاجها، الى جانب مفوضية انتخابات ليست مستقلة كما ينبغي.

انتقال أثر الانتخابات المغربية الايجابي على الانتخابات العراقية غير وارد في اقصاء الاسلامويين من السلطة او اعادة انتاج خارطة سياسية جديدة يضعف فيها الاسلام السياسي، فالدولة في العراق كما هي الحكومات فيها مبنية بكل اجهزتها الدفاعية والأمنية والمخابراتية على اساس المحاصصة الطائفية والأثنية وان التعامل مع الدولة كغنيمة بين الاحزاب هو السائد، الى جانب مخرجات ذلك في فساد ينخر مؤسسات الدولة من اعلاها الى اسفلها وتلك مقومات لا تساعد على التأسيس لعملية ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، وستفرض ارداة القوي بفساده على الضعيف.

المقارنة بين التجربة الانتخابية المغربية والعراقية هي مقارنة في تفاوت الارادات السياسية الحاكمة والبيئات الانتخابية وفي القناعة بالديمقراطية كطريق وحيد للتداول السلمي للسلطة. نعتقد ان المغرب قطع شوطا في الممارسة الديمقراطية السليمة" بغض النظر عن فلسفة الحكم المغربي العامة " اما في العراق فلا يزال المخاض عسير.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي