أمريكا في سوريا.. استراتيجية زئبقية لضمان المصالح الكبرى
باسم حسين الزيدي
2015-07-08 06:17
عندما عرض وزير الدفاع الأمريكي، "اشتون كارتر"، استراتيجية الولايات المتحدة في قتال تنظيم "داعش" والتنظيمات المتطرفة الأخرى في سوريا، امام "مجلس الشيوخ" الأمريكي، اعترف بجملة من الحقائق التي توصلت اليها إدارة الرئيس الأمريكي "بارك أوباما"، منها ثلاث حقائق... قد تستدعي منا الوقوف عندها لتأملها وإعادة التفكير في واقع سوريا اليوم...
- أكد ان "برنامج التدريب" الذي اتفقت فيه الولايات المتحدة الامريكية مع تركيا، لتدريب (5000) الاف معارض لنظام الأسد في اذار/ مارس الماضي، قد جمع (60) مقاتل فقط، من أصل (7000) متطوع... بمعنى ان الفشل وخيبة الامل كانت حاضرة عندما عرض وزير الدفاع هذه الارقام... وللعلم فان المشروع طرح بضغوط من الكونغرس الأمريكي وليس بمقترح من قبل إدارة البيت الأبيض... والفرق واضح طبعا.
- أشار وزير الدفاع في تقريره... ان الإدارة الامريكية... أصبح لها تقييم وافي عن جميع أطياف المعارضة السورية... وربما تكون هذه الملاحظة "الجائزة الكبرى" للولايات المتحدة الامريكية... التي اقرت في أكثر من بيان وتصريح على لسان مسؤوليها ان الأوضاع في سورية "ملتبسة" بالنسبة لها... ويبدو ان اخذ ودراسة أكثر من (6940) عينة من المقاتلين، الفاشلين في الاختبار، ربما بمثابة دراسة واقعية ترفع "اللبس" و"الضبابية" التي كانت تعيشها الإدارة الامريكية كلما حاولت التقرب من الواقع السوري.
- أكد ان القوات التي تدربها وتشرف عليها الولايات المتحدة الامريكية هي لهزيمة "داعش" وليس لمقاتلة القوات النظامية او "نظام الأسد"، وهو تأكيد يتناغم مع الضربات الجوية التي تقوم بها قوات "التحالف الدولي" من اختيار اهداف "متطرفة" وليس اهداف تابعة لنظام الأسد.
- واخير جاءت التأكيد من لسان وزير الدفاع الأمريكي، ليعضد ما ذهب اليه وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" قبل أشهر، من قول الإدارة الامريكية بانها لا تريد اسقاط "نظام الأسد" بل "رحيله" عن السلطة دبلوماسيا... والفرق واضح في المعنيين... حيث أعاد "اشتون كارتر" نفس النبرة، وامام مجلس الشيوخ، قال: "نريد رحيل الأسد بجهد دبلوماسي"، مضيفا: "على الأسد أن يرحل، لكن بنية الحكم في سوريا يجب أن تبقى، نعلم ماذا يحصل في الشرق الاوسط حين لا تكون هناك بنية حكومة".
لكن هل توصلت الإدارة الامريكية لهذه الحقيقية منذ وقت قريب، ام انها مهدت بنفسها، (ربما من خلال تقاعسها عن تصعيد حملتها ضد النظام، بحسب ما اتهمها به الكثير من حلفائها)، لهذه النتيجة؟
اغلب الظن ان إدارة الرئيس الأمريكي... وافقت على إطالة عمر النظام السوري لأسباب داخلية وخارجية، اما الداخلية: فمنها طريقة إدارة الكونغرس الأمريكي والاجهزة الاستخبارية (وكالة الامن القومي ووكالة المخابرات المركزية)، للازمة السورية، والتي لم تنسجم مع توجهات الرئيس الأمريكي، والتي تحولت في نهاية المطاف الى صراع داخلي، نتج عنه الضغوطات والخلافات بين الادارتين حول عدد من القضايا (الداخلية والخارجية)، وتناقلتها وسائل الاعلام... والتي من بينها برنامج التدريب "الفاشل" للمعارضة السورية... الذي كان بضغط من الكونغرس ووكالة المخابرات المركزية، إضافة الى ضغوط الكونغرس الأمريكي على أوباما لعرقلة الاتفاق النووي مع ايران، ومحاولة فرض قيود قانونية عليه.
اما الأسباب الخارجية: فجزء كبير منها يتعلق، بعقيدة أوباما السياسية التي لا تؤمن بالتوجه مباشرة نحو الخصم، وانما "القيادة من الخلف"، إذا كان هناك من يقود "المسؤولية"، ويبادر الى انجاز المهمة نيابة عن الولايات المتحدة الامريكية، حيث حافظ "أوباما" طوال فترة ولايته الأولى والثانية، على هدوء أمريكا، وتجنب زجها في حروب مباشرة.
من الأسباب الخارجية أيضا، البحث عن شراكات جديدة، سعت اليها الولايات المتحدة الامريكية، شراكات تشمل "الأعداء" أيضا، فإيران وكوبا، هم أعداء الامس، لكن قريبا قد يتحولون الى أصدقاء الغد، او على الأقل... "أصدقاء" بقدر ما يتعلق به الجانب "المصلحي" من الصداقة... وهذا لا يمنع ان تكون هناك العديد من "المصالح المشتركة" مع "الخصوم"، وربما هذا الامر ينطبق على روسيا... إذا حسمت امرها بالنسبة للخلافات "البسيطة" العالقة معها... والتي يتعلق جلها بجانب مصالح "الاتحاد الأوربي" وليس بمصالح "الولايات المتحدة الامريكية" المباشرة.
ربما يكون اعلان كارتر "الدبلوماسي" بشأن مستقبل "الأسد" و"نظامه"، بمثابة الإعلان "الرسمي" لانطلاق الجهد الدبلوماسي مع أصدقاء الولايات المتحدة الامريكية "القدامى" و"الجدد" للاتفاق على صيغة دبلوماسية، ربما تنتهي بإزاحة "الأسد" وبقاء "نظام الأسد" المقرب من حلفائه (إيران وروسيا) مع ضمانات حقيقية تعطي للولايات المتحدة الامريكية جزء من "سوريا الجديدة" او "سوريا ما بعد الأسد"... لكن كل هذه الترتيبات سابقة لأوانها... فالأسد باقي حتى يتم الانتهاء من "داعش" واخواتها... او تحجيمهم للحد الأدنى... وهنا قد يبرز دور "ايران" وجهدها العسكري... ربما بعد الانتهاء من توقيع "الاتفاق النووي"... وخلالها سيتم الجهد الدبلوماسي بهدوئه الناعم والمعهود.