تجزئة المشاكل ام تجزئة الحلول: الكهرباء نموذجاً

‏‎د. طورهان المفتي

2021-07-10 04:45

‏‎قبل كل شيء انا على يقين بان القارئ الكريم يميز كليا بين تجزئة المشاكل وتجزئة الحلول، رغم ذلك فأجد من الضرورة بمكان توضيح المفردات قبل الدخول بالتفاصيل، ‏‎لو اخذنا على سبيل المثال وجود سيارة فيها اضرار (عطل) كثيرة كأن يكون المحرك عاطلاً، الاطارات مثقوبة، الزجاج الامامي محطم، خزان الوقود فارغ. امام هذه المعضلة يكون لدينا ثلاثة اختيارات للتصليح:

‏‎الاختيار الاول

‏‎ان يقوم صاحب السيارة بتسليمها الى مصلح واحد اي ان يتم اصلاح السيارة اجمالاً من قبل شخص واحد، قد يكون هذا الاجراء صحيح ولكن بكل الاحوال سوف يستغرق فترة زمنية طويلة لغرض الانتقال من عطل الى اخر كما وانه لا يمكن لشخص واحد ان يكون لديه المام بجميع الاعطال والاشكالات مما يعني انه اي المصلح سوف يستعين بآخرين (عقد من الباطن)، لكن في نهاية المطاف فان المصلح سوف يسلم السيارة بدون اعطال وصالحة للاستعمال.

‏‎الاختيار الثاني

‏‎ان يقوم صاحب السيارة بناءا على اجتهاده الشخصي بتجزئة الحلول، اي ان يطلب من المصلح بإصلاح جزء من المحرك، ومن ثم الذهاب الى اصلاح جزئي للإطارات مع ترك الزجاج الامامي وملئ الخزان بوقود غير مناسب.

‏‎بعد هكذا اصلاح ينتظر صاحب السيارة ان تكون سيارته جاهزًا للعمل والسير، ولو فرضنا جدلًا بان السيارة سوف تعمل لكنها بكل تأكيد لن تصل بصاحب السيارة الى الهدف المنشود ليقوم بعد ذلك بإصلاحات جزئية أخرى.

‏‎الاختيار الثالث

‏‎ان يقوم صاحب السيارة بتجزئة اعطال السيارة، اي ان يسلم المحرك لمصلح اختصاص في المحركات، يسلم الزجاج الامامي لمصلح زجاج سيارات، يأخذ الاطارات الى (البنچرچي)، ليقوم هو اخيرا بملىء الخزان بالوقود المناسب.

‏‎بالتالي فان صاحب السيارة سوف يستلم سيارته خالية من العيوب وبفترة زمنية قليلة نسبياً ويكون هو اي صاحب السيارة على دراية بالإنفاق لعدم وجود (عقد من الباطن) ولعدم اعادة التصليح بسبب الاصلاحات الجزئية في السيارة.

‏‎الآن معضلة الكهرباء

‏‎الحالة الاولى لتجزئة المشاكل

‏‎ينقسم طرق الطاقة الكهربائية المستلمة من قبل المواطن الى:

‏‎١- الكهرباء الوطنية

‏‎٢- المولدات المحلية

‏‎في سنة ٢٠١١ حين كانت الطاقة الكهربائية لا تتجاوز ٨٠٠٠ ميغاواط كإنتاج يومي برزت اشكالية الصيف اللاهب والتي كانت هناك امتعاض كبير جدا من المواطنين في السنة التي سبقتها. ولأجل امتصاص النقمة وايجاد حل بعد تجزئة المشكلة، وفي الاجتماع الثاني لهيأة المحافظات برئاسة السيد المالكي انذاك قمنا بعرض مقترح لمحافظ نينوى السيد النجيفي واقرت هيأة المحافظات ذلك المقترح والقاضي بتزويد وقود مجاني للمولدات للأشهر الاربعة ابتداءاً من الشهر السادس من ذلك العام، وتم عرض التوصية في مجلس الوزراء وتم التصويت عليها، ليستمر العمل بهذا القرار لعدة سنوات مما وفرت طاقة كهربائية بدون انقطاع او استراحة وبسعر اقل كوّن الوقود مجاني للمولدات للأشهر الاربعة من الصيف لكل عام، ولتستمر وزارة الكهرباء في بناء مشاريعها.

‏‎لتتوقف هذه الاجراءات في فترة السيد العبادي حينما تعرضت الدولة الى عجز اقتصادي وتكريس الاموال لمحاربة داعش وتحرير الاراضي التي كانت من اولويات الحكومة.

‏‎الحالة الثانية

‏‎١- اقرت هيأة المحافظات في اولى اجتماعاتها لسنة ٢٠١٦ بقيام سكرتارية الهيئة (التي كنّا نترأسها) بوضع معادلة علمية لتوزيع الحصص الكهربائية بين المحافظات، حيث تم بالفعل وبالعمل مع وزارة الكهرباء بوضع معادلة تتكون من اكثر من عشر معاملات (على سبيل المثال، درجة الحرارة، الرطوبة، النسبة السكانية، التلوث، الصناعة، الزراعة، المهجرين...الخ).

ووضع ارقام امام كل عامل من هذه المعاملات وبالفعل تم تقسيم الحصص الكهربائية بناءًا على مخرجات المعادلة مع استثناء محافظة البصرة، علما ان الانتاج الكلي في ذلك الوقت لم يتجاوز ١٢٠٠٠ ميكاواط. كما اقرت هيأة المحافظات بإعطاء صلاحية بسيطة للمناورة ضمن كل محافظة للسادة المحافظين والاحتفاظ بكمية قليلة من الطاقة للمناورة بين المحافظات لأغراض الطوارئ.

‏‎شرعت وزارة الكهرباء بالفعل بتطبيق المعادلة والاجراءات وخلقت نوعاً من الارتياح ولم تحصل تظاهرات فعلية بسبب الكهرباء الا في مرات محددة جدا كما حصل في محافظة واسط. كما وان دور السادة المحافظين كان فعلياً على قدر المسؤولية في ادارة الازمة في محافظاتهم استناداً الى تلك الصلاحيات المعطاة الهم بخصوص التوزيع.

‏‎٢- لغرض منع الانهيار التام للمنظومة الكهربائية وعدم وجود فقدان كبير لنقل الطاقة بين المحافظات وضعنا مقترح تحويل العراق ( عدا اقليم كردستان ) الى اربع عقد انتاجية وتوزيعية، وافق السيد رئيس الوزراء العبادي وذلك سنة ٢٠١٧، حيث يكون على هذا الاساس كل مجموعة محافظات مرتبطة بنظام توليد وتوزيع خاص ولا يتم الانتقال للطاقة بين العقد الاربعة مما يمنع كليا حصول انهيار للطاقة في حال وجود مشكل في احدى العقد الاربعة.

عملنا مع القائمين على الامر على تطبيقها الا اننا لم نأت بنتيجة حول هذا الموضوع لحين حكومة السيد عادل عبدا لمهدي والذي صادق ايضا على المقترح الخاص بالعقد الاربعة ولكن يبدو لظروف فنية او ما شاكل ذلك لم يطبق هذا الاجراء الى الان والا ما كان ان يحصل هذا الانهيار التام للمنظومة الكهربائية.

‏‎بعد انقضاء فترة ستة أشهر من عمر حكومة السيد عبد المهدي اعتمدت الوزارة على مبدأ الحمل الكلي للمحافظات لتقسيم الحصص بين المحافظات والغت تقريبًا المعادلة التي تم وضعها من قبل سكرتارية هيأة المحافظات ووزارة الكهرباء والتي كانت لكوادرها جهود مشهودة في تطبيق وانجاز المعادلة. بالتالي اصبحت هناك حصص للمحافظات تختلف عن ما موجود لدى المعادلة وكذلك فقدت الحصص قوتها المستنبطة من مصادقة السيد رئيس الوزراء و تصويت السادة المحافظين في هيأة المحافظات عليها لخلق حالة الالتزام بالحصص.

‏‎الحالة الثالثة

‏‎ في منتصف ٢٠١٨ تم تشكيل فريق برئاستنا لدراسة الطاقة النظيفة وايجاد مساحات معينة لغرض استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لأجل انتاج الطاقة الكهربائية وتم انتداب خبراء في هذا الفريق وكانت هناك مخرجات حول وجود سبع مناطق في العراق ممكن ان يستخدم فيها طاقة الرياح ووجود عدة مناطق ممكن استخدام الطاقة الشمسية (علما ان كلفة ادامة الانتاج بالطاقة الشمسية ليست زهيدة كما يشاع ) ( والعراق دولة حارة و الانتاج يعتمد على السطوع وحرارة الجو المرتفعة توثر سلباً على سريان الطاقة) رفع الفريق مخرجاته وتوصياته الى الاطراف ذات العلاقة الا ان التظاهرات المطلبية وانشغال الدولة بها ادت الى تأخر هذه الاجراءات والتي كنا قد اوصينا ان تكون على مستوى النواحي ابتداءاً.

‏‎ما نحن بصدده

‏‎ان حل اشكالية الكهرباء لن تكون من خلال تجزئة الحلول وتقسيم الحلول على فترات زمنية متعاقبة لان هذا الاجراء يوجد اشكاليات متراكبة ومتراكمة، كما وان الانتظار من طرف واحد فقط ايجاد حل للكهرباء لن تكون ذات نتيجة فإشكالية الكهرباء وبكل صراحة أكبر من حجم وزارة الكهرباء (وهنا لا نقصد تهميش دور الوزارة لكن الاشكالية كبيرة).

لذا يجب التوجه بصورة فورية الى تجزئة المشاكل وايجاد حل اجمالي لكل مشكلة على حدا ولكل رقعة جغرافية والعمل على لامركزية الكهرباء في الانتاج والتوزيع على شكل عقد، كما وان السيطرة على اسعار الطاقة المحلية المنتجة من قبل المولدات المحلية مهمة جدا من خلال دعم سعر الوقود وليست زيادة حصة الوقود، كذلك التوجه الى البدائل من الادنى الى الاعلى للوحدات الادارية قد تكون من الحلول الناجحة. واخيراً ان مسألة طاقة هي مسألة مصيرية ومتطلبات معيشة وليست حقوق معيشية وهي في نهاية المطاف مسؤولية ذات نظام تكاملي وبغير هذا المفهوم لن يكون هناك حل قريب في الافق مع الاستمرار في انجاز مشاريع انتاج وتوزيع الطاقة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

لماذا يطلب المؤمن الهداية الى الصراط المستقيم؟بعد فوز ترامب.. على العراق الاستعداد لما هو قادمالمشاريع الثقافية الطوعيةدور الشباب في إعادة بناء العراقتداعيات انتخابات إقليم كردستان على المشهد السياسي