دولة غزة: (مَمّكَنة المستحيل) أو المستحيل الممكن!

د. إبراهيم أبراش

2015-07-08 06:12

في إطار نقاشات مع قيادات من الفصائل الوطنية حول سبب عدم حديثهم بوضوح خلال السنوات الماضية عن مخطط فصل غزة عن الضفة بالرغم من كل المؤشرات والمعطيات الظاهرة للعيان التي كانت تجري لصناعة دولة غزة، تنكر الجميع من تهمة التواطؤ أو المشاركة. كلهم اجمعوا على التخوف من تداعيات انقلاب حماس، إلا أنهم كانوا يراهنوا بأن الانقسام لن يستمر طويلا. بعضهم كان يعتقد باستحالة قيام دولة في غزة لأن العالم لن يعترف بها، وآخرون كانوا يعتقدون باستحالة تحويل غزة لدولة بسبب ضيق مساحتها وقلة إمكانياتها، وآخرون كانوا يراهنوا على حتمية سقوط سلطة حماس في غزة نتيجة تمرد أو ثورة شعبية. وفي ظني كلها تبريرات غير مقنعة تعبر عن حسن نية وافتقار للرؤية الاستراتيجية للسياسة الدولية الواقعية وما كان يُخطط لفلسطين والمنطقة.

أولا: حول القول باستحالة قيام دولة غزة لتعارضها مع الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة

هذه الفئة كانت تعتقد استحالة نجاح مشروع دولة غزة، لأن العالم لن يعترف بدولة غزة، وأن دولة غزة تتعارض مع الالتزام الدولي بحل الدولتين والشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة بين السلطة وإسرائيل الخ. غاب عن القوى السياسية الفلسطينية أن العلاقات الدولية والواقع الدولي لا يؤسَسان دائما على الاتفاقات المكتوبة والموقَعة والشرعية الدولية والقانون الدولي، بل في كثير من الاحيان بالأمر الواقع الذي تتم شرعنته لاحقا، وخير دليل على ذلك أن الفلسطينيين يتصارعون منذ عقود مع دولة الكيان التي لا تحترم قانون دولي ولا شرعية دولية ولا أية اتفاقات موقعة. بالإضافة إلى ذلك أن خطة خارطة الطريق تحدثت عن دولة ذات حدود مؤقتة كما أن اعترافات دول العالم بدولة فلسطينية لا تشير بوضوح إلى حدود هذه الدولة وإلى مكان قيامها وبالتالي قد تؤول الأمور لتصبح غزة هذه الدولة.

بات من الواضح أن دولا أوروبية ومن كل القارات بما فيها إسرائيل بالإضافة إلى دول إسلامية وعربية كالسعودية أصبحت تتعامل مع حركة حماس، ليس من مدخل الشرعية الدستورية أو الدولية أو من منطلق التعاطف الإنساني مع معاناة سكان غزة، بل من مدخل السياسة الواقعية التي تقوم على المصالح القومية، حيث حركة حماس ونتيجة تحالفاتها الخارجية وبراغماتيتها العالية وضعف حضور السلطة ومنظمة التحرير، أصبحت السلطة الفعلية في قطاع غزة والعنوان الذي يجب مخاطبته والتعامل معه في كل ما يتعلق بقطاع غزة، كالهدنة طويلة المدى وملفات الإعمار والمعابر الخ، حتى العربية السعودية ومصر وبعد طول ممانعة أخذت تبحث عن صيغة ما للتعامل مع قطاع غزة تحت سلطة حماس، لأن المصالح القومية والأمنية لهذه الدول لن تنتظر إنجاز المصالحة الفلسطينية وليست حريصة على المشروع الوطني الفلسطيني ولن ترتهن بهما.

ثانيا: حول القول باستحالة قيام دولة في غزة بسبب ضيق المساحة والإمكانيات

لا شك أن واقع قطاع غزة من حيث المساحة وكثافته السكانية والوضع الاقتصادي يُحبط أي تفكير بتحويله لدولة، ولكن السياسات الدولية عندما تريد تحقيق شيء فلا تعوزها الحيلة والوسيلة لتحقيقه. فبالنسبة لضيق المساحة فالمخططون المعنيون بمشروع غزة لديهم سناريوهات متعددة مثلا: افتعال حرب جديدة على القطاع أو حرب أهلية أو كليهما معا، وقد ينتج عن هذه الحرب، سواء نتيجة توجيه مقصود أو تلقائيا، اندفاع الآلاف من أهالي القطاع إلى سيناء الخالية من السكان وحيث الوجود العسكري المصري محدودا، في هذه الحالة لن يتمكن الجيش المصري المحدود العدد والعدة من وقف الزحف البشري ولن يقوم بقتل الآلاف من الفلسطينيين، وبالتالي سيتم تمرير الأمر بدوافع إنسانية والقول بأنها حالة مؤقتة إلى حين وقف الحرب، والمؤقت سيتحول إلى دائم، وفيما جرى في سوريا سابقة يمكن ان تتكرر، فنتيجة الحرب اندفع أكثر من مليوني سوري إلى الاردن ولبنان دون أن يتمكن أحد من صدهم !. هذا ما كان مخططا له حسب مشروع الإسرائيلي ايجورا ايلاند، وبذلك سيتم حل مشكلة محدودية مساحة قطاع غزة.

وهناك سيناريو أو احتمال آخر وهو تفعيل مبدأ تبادلية الاراضي الذي تم التوافق عليه بين إسرائيل والمفاوضين الفلسطينيين منذ سنوات – مع أن البعض في منظمة التحرير ينفي وجود تفاهمات حول تبادلية الاراضي -، وفي هذه الحالة قد تحدث التبادلية بأن تمنح إسرائيل جزءا من النقب لتوسيع دولة غزة مقابل أراضي المستوطنات في الضفة والقدس.

أما بالنسبة لمحدودية الإمكانيات المادية، فحيث إن الأطراف المعنية بهذا المخطط قوى ودول نافذة ومتواطئة مع إسرائيل فلن تعوزها الحيلة لحل هذه الإشكالات، فيمكنها مثلا تحويل ما تقدمه من أموال للسلطة – أو جزء منها - إلى سلطة حماس في قطاع غزة وهذا ما يجري بالنسبة للأموال القطرية والتركية، ويمكنها تشغيل بضعة آلاف من شباب غزة في بلدانها، وقد تعمل لاحقا على تمكين السلطة القائمة في قطاع غزة من نصيب من النفط والغاز المُكتشف في المياه الإقليمية للقطاع، وكذا تشغيل المنطقة الاقتصادية للقطاع، مع تسهيلات اقتصادية إسرائيلية والسماح بدخول عدة ألاف من عمال غزة لإسرائيل.

في اعتقادي إن كل الجهود الخارجية لتكريس الانقسام وصناعة دولة غزة لن يكون لها قيمة أو فرصة للنجاح لو توفرت إرادة حقيقية عند حركة فتح وحركة حماس بالوحدة الوطنية وإفشال مشروع التقسيم، ولكن ما يجعل السيناريوهات والاحتمالات المُشار إليها أعلاه قابلة للتنفيذ هو تواطؤ نخب نافذة في فتح وحماس ورغبتها في تكريس الفصل، ومع ذلك ما زال في الإمكان تدارك الأمر وقطع الطريق على مخطط دولة غزة من خلال تحالف وطني للشرفاء في جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد.

في حالة عدم القدرة على إيقاف هذه المخطط سنكون أمام التساؤلات التالية: هل غزة بعد دولنتها تحت سلطة حركة حماس ستستمر جزءا من المشروع الوطني ومن الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة وغزة؟ أم ستشكل قطيعة معهما ونصبح أمام كيانين فلسطينيين متعاديين واحد في غزة وواحد في الضفة؟ وهل يمكن أن يستمر المشروع الوطني بدون قطاع غزة؟ وكيف يمكن الحفاظ على وحدة الشعب والهوية والمشروع الوطني حتى في ظل فرض ترتيب أوضاع في قطاع غزة مغايرة عن ما يُعد من ترتيبات للضفة الغربية؟

في المقال القادم سنبحث في مراهنة البعض على تمرد شعبي على سلطة حماس

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا