دراسة سياسية نقدية: إشكاليات الدستور الدائم لعام‮ ‬2005

زينب فخري

2021-06-30 07:54

مثّل الدستور العراقي‮ ‬الدائم لعام‮ ‬2005 ‮‬سمَّة التغيير السياسي‮ ‬الجديد بعد انهيار النظام السياسي‮ ‬السابق‮ ‬1968‮-‬2003 ‮ ‬في‮ ‬9/4/2003، كما جسد مرحلة سياسية جديدة قوامها البدء بالانتقال الديمقراطي‮ ‬من حيث الانتخابات وتداول السلطة‮ ‬سلمياً،‮ ‬وإقرار وتمتع المواطن العراقي‮ ‬بالحريات والحقوق المدنية والسياسية،‮ ‬ولكن هذا لا‮ ‬يعفي‮ ‬من وجود ثغرات سياسية ودستورية قد شابت بعض النصوص الدستورية التي‮ ‬تتعلق بعدد‮ ‬من المسائل الدستورية والفكرية والقانونية‮.‬

وكتاب‮ "‬نقد الدستور‮.. ‬دراسة سياسية نقدية لأبرز إشكاليات الدساتير العراقية‮ ‬1925‮-‬ 2005 للأستاذ الدكتور د‮. ‬عبد العظيم جبر حافظ،‮ ‬الصادر في‮ ‬عام‮ ‬2020، يسلط الضوء على الإشكاليات التي‮ ‬شابت الدساتير العراقية بتفصيل كبير‮. ‬وسنركز في‮ ‬السطور الآتية على الدستور الدائم لعام‮ ‬2005‮.

إذ إن العملية الدستورية جاءت بمبادرة من سلطة التحالف المؤقتة برئاسة برايمر وذلك في‮ ‬شهر آب من عام‮ ‬2003، أي‮ ‬بعد شهر تقريباً‮ ‬من تشكيل مجلس الحكم العراقي،‮ ‬وكانت هذه المبادرة جزء من التخطيط السياسي‮ ‬للولايات المتحدة قبل الحرب بهدف إعادة بناء النظام السياسي‮ ‬على اساس الديمقراطية واقتصاد السوق،‮ ‬أي‮ ‬ما‮ ‬يسمى بالليبرالية السياسية والاقتصادية‮.‬

تشكيل لجنة

وبادر مجلس الحكم العراقي‮ ‬إلى تشكيل لجنة دستورية تحضيرية على صورته،‮ ‬أي‮ ‬أن كل عضو في‮ ‬مجلس الحكم قام بترشيح عضو في‮ ‬اللجنة الدستورية من حزبه أو طائفته‮. ‬ولم تفوض اللجنة التحضيرية بكتابة الدستور بل اقتصرت صلاحياتها على البدء بمشاورات مع قادة الرأي‮ ‬وغيرهم،‮ ‬وأدت المبادرة الى أحداث استقطاب حاد للقوى قبل أوانه،‮ ‬إلى كتل متصارعة،‮ ‬أنصب تناقضها على سبل اختيار المشرعين الدستوريين وليس على المبادئ الأساسية الناظمة للدستور المقبل‮. ‬وكانت تزايد الضغط الشعبي‮ ‬باتجاه وضع الدستور،‮ ‬وتوقيع اتفاقية نقل السيادة بمثابة تغيير ظرفي‮ ‬في‮ ‬السياسة الأمريكية بتجاه العراق أملته ظروف تصاعد العنف في‮ ‬العراق‮.

‬وتفيد المعطيات أن اللجنة درست ستة نصوص دستورية تقدم بها الفرقاء كما شهدت مشاركة من سلطة التحالف‮. ‬والسمة الأوضح في‮ ‬قانون إدارة الدولة العراقي‮ ‬المؤقت أنه أرسى الأساس لنظام سياسي‮ ‬ليبرالي‮ ‬جديد‮ ‬يقوم على حكومة دستورية،‮ ‬تمثيلية،‮ ‬تعددية مثلما أرسى قواعد نظام سياسي‮ ‬فيدرالي‮ ‬اتحادي‮ ‬لا مركزي،‮ ‬وتوافقي،‮ ‬وأرتكز هذا النظام السياسي‮ ‬على قاعدة اقتصاد السوق المحرر من قيود الاقتصاد الأوامري.

‬لكن لم‮ ‬يتحول اقتصاد العراق إلى الآن إلى اقتصاد سوق بل لازال اقتصاداً‮ ‬ريعياً‮ ‬أحادي‮ ‬الجانب‮ ‬يعتمد أساساً‮ ‬في‮ ‬ميزانيته المالية والسنوية على استخراج وتصدير النفط الخام‮. ‬كما أن تطبيق التوافقية الديمقراطية لم‮ ‬يكن ناجحاً‮ ‬في‮ ‬العملية السياسية.

‬إذ تحولت إلى محاصصات مذهبية وقومية وسياسية أدت إلى تدهور وفساد مالي‮ ‬وإداري‮ ‬في‮ ‬العملية السياسية العراقية؛ لأنها لم توظف التطبيق الصحيح للتوافقية كما ان دستور‮ ‬2005 ‮ ‬يخلو من نصوص دستورية توافقية‮. ‬

ومن الثغرات السياسية والدستورية هو ان هذا الدستور وضع من قبل سلطة لا تملك الشرعية السياسية؛ لأنها قوات احتلال أما مجلس الحكم فكان مجلساً‮ ‬استشارياً‮ ‬معيناً‮ ‬من قبل سلطة الائتلاف،‮ ‬وان اعتماد أساليب ديمقراطية في‮ ‬وضع الدساتير‮ ‬يجب أن‮ ‬يعهد إلى الجمعية المؤسسة أو المنشأة للدستور،‮ ‬وهذه الجمعية منتخبة من الشعب ومهمتها محددة بوضع الدستور،‮ ‬وما‮ ‬يكمل ديمقراطيتها الاستفتاء الشعبي‮ ‬على الدستور‮.

‬ومن الثغرات أيضاً‮ ‬على وفق قانون إدارة الدولة العراقي‮ ‬للمرحلة الانتقالية تم تكوين مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء،‮ ‬وقد اشتركت هيئات عدَّة في‮ ‬استشارات تكوين هذه المؤسسات؛ لذا لا‮ ‬يمكن القول أن هذه المؤسسات السياسية تم اختيارها فعلياً‮ ‬على وفق قانون إدارة الدولة العراقي؛ لأنها جاءت ثمرة تفاعلات سياسية‮/ ‬توافقية بين القوى العراقية النافذة والحاكم المدني‮ ‬برايمر،‮ ‬فقد تكون مجلس الرئاسة من رئيس ونائبين،‮ ‬لهم صلاحيات تكاد تكون واحدة،‮ ‬ولم تعرف سابقة اشتراك نواب رؤساء الدول في‮ ‬اتخاذ القرارات الرئاسية‮.‬

مسؤولية سياسية

‮‬إنَّ‮ ‬النقد الموجه إلى طريقة تشكيل الوزارة من رئيس الوزراء والوزراء،‮ ‬هو أنه لا‮ ‬يعرف فكرة التضامن في‮ ‬المسؤولية السياسية للوزارة الذي‮ ‬يعدّ‮ ‬هو جوهر النظام البرلماني‮. ‬وهناك ارتباك في‮ ‬وضع الماد‮ ‬4 ‮ ‬من الدستور،‮ ‬في‮ ‬بيان وطبيعة النظام السياسي،.

‬فقد أشار مباشرة إلى نظام الحكم وكان من المفترض أن‮ ‬يشير إلى طبيعة الدولة،‮ ‬أن العراق‮: ‬دولة جمهورية مستقلة،‮ ‬نظام الحكم فيها‮..... ‬كما أنَّ‮ ‬الآلية التي‮ ‬تنص عليها قانون إدارة الدولة كانت مشوبة بعيوب عدَّة،‮ ‬منها‮: ‬

أوَّلاً‮: ‬إنَّ‮ ‬شعب العراق خرج من سيطرة نظام شمولي‮ ‬وحزب حاكم واحد؛ لذلك كان من الأجدر معرفة اتجاهات الرأي‮ ‬العام فيما‮ ‬يتعلق بالأطر العامة لذلك النظام السياسي‮.

‬ثانياً‮: ‬اتجه قانون إدارة الدولة اتجاه معاكساً‮ ‬للمبادئ الديمقراطية،‮ ‬فيقرر في‮ ‬الفقرة ج من المادة‮ ‬61 ‮ ‬عدم قبول مسودة الدستور إذا رفضت من ثلثي‮ ‬الناخبين في‮ ‬ثلاث محافظات أو أكثر،‮ ‬وذلك بترجيحه رأي‮ ‬الأقلية على رأي‮ ‬الأكثرية،‮ ‬وهذا اتجاه‮ ‬يناقض نص المادة‮ ‬12 من‮ ‬القانون الذي‮ ‬يقضي‮ ‬أن العراقيين كافة متساوون في‮ ‬حقوقهم بصرف النظر عن الجنس أو الرأي‮ ‬أو المعتقد أو القومية أو الدين أو المذهب او الأصل وهو سواء أمام القانون،‮ ‬بمعنى أن قانون إدارة الدولة تبنى ديكتاتورية الأقلية؛ وذلك بترجيحه رأي‮ ‬الأقلية على الأكثرية‮.

‬كما بيّن الكاتب أن من الإشكاليات‮: ‬اللغة،‮ ‬إذ نصت المادة‮ ‬9 ‮ ‬على أن اللغة العربية واللغة الكوردية اللغتان الرسميتان للدولة،‮ ‬ويتساءل الكاتب‮: ‬هل ان المادة الدستورية تسعى إلى تحويل العراق إلى دولة ثنائية اللغة؟ فهناك اشكالية فكرية وسياسية في‮ ‬هذا النص الدستوري؛ لأن العراق ليس وحده‮ ‬يتمتع بالتعددية القومية،‮ ‬لكن تبقى اللغة الرئيسية هي‮ ‬اللغة السائدة كلغة تخاطب رسمية للدولة أما باقي‮ ‬اللغات فيقتضي‮ ‬احترامها،‮ ‬السؤال الآخر‮: ‬ما موقف القوميات والأقليات اللغوية من هذا النص الدستوري؟‮!.

‬وكما‮ ‬يبرز في‮ ‬الدستور إشكالية الاختصاصات،‮ ‬فمن‮ ‬يقرأ أن المجلس‮ ‬يقدم المشورة ثمَّ‮ ‬نقرأ عبارة أخرى تقول أن المجلس سلطة مراقبة تنفيذ القوانين وله حقّ‮ ‬استجواب رئيس الوزراء والوزراء،‮ ‬ويتساءل مؤلف الكتاب‮: ‬السؤال الذي‮ ‬يثار ماذا بعد الاستجواب؟ هل للمجلس حقّ‮ ‬سحب الثقة من وزير أو من حكومة بأكملها؟ ثم نجد ان الملحق ملحق قانون إدارة الدولة قد قلب المبادئ المعروفة في‮ ‬النظم الدستورية حين اناط السلطة التشريعية بمجلس الوزراء،‮ ‬ثمَّ‮ ‬اعطى للمجلس حقّ‮ ‬نقض الأوامر التنفيذية التي‮ ‬صادق عليها مجلس الوزراء.

‬إذ ان من القواعد شبه المستقرة أن رئيس الدولة هو الذي‮ ‬يعترض على مشاريع القوانين التي‮ ‬أقرت من قبل السلطة التشريعية،‮ ‬وليس العكس. ويعدّ‮ ‬هذا الدستور من الدساتير الجامدة،‮ ‬إذ‮ ‬يصعب تعديلها إلا بتصويت أكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية واجماع مجلس الوزراء. وفيما‮ ‬يتعلق بالمادة‮ ‬4 فقد اشارت إلى تقاسم السلطة بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية،‮ ‬والحقيقة هي‮ ‬توزيع سلطة وليس تقسيم سلطة‮.‬

ومن الإشكاليات‮: ‬إنَّ‮ ‬الديباجة لم تؤشر قضية في‮ ‬غاية الأهمية وهي‮ ‬السعي‮ ‬للاستقلال والسيادة،‮ ‬كذلك ديباجة دستور العراق فيها اشكال أيضاً‮: ‬فلغتها تتناقض مع اللغة الدستورية،‮ ‬حيث تختلف لغة الدستور عن لغة التشريع كما أنها لغة انشائية وصيغته مفعمة بالاسقاطات الرغبوية والشعارات السياسية‮.‬

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

الرحمة تصنع المدينة الفاضلةمركز الفرات ناقش دور الإصلاح الاداري في مكافحة الفساد الماليعلوم الإمام الصادق (ع) في نظر علماء الغربحكومات جديدة ونتائج قديمةغزة والحرب الأكاديمية