الناخب وسفينة الأغبياء
حاتم حميد محسن
2021-06-06 07:36
يعرض افلاطون رؤية نقدية للديمقراطية من خلال ما جاء على لسان سقراط، "قادة حمقى للديمقراطية، التي هي بمثابة شكل ساحر للحكومة، مليئة بالتنوع والفوضى وتوزّع نوعا من المساواة بين اللامتساوين" افلاطون يعرض خمسة أنواع للحكومة تبدأ من الأحسن الى الأسوأ.
هو يرى ان الكاليبولس او الارستقراطية بقيادة الرجال الحكماء، هو الشكل العادل للحكومة. هو رفض ديمقراطية اثينا على اساس ان هذه الديمقراطيات برزت في مجتمعات فوضوية تفتقر للوحدة الداخلية، انها اتّبعت حوافز المواطنين ورغباتهم بدلا من السعي نحو الخير العام، تلك الديمقراطية كانت غير قادرة للسماح لعدد كاف من المواطنين لإسماع صوتهم، وهي بذلك ديمقراطية يديرها الحمقى.
يوضح افلاطون ان النظام السياسي سوف لن تكون له ضمانات حين توضع السلطة السياسية (كراتوس) بيد عامة الناس (ديموس). فهو يرى ان الذين يمتلكون المؤهلات المناسبة للحكم من غير المحتمل ان يحصلوا على فرصة ادارة الشؤون العامة وبدلا من ذلك ستكون الأصوات المرتفعة هي المسيطرة، وستُتخذ قرارات سيئة النوايا وغير رشيدة. وهو هنا يشبّه الديمقراطية بـ"سفينة الاغبياء" التي كان جميع المسافرين فيها يطالبون بقيادة السفينة، ومع ان الكابتن كان ماهرا لكنه كان غير ماهر في إقناع الآخرين، وبالتالي يحصل الاضطراب والشغب وتعم الفوضى بدلا من ان تكون الرحلة آمنة وممتعة.
جاسون برينا Jason Brenna (مؤلف كتاب ضد الديمقراطية) يرفض النظام الديمقراطي ويقترح شكلا بديلا للحكومة يُعرف بـ ابيستوكراسي. في هذا النظام يُعطى الصوت فقط لاولئك الأكفاء، بدلا من ان يُعطى لكل مواطن. فقط المواطنون ذوي الفهم النخبوي السياسي لهم القول في الحكومة. تفضيل الايبستوكراسي على الديمقراطية يؤكد على قضية جهل الناخبين. الكاتب يعتقد ان جهل الناخب يشكل المشكلة الكبرى في الولايات المتحدة.
وفي الديمقراطيات الحديثة تجسدت مشكلة الديمقراطية في عدة مظاهر نذكر منها:
1- ان هيكل الديمقراطية يعتمد على رغبة الأغلبية. التاريخ يشير الى ان رغبة الاغلبية ليست دائما الموقف الاخلاقي الذي يجب ان يتخذه المرء. في قضايا مثل العبودية واللامساواة بين الجنسين والتمييز العرقي، معظم الناخبين يوافقون على بقاء هذه العناصر في المجتمع. اذا وجد شخص ما نفسه خارج رغبة الأغلبية فهو سيشعر ان صوته ليست له قيمة تُذكر. قاعدة الاغلبية تعمل بنجاح فقط عندما تؤخذ بالاعتبار حقوق الفرد" لأنه كما قيل "انت لايمكنك جعل خمسة ذئاب ونعجة واحدة يصوتون على نوع الغداء الذي سيتناولونه".
2- ان كلفة الديمقراطية هي شيء قد لا يدركه معظم الناس. الوقت والموارد الضرورية لإجراء الانتخابات قد تكلف بلايين الدولارات. وهي أموال يدفعها الناخبون على شكل ضرائب.
3- الديمقراطية تحتاج الى مزيد من الوقت لإحداث التغيير المنشود. التصويت يتطلب وقتا لمراجعة المعلومات التي توفرها الانتخابات وهذا يعني ان العملية قد تأخذ عدة سنوات لتحقيق تغيير هام.
4- هيكل الانتخابات يقوم على عملية الفرد اولاً. هي تستلزم آراء او افكار كل فرد بالتركيز على مايريده الافراد لأنفسهم. وبدلا من النظر الى ما هو مفيد للمجتمع فان معظم الناخبين يحسبون كم سيؤثر صوتهم الذي يضعونه في صندوق الاقتراع على أرصدتهم في البنك وعلى مقدار الضرائب وكلفة المعيشة الكلية. انها عملية تشجع كل شخص على ان يضع حاجاته قبل الآخرين.
5- ضعف الحوافز: لا تتوفر حوافز للناس كي يعملوا مجتمعين عندما يتوقعون ان الانتخابات القادمة الاخرى ستغيّر المحصلة في المستقبل.
هل الناخب مستهلك؟
بعض الباحثين قارنوا بين التسويق السياسي والتسويق التجاري باعتبار ان (الاحزاب وبرامج الاحزاب هي البائع والناخبون المصوتون على تلك البرامج هم المشترون) واعتبروا الفرق بين الاثنين قليل نسبيا، لكن البعض الآخر اعتبر ان هناك اختلافات جوهرية بين الناخبين والمستهلكين تتمثل في جملة من النقاط أوردها المؤلفان Lock &Harris (1996) في كتاب التسويق السياسي كالتالي :
1- جميع الناخبين يقررون خياراتهم في نفس اليوم (مع بعض الاستثناءات) بينما لا ينطبق ذلك على المستهلكين.
2- لا وجود لسعر يُثبّت مباشرة او بشكل غير مباشر في التصويت او اختيار الحزب، وهو ما يجعل الامر مختلف جدا عن عملية الشراء.
3- الناخب عليه ان يعيش مع خيار جمعي حتى لو لم يكن خياره المفضل، لكن المستهلكين يستطيعون الحصول على مرتجع عن مشترياتهم اذا لم يرغبوا بالسلعة.
4- الفائز يأخذ أعلى الاصوات first past the post (1) وليس وفق التمثيل النسبي.
5- الحزب السياسي او المرشح هو شيء معقد غير محسوس لايستطيع الناخبون فهمه.
6- ان إمكانية ادخال سلعة جديدة على شكل حزب جديد هي اكثر صعوبة وغير عادية مقارنة بالمجال التجاري.
في أغلب المواقف التسويقية، تبقى السلع الشهيرة دائما في الامام بينما الحكومات في المملكة المتحدة مثلا قد تفوز بالانتخابات المتعاقبة، لكنها تبقى في الخلف عند استطلاعات الرأي بين دورتين انتخابيتين.
طبقا لـ O’shaughnessy(2002) الناخبون يدركون ان المشاركة السياسية لها طابع مختلف عن مشاركة المستهلك لذا هم يبحثون عن رموز أعمق وقيم مشتركة تربطهم بالأحزاب السياسية والمرشحين، وهذا يختلف عن مواصفات سيارة جديدة مثلا. كذلك ان تغطية الميديا تختلف بين الاثنين حيث ان التنافس بين الأحزاب يحظى بتغطية اعلامية مجانية قياسا بالسلع والخدمات، وان طبيعة المنافسة كذلك تختلف بمعنى ان السلعة او الخدمة هي نسبيا ثابتة بينما الحزب او المرشح السياسي هو في تدفّق دائم من حيث الأفكار والسياسات.