سيف القدس وقبة حديد صهيون: هوامش على دفتر الصراع
ابراهيم العبادي
2021-05-25 10:07
كانت الضرورة الزمنية والنفسية عند ملايين المسلمين تقتضي ان يخرجوا الى الشوارع احتفالا بالانتصار المعنوي الذي تحقق بوقف الحرب على غزة، فقد نجح الاعلام المقاوم في الترويج لقائمة طويلة من المنجزات منذ الايام الاولى لاندلاع الحرب، ابرز هذه المنجزات كان تعديل قواعد الاشتباك مع الجيش الصهيوني، وتوحد الفلسطينيين في غزة والضفة والخط الاخضر على كسر الجمود الذي راهن عليه نتناياهو مستفيدا من سنوات طويلة من الدعم الامريكي والسكوت العربي وانشغال الفلسطينيين انفسهم بلقمة العيش في ظل حصار خانق وتمزق عربي كبير وسعي رسمي نحو التطبيع مع اسرائيل وتصوير مقاومة جبروتها ارهابا يجب تدميره.
انكسرت هذه المعادلة بصواريخ وارادة داخلية ودعم من محور المقاومة، فكان لزاما ان تتغير قواعد الاشتباك ويصبح لدى الفلسطيني ما يستطيع به تذكير حكومات الكيان الاسرائيلي بخطأ المراهنة على صفقات مع النظام السياسي العربي، لتجاوز مشروع حل الدولتين والقرارات الدولية والعودة الى حدود وخطوط وقف اطلاق النار لعام 1967.
الان عاد الحديث الى الحل الدائم، وعرف المستوطنون اليهود ان السلام الذي يريدونه لن يتحقق بلا أمن ولا كرامة ولا مستقبل للفلسطينيين في دولة مستقلة قابلة للحياة والنمو.
عند هذه النقطة سيبدأ الاختلاف بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فالشطر الاعظم سيبني استراتيجيته على العودة الى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن واستثمار الزخم المعنوي والدعم الواسع الذي تحقق بعد الحرب الاخيرة، لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، هذا الاحتمال يتطلب استراتيجية عمل شرطها الرئيس وحدة القرار والارادة الفلسطينية واستيعاب دروس النكبة والحروب والمجازر والتهجير الذي تلتها حتى قيام السلطة الوطنية بعد اتفاقيات اوسلو عام 1993.
لكن سيكون هناك شطر يراهن على استراتيجية محو اسرائيل وازالتها من الوجود لأنها (غدة سرطانية) بالتعبير الذي استخدم منذ عشرات السنين، والرد على وجود الغدة هو استئصالها باعتماد استراتيجية النفس الطويل والتعبئة الدينية والنفسية حتى لو تطلب الامر مائتي عام كما حصل مع الاحتلال الذي فرضته الحروب الصليبية (1096-1291).
هذه الرؤية يسعى لها محور المقاومة ويبني تصوراته واستراتيجيته بشأنها مُعطيا مؤشرات وفقا لفرضية ترى امكانية زوال الدولة اليهودية وتفتت مجتمعها وبدء هجرة معاكسة لسكانها نحو الغرب، بعدما يتم كسر مقولة التفوق الاسرائيلي نسبيا ولا تعود معادلة العيش في ظل تفوق القوة هي الضمان النفسي والعملي لبقاء المستوطنين اليهود.
بين الرؤيتين سنشهد سجالا معرفيا واعلاميا وسياسيا سيترتب عليه انقسام ايديولوجي وواقعي عميق يمتد الى شعوب الدول المحيطة بفلسطين ويتجاوزها الى العمق العربي والاسلامي، ذلك لان عمر سبعين سنة من الصراع قام على فكرة ما أُخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وفلسطين ارض عربية -اسلامية، بل هي وقف اسلامي لا يجوز التنازل عن شبر منه ولابد من تحرير الارض من النهر الى البحر، وهذه الافكار ستكون لصيقة الرؤية المقاوماتية الاسلامية.
خرجت مصر والاردن والنظام العربي الرسمي من هذه المعادلة منذ زمن بعيد وتوافق العرب الرسميون على حل الدولتين بموجب قرارات القمم العربية، فكان ان انتهت رؤية القوميين والوطنيين العرب عند هذا الحد، وهو القبول بالامر الواقع، والرضا بما يرتضيه الفلسطينيون لانفسهم، فانتقل الصراع الى داخل الصف الفلسطيني بين من يريد حلول اوسلو وبين من يرفضها.
جاءت رؤية الاسلاميين مغايرة تماما، ورفضت التنازل عن الجزء الاعظم من ارض فلسطين التاريخية، وانتقلت فكرة المقاومة وعدم التنازل عن الحق التاريخي، ورفض الشرعية الدولية المنحازة لتصبح جزء من مشروع المقاومة الاسلامية التي تنتظر (وعد الآخرة الرباني، سورة الاسراء ونهاية بني اسرائيل) ولا يهم حجم التضحيات والمعاناة ومداها الزمني لملايين الفلسطينيين قبال هذه الرؤية.
سيكون سيف القدس الحديدي او الصاروخي هو عنوان المرحلة القادمة، لأنه صار يطال تل ابيب وشمالها وجنوبها ولم يعد (جيش الدفاع) قادرا على تأمين قلب اسرائيل قبل حدودها، فيما سيكون هدف اعلاء القبة الحديدية ومعالجة ثغراتها، مساوقا لـ (حق) اسرائيل في الوجود، هنا سيتصارع مشروعان على حق الوجود والعيش في دولة آمنة تستطيع الدفاع عن نفسها، واحدة قائمة بحكم الامر الواقع منذ عام 1948، والثانية تسعى لتدمير الاولى ليتحول الحلم الى واقع، السلاح المستخدم قبل السيوف الصاروخية والقبب الحديدية سيبقى سلاح الرؤية الدينية، وهذه ستكون مرتبطة بالزمان الديني الاخير وبالمنقذ الاكبر والمصلح العظيم، وهذه الرؤية ستكون الترجمة العملية لمعركة هرمجدون في الرؤية التلمودية ومعركة تحرير بيت المقدس في الرؤية الاسلامية، انه عصر من الحروب والمعارك لن ينتهي حتى ذلك الحين. حروب الاقناع والفرض، فرض الرؤية والعودة الى منطق الحروب الدينية، وحرب استملاك القوة والثروة لتوفير وقود الصراع.