أين الرصاصة الثانية؟
مسلم عباس
2021-05-12 04:30
في بيته وربما في مقر الحزب جلس المجرم مع أعوانه، يخططون للعملية الجديدة، أول خطوة لهم قاموا بخنق صوت المسدس الذي سيقوم بعملية إطلاق النار، فحتى أداة القتل يجب أن تكون مخنوقة، يصفون المسدس بـ"الكاتم للصوت" حتى يحفظ سرهم ولا يسمعهم أحد عند التنفيذ.
ملامح وجه القاتل يجب أن تكون مخفية أيضًا، سيذهبون في مهمة خطيرة قرب مرقد الإمام الحسين عليه السلام، المرقد في خطر الآن، ستجري الدماء في كربلاء، قلوب المجرمين تخفق بقوة خوفًا من كشف أمرهم..لا نعرف طبيعة المجموعة الإجرامية وانتمائها، لكن يبدو أنهم يستطيعون الدخول بسهولة، وربما ذهبوا بزيارة سابقة وأسالوا دموع الخشوع في المراقد المقدسة.
في الجهة الأخرى قلب الضحية مطمئن ويسير بأمان فهو بحماية الحسين وأخيه العباس عليهما السلام لا سيما وأن المدينة قد شرع لها قانون يضمن قدسيتها، وأي قدسية أكبر من حياة الانسان؟ أما إذا كنت على بعد بضع مئات من الأمتار عن مرقدي الامامين الشهيدين فقد يصعب على أي شخص القيام بعمل إجرامي.
لكن المجموعة الإجرامية قد تعودت في الآونة الأخيرة انتهاك قدسية المكان، وقامت بعمليات مماثلة.
يتتبع المجرمون الضحية، يصل قرب بيته، يشعر بأمان مركب، فهو وسط مدينة مقدسة اسمها كربلاء، وهو على أعتاب باب بيته، والشجعان لا يخرقون حرمة البيوت خجلاً من ترويع النساء، ومن يفعلها لا يعد من الرجال.
لكن المجرم المتخفي خلف قناعه يصر على مخالفة كل قدسية للمكان، وينتهك حرمة التقاليد العربية بصيانة حرمة البيوت، يطلق بضع رصاصات من مسدسه المخنوق بـ"كاتم الصوت"، تستقر في رأس الضحية، تحدث انفجارات داخل الرأس.
يتدفق الدم خارج الجسد، يسقي المكان بدمه، يرفض إلا أن تكون هذه البقعة أرضًا للبلاء، ويعلنها أرضًا لرفض الظلم والطغيان، يحدث الدم ضجة كبيرة في المكان، وكأنه يرفض كتم صوت المسدس.
صوت "المسدس المكتوم" غير مسموع، لكن الصوت الخافت للدماء يسمع في جميع أنحاء العراق، تخفق القلوب مجددًا رفضًا للواقع، يكتب الغالبية من الشعب، "كفاكم قتلًا"، "إذا كنتم نهبتم ثروات البلاد المعدنية فلا تنهبوا ثرواتها البشرية"، "هل أنا الضحية القادمة؟ يتساءل بعض المواطنين. أم هل هي الرصاصة التي ستقتل السلطات الحاكمة والمتنفذين الذين يستولون على كل منافذ الحرية في هذا البلد؟.
لا أحد يعرف الجواب، المحلل الأمني عاجز عن تحديد المنفذ حتى وأن أطلق التهم لهذا الطرف أو ذاك، والمحلل السياسي يتنبأ بما ستؤول إليه الأحداث لكنه بدون أرضية معلوماتية مستقرة، فإذا كان المسدس كاتمًا للصوت، والمجرم ملثمًا، والسلطة لا تملك إلا الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيقية، ولحد اللحظة لا يوجد من يملك شجاعة الإعتراف بتنفيذ الجريمة؟ فمن أين يمكننا تحديد المسار الحقيقي.
لكن المؤكد الذي لا يحتاج إلى وفرة معلوماتية أن المجرم لا يعيش إلا في الظلام وكتم الأصوات وتكميم الأفواه، أنه يعشق الظلام لأنها بيئته المناسبه لكي يمارس أفعاله المتوحشة.
لهذا السبب ينشرون الظلام، فهو يثير التوتر لدى الضحية، والشعب العراقي كله ضحايا محتملون، هي غابة أطلقوا عليها ظلمًا "عملية سياسية"، بدأ ظلامهم بإطفاء أنوار الكهرباء طيلة الثمانية عشر عامًا الماضية عن الشعب الذي لا يملك إلا أن يعترض عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض التظاهرات.
والاعتراض الشعبي في نظر الساسة والمتنفذين شعلة قد توقد النور من جديد، وجب إطفاء أي شعلة، تؤدي إلى النور الذي يكشف الأقنعة ويحدد مصدر "كاتم الصوت"، فتلك هي نهايتهم.
هل اقتربنا من اشعال النور الكامل وفضح المجرمين وطردهم من بلادنا؟ الإجابة معقدة أكثر من تعقيد عمليات الاغتيالات التي تنفذ بين مدة وأخرى، علينا النظر إلى المشهد بشكل أوسع، فبينما نريد إشعال النور في زاوية مظلمة، يفتعلون ألف زاوية جديدة للتخفي.
هم مجموعة متوحشة تتسلل مصادر المعرفة وتحاول السيطرة على عقول كثير من العراقيين بطرق الترغيب مرة وبالترهيب مرات عدة، ما تزال المعركة طويلة ولا يمكل أحد الإجابة عن موعد الرصاصة الثانية، هي ستكون في رأس المجرم؟ أم في رأس ضحية جديدة؟ وهل ستكون في كربلاء أم في بغداد أم في البصرة؟
هل ستكون الرصاصة الثانية نهاية لحقبة الظلام أم استمرارًا لها؟
الإجابة معقدة، من شدة تعقيد المشهد العراقي، ويبقى الأمل الوحيد للشعب العراقي، أنه عندما وصل إلى مرحلة الحيرة في الخلاص من حكم ديكتاتوية البعث وتوقع أنها ستطول لعشرات السنين تفاجأ بسقوطها المريع عام 2003، وكأن لسان حال العراقيين يردد أبيات الإمام الشافعي بقوله:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى..... ذرعًا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها..... فرجت وكنت أظنها لا تفرج