أزمة ثقة عميقة
ابراهيم العبادي
2021-05-09 01:44
كشفت الخريطة الانتخابية التي اعلنت عنها مفوضية الانتخابات العراقية عن انقسامات عميقة بين الفاعلين السياسيين، فالعدد الهائل من الاحزاب والتجمعات والشخصيات الراغبة بدخول (البرلمان) عبر انتخابات حاسمة ومصيرية، برهن على أن رؤوسا طامحة تريد بلوغ السلطة، والمساهمة في صنع السياسات العامة.
احزاب عتيدة وقوى سياسية قديمة واسماء تاريخية رنانة، تبحث عن مظلة تحالفية مع قوى (واثقة) من نفسها لتحفظ ماء وجهها، بمقعدين او ثلاثة في هذه الانتخابات خوفا من انقراض وجودها وحظوظها السياسية وتأثيرها العملي.
القوى الشيعية، رغم الطابع الاسلامي الذي يغلب عليها، تفشل في تجميع نفسها في اطار تحالفي عام، لان التنافس على أشده بين القوى التقليدية والقوى الجديدة لتشكيل صورة (الاسلام السياسي) الجديد عبر شعارات ومرشحين، هدفهم الاكبر اثبات قوة وتأثير وجماهيرية مرشحيهم واحزابهم وطموحاتهم الفردية.
الاحزاب السنية تعاني هي الاخرى من صراعات وتنافسات حادة قلبت المشهد السياسي في مناطقهم بين اللاعبين الجدد المتسلحين بمهارات وفنون اللعب السياسي و قوى تقليدية (زعامات، بيوتات، اسر، قبائل) تريد المحافظة على وجودها بالمشهد. القوى الكردية تبدو اكثر تماسكا واقل تأثرا برياح التغيير السياسي، فما زالت القوى التقليدية قادرة على ضبط الساحة السياسية بقوة، رغم التفاوت الكبير بين اجيال الامس البعيد، واجيال التغيير الطموح. ربما تكون انتخابات 2021 بداية بزوغ عصر مابعد (الاسلاموية)، فالادلجة في طريقها الى التلاشي، مقابل الحاجة الى البرامجيات والمشاريع، ولان اغلب الفاعلين السياسيين لم يقرأ الوعي الجماهيري والمزاجي للجمهور المحبط قراءة اجتماعية -سياسية، فانه يحاول اقناع نفسه بحضوره الانتخابي وتعبئته النفسية والسياسية.
القضية الاكبر ليست صراعا بين قوى ما قبل تشرين ومابعد تشرين، حتى تكون الحملات الانتخابية مصممة وفق نماذج هوياتية مؤدلجة، وصور نمطية عن التشدد والانفتاح، القيم والاخلاق، التحضر والبداوة، فالتشرينيون لم يقدموا سوى افكار ومبادئ عامة لم توحد بينهم وتوزعوا بين اتجاهات مختلفة وستكون الانتخابات كاشفة عن وزنهم السياسي المحدود.
المشكلة الاكبر في العراق هي ازمة الثقة، فالعراقيون لا يثقون ببعضهم البعض، ولا تجمعهم المصالح المشتركة، لاننا لم نرتق الى مرتبة الامة ولانتعامل بمنطق المواطنة، وتفرق بيننا المصالح الخاصة التي تبدأ من مصلحة الزعيم والبيت والعشيرة والحزب والاسرة والمكون والمذهب، ولذلك اسباب تاريخية واجتماعية يعرفها المتخصصون وغير المتخصصين، انما التجليات الحاضرة لهذا الانقسام الكبير هي ما نشهده من كثرة الاحزاب وطموحات الطامحين للوصول الى مراكز السلطة والثروة والجاه السياسي، وهي تجليات تكشف عن غياب مفهوم المصلحة العامة وضعف الخيال السياسي وندرة القابلية على التوقع.
في ضوء الصورة المتوقعة لشكل التنافس الانتخابي الراهن، لا امل كبيراً في ارتقاء العمل السياسي مراتب تستهدف وتخدم مشروع انقاذ الدولة والمجتمع من الانحدار الكبير، وسيقف السياسيون عاجزين امام تحديات الاقتصاد الريعي والخدمات المتهالكة والتردي الوظيفي والانفجار السكاني والصعوبات البيئية والصراع الاقليمي.
القوى التي تصدق في مشروع خدمة الدولة والمجتمع عليها ان تقنع الجمهور ببرامج انتخابية، وتقدم رؤية واضحة للعمل السياسي الذي يبغي المصلحة المشتركة والهوية الجامعة على شعارات النفس القصير وصناعة ناطقين حزبيين يشغلون مساحات الفضاء الاعلامي للمنافحة عن احزابهم العاجزة عن تقديم رؤية معقولة.