الشباب والتحديات الثقافية في العصر الرقمي

د. خالد عبد النبي عيدان الأسدي

2025-10-08 02:30

الشباب هم الثروة التي تعوِّل عليها كل الدول في العالم القديم والحديث، وبهم تقوم الحضارات والتطور؛ وبهم يتم الدفاع عن الأرض والعرض، وهم الجناح الذي تطير به الشعوب ودرعها الحصين وجوشنها المنيع، وإذا ما قلَّت هذه الثروة في بلدٍ ما أو ساء استعمالها؛ ينهشه الفقر والتخلُّف والضعف والتشتت، فهم عماد الأرض وصنَّاع المستقبل، ما شاخ بلدٌ فيه شباب ينبض بالحيوية.

 وعلى مر التاريخ نجد أنَّ الشعوب التي تستهلك شبابها بالحروب والاعدامات والقتل وفتّ الأواصر الشبابية إلَّا وخارت قواها ونخرت في جسدها عثَّة الاستعمار والاحتلال، فيتمزق نسيجها الثقافي والاجتماعي، وفي العصر الحديث نجد أنَّ الدول الأوربية مرَّت بالشيخوخة وسبب ذلك الحروب التي أكلت شبابها وأنهكت قواها حتَّى سُمِّيت بــ(الرجل المريض)، وكذلك ما ضعُفت قوَّة إلا بكسر عضد شبابها.

 وعلى الصعيد ذاته؛ يتم قتل الشباب بطريقة أخرى غير الحروب، ألا وهي طريقة التجهيل، وهذه الآفة تكاد تكون أقوى وأكبر من آفة الحروب، ولذلك وجد الشباب طريقاً آخر للتثقيف عبر التقليد والاستمتاع بثقافات الآخرين، إلَّا "أنَّ التثقيف أمر بالغ الأهميَّة، إذ إنَّه سبب التغيير إلى الأحسن أو الأسوء. وقد أغفل المسلمون أهمية التثقيف وتناسوه في الوقت الذي أدرك الغربيون والشرقيون أهميته، وراحوا يعملون بكل طاقاتهم في هذا السبيل" (السبيل إلى إنهاض المسلمين: 24).

 وموضوع التحديات العصرية موضوع هام وشائك. يمكن أن نناقش هذا الموضوع عبر الآتي:

 أوَّلا: التحديات الثقافية

 ما يواجه الناس من تحديات ثقافية؛ ما يُسمَّى (بالتأثيرات الثقافية الخارجية)، ويمكن أن تؤثر الثقافات الخارجية على الشباب بوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وغيرها من مفاصل الاتصالات بين شبكات المجتمع، والتأثيرات الثقافية الخارجية لها تأثيرات كبيرة على المجتمعات والثقافات المحلية. من ذلك ما نجده في التأثيرات الإيجابية عبر التبادل الثقافي الذي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التفاهم والتعايش بين الثقافات المختلفة من سبيل تلاقح الأفكان ونتاج الجوهر الثمين.

 بالإضافة إلى الابتكار والإبداع الذي يمكن أن تؤدي التأثيرات الثقافية الخارجية إلى ابتكار أفكار جديدة وإبداعية في مختلف المجالات، وبها يحصل المستقطب على ضالته من الكبريت العلمي الأحمر.

 فضلا عن ذلك التعلم من الآخرين؛ إذ يمكن أن تساعد التأثيرات الثقافية الخارجية في تعلم أشياء جديدة واكتساب مهارات ومعارف من ثقافات أخرى بالتمازج والوئام الفكري، هذا على الصعيد التأثيرات الإيجابية.

 أمَّا من جهة أخرى نجد التأثيرات السلبية، التي تؤدي فقدان الهوية الثقافية؛ إذ تؤدي بعض التأثيرات الثقافية الخارجية إلى فقدان الهوية الثقافية المحلية والانغماس في الثقافات الأخرى، مما يسلخ المجتمع من هويته التي يحملها وينغمس في بودقة أخرى ليس له فيها عين ولا أثر.

 كذلك نجد التأثير السلبي على القيم؛ حيث تؤدي مجموعة من التأثيرات الثقافية الخارجية إلى التأثير السلبي على القيم والمعتقدات المحلية والأخلاق وما ورثه الفرد من تقاليد وعادات تربى وترعرع فيها وعليها؛ ربما يجعل الإنسان سطحيَّاً لا يعير أدنى أهميَّة لموروثه الثقافي أو العقدي.

 أضف إلى ذلك التبعية الثقافية التي تؤدي كثير من التأثيرات الثقافية الخارجية عبرها التدني بالحياة الثقافية والاقتصادية للمجتمعات المحلية فيندرج المجتمع في خانة احتياط المجتمعات الأخرى ويتجرد بسببها عن مفاهيمه ومسؤولياته.

الحلول والمعالجات المقترحة

 لابدَّ من وجود حلول لكيفية التعامل مع التأثيرات الثقافية الخارجية، ونجد –من وجهة نظرنا- أنَّ الحلول الناجعة في الوقت الراهن بالآتي:

أ. التعرف على الثقافات الأخرى: حيث يساعد التعرف على الثقافات الأخرى في تعزيز التفاهم والتعايش بين الثقافات المختلفة وارتشاف ما بها من إيجابيات وطرح السلبيات التي تؤثر على موروثاته الصحيحة عبر التوليف الثقافي الذي يُحدثه المجتمع المثقف.

ب. الحفاظ على الهوية الثقافية الأصيلة: يُعدُّ التمسك بالثقافة الأصيلة والثبات على ما اجتنزه المجتمع من أسلافه؛ هو الاعتزاز بالهوية وهذا يجعل من المجتمعات الأخرى احترام هذا الاعتزاز وتقديره، إذ يساعد الحفاظ على الهوية الثقافية المحلية في تعزيز الشعور بالانتماء والهوية، وهذا يحتاج إلى تثقيف على جميع الأصعدة.

ج. التوازن بين التأثيرات الخارجية والهوية المحلية: يجب على مستقبل الثقافة الخارجية أن لا يجعل للثقافة المستوردة مسيطرة على ما يمتلكه ويعتز به، ويمكن أن يساعد التوازن بين التأثيرات الخارجية والهوية المحلية في تعزيز الاستقرار والتنمية في المجتمعات المحلية.

ثانياً: فقدان الهوية الثقافية:

يمكن أن يؤدي الانغماس في الثقافات الخارجية إلى فقدان الهوية الثقافية للشباب. وفقدان الهوية الثقافية في العصر الرقمي هو موضوع هام وشائك. يمكن أن نناقش هذا الموضوع بوساطة ما يأتي:

أسباب فقدان الهوية الثقافية

أ. التأثيرات الثقافية الخارجية: قد تؤدي التأثيرات الثقافية الخارجية إلى فقدان الهوية الثقافية المحلية، بسبب استيراد الثقافات الأخرى دون تمييز الجيد من الرديء منها.

ب. الانغماس في الثقافات العالمية: فالانغماس في الثقافات العالمية يصل بالمجتمع إلى فقدان الهوية الثقافية المحلية، وهذا ما نجده في كثير من البلدان في الوقت الحاضر.

ج. التكنولوجيا والإنترنت: التكنولوجيا والإنترنت تؤديان إلى انتشار الثقافات العالمية وتأثيرها على الهوية الثقافية المحلية، مما يجعل الفرد المتذبذب سهل الانقياد خلف هذه الثقافات التي وردت عبر هذه المواقع دون رادع.

 تأثير فقدان الهوية الثقافية

 ينتج مما تقدم من فقدان الهوية الثقافية شراشر أخرى من القيم والأخلاق والعرف الاجتماعي، من ذلك:

أ. فقدان التراث الثقافي: كثيراً ما ينتج فقدان الهوية الثقافية؛ فقدان التراث الثقافي والتعرف على الهوية المحلية يكون ساذجاً وممقوتاً وكأنَّه من بوالي أو أثافي التراث الذي يسير الإنسان نحو التخلص منه بأي ثمن.

ب. التأثير على المجتمع: يؤثر فقدان الهوية الثقافية في المجتمع سلبياً ويصل بالمجتمع إلى التخلي عن القيم والمعتقدات التي يحملها أو ورثها عن مجتمعه.

ج. التأثير على الفرد: يُعدُّ الفرد هو اللبنة الأساسية في بناء قلعة المجتمع، وفقدان الهوية بالنسبة له يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الفرد، مثل فقدان الشعور بالانتماء والهوية.

كيفية الحفاظ على الهوية الثقافية

 يحتاج الحفاظ على الهوية الثقافية إلى سبيل يتوجه به إلى الحالة الصحية بالحفاظ عليها، و"السبيل إلى تحقيق الحالة الصحية في حياة الإنسان -فرداً أو اجتماعاً- فهو أن يُعطى له كل حاجاته الجسمية والروحية، وعملية العطاء هذه، سواء أكانت صحيحة أم سقيمة منوطة بأمرين:

الأول: النظام السائد وهو ما يُسمَّى بالدين أو الطريقة أو الفرضية أو غير ذلك.

الثاني: المؤسسة الاجتماعية التي تُصاغ في الحالتين الصحيحة أو الخاطئة"(عالم الغد: 83). والخلاص من ذلك بوساطة: تعزيز الوعي الثقافي: يمكن أن يساعد تعزيز الوعي الثقافي في الحفاظ على الهوية الثقافية المحلية عبر المنتديات القافية والمهرجانات وعقد ندوات في تعزيز ذلك.

 وعلى الوتيرة ذاتها يدخل تعليم الثقافة المحلية والحفاظ على المرتكزات الأساسية كعامل مهم يمكن أن يساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية المحلية، وتوعية الأفراد بثقافتها وما عم عليه من تقاليد وأعراف سليمة.

 وكذلك تأتي المشاركة في الفعاليات الثقافية في سبيل القوَّة الفاعلة في تعزيز الهوية الثقافية ومنها إلى الاعتزاز بالهوية الوطنية عبر المشاركة في الفعاليات الثقافية في المنتديات والمهرجانات المحلية التي تعزز من التمسك بالوطن.

 ويمكن استخدام الثقافة التكنلوجية لصالح بناء مجتمع صالح بوساطة أدوار عدَّة نجملها بالآتي:

1- توظيف التكنولوجيا لتعزيز الثقافة المحلية: يتم ذلك بتثقيف الأفراد والمجتمع؛ لذلك؛ إذ يمكن أن تساعد التكنولوجيا في تعزيز الثقافة المحلية بنشر المعلومات والفعاليات الثقافية.

2- نشر التراث الثقافي الرقمي: اختصرت الثقافة الرقمية كثيراً من مخازن الثقافة بالكم والكيف، وأخذت على عاتقها حصر المفاهيم بأدوات متاحة ومقصورة وسهلة الوصول إليها، فصارت التكنولوجيا عاملاً مساعداً يعمل على الحفاظ على التراث الثقافي الرقمي بتوثيق وتخزين المعلومات الثقافية.

4- تعزيز التواصل الثقافي: بالإضافة إلى النقطة آنفة الذكر؛ عملت التكنلوجيا على سهولة التواصل المجتمعي وسرعته، فيمكن استغلالها في تعزيز التواشج المجتمعي؛ إذ يمكن أن تساعد التكنولوجيا في تعزيز التواصل الثقافي بين الأفراد والمجتمعات المختلفة.

5-التواصل الاجتماعي: تعدد نوافذ البرامج في التواصل الاجتماعي أتاح سهولة تعزيز التواصل بين أفراد المجتمع، ولكن يمكن أن يؤثر التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية للشباب سلباً أو إيجاباً، وهذا يخضع للتعامل مع التكنلوجيا الرقمية.

دور الشباب في استغلال الرقمنة 

 تحتاج الرقمنة إلى جيل واعٍ ينظر إلى الأمور بنظر الإحاطة لا نظر الحد الموجَّه، لأنَّ الناس بطبيعتها تنظر إلى الأمور بما هو قائم بين أعينهم أو ما شخص أمامهم، وما غير ذلك لا يعيرون له أهميَّة، وبما أنَّ الشباب تعد الثروة البشرية المنتجة في كل بلد؛ لابدَّ لها أن تنظر بعين المسؤولية للإحاطة، وبذلك يجب عليها الآتي:

1. الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية: أخذ الشباب استلهام الرقمنة والتهامها ودخولهم في كل جزيئاتها فيمكن لهم الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز ثقافتهم وتبادل أفكارهم وتسخيرها لخدمتهم وليس العكس؛ أي: لا يُسلموا لها تسليمَ ميِّتٍ بين يدي غسَّال.

2. الحفاظ على الهوية الثقافية: يستطيع الشباب الحفاظ على هويتهم الثقافية والوطنية إذا ما كانوا متسلحين بسلاح يؤدي بهم إلى الحفاظ عليها؛ إذ يمكن للشباب الحفاظ على هويتهم الثقافية عبر المشاركة في الفعاليات الثقافية والتعرف على تراثهم.

3. المساهمة في بناء المجتمع: يدخل الشباب في بودقة العناصر المهمة التي تبني المجتمع، فهم الجيل الذي يمكن له التطوير ومواكبة الحياة الجديدة لأنَّهم خُلقوا في زمن العولمة الرقمية؛ فيُتاح المساهمة في بناء مجتمعهم بالمشاركة في الأنشطة التطوعية والاجتماعية.

 وعليهم أن يحذروا الانغماس في العالم الافتراضي لأنَّه مُفترض عليهم وليس حقيقياً يؤدي ذلك إلى العزلة عن المجتمع الحقيقي.

 وكذلك التأثير السلبي للإنترنت الذي يؤثر بشكل سلبي على الشباب عبر نشر المعلومات الخاطئة والتحريض على العنف. بالإضافة إلى نقص الوعي الذي يؤدي بالتحديات الثقافية إلى صعوبة مواجهتها.

 فالشباب في العصر الرقمي يواجهون تحديات ثقافية كبيرة، ولكن يمكنهم الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز ثقافتهم والمشاركة في بناء مجتمعهم. ويجب على الشباب أن يكونوا واعين للتحديات التي تواجههم وأن يسعوا إلى الحفاظ على هويتهم الثقافية والمساهمة في بناء مجتمعهم.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

http://shrsc.com

ذات صلة

ثلاثية الارتقاءدلالات المقاطعة والمقاطعينجيل زد المغربي.. يعبر عن غضب الشباب في العالمنفط الإقليم وقوتهعودة إلى مزرعة الحيوانات