في ذكرى.. ليلة سقوط تلعفر!

زاهر الزبيدي

2015-06-23 10:28

قبل أيام قليلة من سقوط مدينة الموصل اتذكر قائدها العسكري، في لقاء متلفز، وهو يبتسم حين يقول أننا كنا نخرج لهم للبادية وإذا أتو فأهلا بهم ونحن بانتظارهم في إشارة الى العصابات الارهابية.. وبعدها أنتهى أمر الموصل أسيرة بيد الإرهاب بلا قتال ولا أدنى حد لمقاومة تذكر تلك هي نكسة العاشر من حزيران وتبعتها نكسات وويلات يندى لها جبين الإنسانية.

ثم بأسى بالغ، وهو ليس بجديد بعدما حصل في الموصل، تناقلت بعض الفضائيات نبأ سقوط مدينة تلعفر التأريخية، كانت بمعية الجيش العراقي تحت أمرة اللواء محمد القريشي، أبو الوليد، حتى ساعات صباح الأحد 22-6، لم يشير أي تقرير عسكري حكومي الى أن الجيش هناك سيتهاوى، كنمر من ورق، ازاء التهديدات الإرهابية التي حاصرت المدينة من كل جهة مع مطارها العسكري الذي يعتبر من أهم وأكبر مطارات العراق.

هكذا، بدون مقدمات ينسحب القائد الذي رسمت حوله الكثير من الأساطير حتى أضحى رمزاً للنصر على العصابات الإرهابية وإن إنتصاره في تلعفر مفتاحا لدخول مدينة الموصل وتحريرها ليتوجه مع جنده الى سنجار ليسلم نفسه للقوات الكردية المتواجدة هناك، لا نخفي بسالة الجنود وعظم التضحيات ومدى قدرتهم الهائلة على صد الهجمات التي تتابعت على المدينة ومطارها منذ أيام عدة مبدين شجاعة فائقة وبسالة نادرة في الذود عن المدينة بمعاونة أخوتهم من رجال العشائر؛ إلا إن الكبوات تتابعت والخوف كل الخوف من أن الإنهيار الوشيك السريع لقواتنا على عدة جبهات يتسبب في سقوط وطن كامل تحت إمرة الإرهاب.

تقارير كثيرة تشير الى أن المدينة حوصرت من كل الجهات ونفذت ذخيرة المقاتلين وحفاظاً على أرواحهم وقائدهم؛ أعطيت الأوامر لهم بالتسليم الى القوات الكردية على أمل أن يعيدوا التنظيم.. أو حتى أنه إنسحاب تكتيكي كما تبرر أغلب الخسائر والإنكسارات عند جيوش العالم أو حتى يظن البعض ممن لم يصدقوا ماحدث أنها.. الكاميرا الخفية.. والصباح كفيل بالكشف عن حقائق جديدة، إلا إن تلعفر كانت جيباً مهلكاً لكونها تقع الى الغرب من الموصل وهي مدينة تصنف على انها تنتمي الى طائفة ما تثير شهوة الإرهابيين بإلتهامها بأسرع وقت.

حتى اليوم وبعد مرور عام كامل على سقوط الموصل؛ لم تستطع الجهات التشريعية واللجان التحقيقية والعسكر من فهم اسباب هذا الانكسار الكبير في معنويات الجيش وانهياره في مدن كبيرة ولو تحقق ذلك لاستطعنا على أقل تقدير المساهمة في تغيير ستراتيجية بناء جيشنا ولضمان عدم سقوط مدن كبرى أخرى كما حدث مع الانبار وما سبقها من مجازر يندى لها جبين الانسانية جمعاء.

بعدها بدأنا نخسر مدن كبيرة وأقضية كالرمادي وأصبحنا غير قادرين على مسك الأراض المحررة من زمر الإرهاب لفترة طويلة.. فساعات قليلة أو أيام معدودة يتمكن الإرهابيون من إستعادتها وتستمر عملية الكر والفر بين الجانبين والضحية من كل ذلك دماء الأبرياء؛ وأستنزاف كبير في موارد البلد، لذلك كان لزاماً علينا أن نفقه بمحتوى الستراتيجية التي وضعت للقتال؟ وهل كان قتالنا مغامرة؟ هل الجيش قادر على أن يدير معارك على عدة جبهات في آن واحد؟ هل نتمكن من منع حصول الأعداء على ما يحتاجه من عتاد وأسلحة ومعدات عسكرية من مخازن جيشنا ومعسكراته؟ فالحرب مع الإرهاب طويلة وكلما خسرنا معركة أو مدينة فيها يتزايد إندفاع الزخم الإرهابي وتتناقصت الروح المعنوية لدى أبناء شعبنا الصابر وجيشنا.. فنحن اليوم أمام مرحلة مهمة.. عتاد ودبابات وعجلات همفي الأمريكية التي جهزت للجيش العراقي وصلت الى سوريا بعدما حصلت عليها المجاميع الإرهابية من إحتلالها للمعسكرات الكبيرة كمعسكر الغزلاني وأموال طائلة نهبت من المصارف كما حدث في مدينة الموصل والموارد المالية الكبيرة التي يحصل عليها التنظيم الإرهابي من بيعه للنفط بعدما سيطر على حقول كثيرة في سوريا والعراق والمافيات الإقليمية التي توفر السلاح إضافة الى المقاتلين ممن يطلق سراحهم من السجون المسيطر عليها كسجن بادوش وطبقة الفقراء والمعدمين ممن أضحوا المورد البشري للتنظيم إينما حل.

فنحن اليوم نمنح العدو فرصة أن يطور قابلياتهم وتكتيكاته إعتماداً على تلك الخسائر فتشتد قساوة القتال وتختفي مدن عن خريطة الوطن كان من المفترض بكافة السياقات العسكرية عدم سقوطها مطلقاً.

لم تكن تلك الإنهيارات لتحصل لو كانت هناك تقديرات ستراتيجية تخمينية للنتائج أو حتى لو كانت هناك قدرة على عدم الإستهانة بالعدو فلديهم كل شيء المال والمقاتلين ومن يعينهم بشدة على بلوغ الأهداف؛ لديه نقاط قوة كثيرة بل تتلاشى لديه نقاط الضعف الى أدنى مستوياتها.. أما نحن فلدينا نقاط قوة كثيرة لم تستثمر بشكلها الصحيح ولدينا نقاط ضعف مؤشرة في مرحلة ماقبل الإنسحاب الأمريكي تسببت تلك النقاط في شلل قطاعاتنا المقاتلة وأهمها عدم وجود العتاد وعدم المقدرة اللوجستية على دعم القوات المقاتلة لإدامة زخم صمودهم ناهيك عدم وجود العقيدة العسكرية المتكاملة، وهذا ما حدث في بعض مراحل القتال من إستغاثات كثيرة من معسكرات ووحدات عسكرية محاصرة في جيوب مهلكة والغريب فيها أن أحد الجنود أطلق إستغاثة على قناة الفيحاء في مساء 12-10 يقول فيها أن "الدواعش يحاصروننا ونحن لدينا المؤن ولدينا السلاح والعتاد إلا إننا لا نستطيع الذهاب الى أهلنا وبيوتنا!!

كان من الممكن أن يتطور الموقف بسرعة بالغة لا يمكن لأي خطط عسكرية إحتوائها، وحتى وجود دعم التحالف الدولي الذي يمارس التنقيط في إختيار أهداف محدودة على مدى مساحة مئات الالاف من الكليومترات المربعة تتحرك داخلها المجاميع الارهابية بحرية.. تتجمع وتتخذ أوضاع الهجوم وتهاجم وتنهب الارض تحت عدسات طائرات التحالف الفائقة التطور وطائراته التجسسية وأقماره الصناعية، إلا إن الله أعان أبناء شعبنا بإطلاق سماحة السيد السيستاني لفتوى الجهاد الكفائي، والتي حتمتها الظروف وقدرة المرجعية على قراءة ما يجري في ساحات المعارك، فالتأمت لحمة أبناء شعبنا تحت الفتوى المباركة لتتمكن القوات الامنية بمساعدة رجال الحشد الشعبي من إعادة الامل المفقود الى قلوب أبناء شعبنا ولتبدأ الملاحم الكبيرة في إستعادة الاراض المحتلة.

كان هناك خلاف كبير كان قد دب في مفاصل الحكومة عام 2010 حول إمكانية تسلم القوات العراقية الأمنية لمسؤولية الأمن في الوطن بعد إنسحاب القوات الأمريكية، حسب الإتفاقية الأمنية الموقعة مع الجانب الأمريكي، إتفاقيتي سافا وسوفا، وأذكر أن رئيس أركان الجيش السيد أبو بكر زيباري قد أوضح عدم إمكانية استلام القوات العراقية لدفة الأمن حتى عام2020! معللاً ذلك بعدم تكامل تجهيزات الجيش العراقي وكذلك لم يخف وزير الدفاع السابق السيد عبد القادر جاسم ذلك بتصريح لوكالة رويترز في شباط 2010 حيث قال "ان القوات المسلحة العراقية لن تُكمل برنامج التحديث قبل عام 2020 أي بعد سنوات من انتهاء انسحاب القوات الاميركية من البلاد".

إنسحبت القوات الأمريكية في عام 2012.. وتحققت "السيادة المنقوصة" للبلد لكنها تركته حَملاً بين ذئاب الشرق الأوسط تنهشه من إي مكان تريد غير قادر على رد إعتداء إي مجموعة مسلحة.. حدود سائبة تمرح بها المجاميع الإرهابية.. فنحن لم نطالب أمريكا بتطبيق الإتفاقيتين بعد توقيعهما وأصبح شغلنا الشاغل منذ خروج قواتها هو المناصب السياسية والمحاصصة في المناصب والمناكفات السياسية والصراح على موطئ قدم في الحكومة في حين أن بعد هذا العام كان الأحرى بنا الاسراع بإعادة بناء الجيش العراقي بقدرات كبيرة تتناسب وقدرات البلدان المجاورة مع أن العراق في حينها كانت لديه القدرة الشرائية العالية لتوفير الاسلحة والاعتدة والتدريب المناسب إلا إن حلم بناءه افترسه الفساد في الصفقات السلاح وعدم القدرة على إستغلال الإتفاقيتين في دعم تسليحه، كذلك وجود "الفضائيين" الذين كشف عنهم رئيس مجلس الوزراء بعد فترة وجيزة من إختياره وتصويت مجلس النواب على ترشيحه وبدئه بإجراءات تصحيحية في هذا المجال، ناهيك عن الطائفية التي إجتذبت قادة عسكريون برتب كبيرة لم يحسنوا إدارة الأمن الداخلي للبلد بعدما تلقفتهم الإنهيارات الأمنية من التفجيرات التي تكاد تكون يومية والإحتلالات للوزارات واخيراً إحتلال المدن الكبيرة فكيف بهم بتهديدات خارجية والجميع يعلم الى أي مآل صارت اليه أمور فرقهم العسكرية وأين هم الآن في ظل إحتدام القتال وضراوته.

اليوم نستجدي الطائرات بعقود بعيدة المدى لتصل الينا "بالقطارة" كما يقال وتتنصل أمريكا من إتفاقياتها أمام التحديات حيث تتحرك كالحلزون سياسياً وعسكريا لنجدة البلد الذي احتلته ودمرت قدراته العسكرية السابقة وبالمقابل يتحرك الإرهاب كالفهد الأسود الجامح يلتهم المدن والأقضية مستفيداً من تخاذل وإرتباك القوات الأمريكية في الدخول الى ساحة المواجهة مبررة ذلك بأسباب عدة، وحتى تدخل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تشكل دولياً لم يستطع حتى اللحظة من إيقاف تقدم المجاميع الإرهابية لا إنهاءها، طلعات جوية تصل إحياناً الى10 طلعات في سوريا والعراق على عدو ينتشر في ثلث العراق تقريباً، لا أعتقد أن ذلك سيحقق شيئاً ملموساً والعدو يمتلك ستراتيجية لايجب الاستهانة بها مطلقاً.

وهذه ليست كل الأسباب بل هناك أسباب أخرى أشرنا لها في مقالات سابقة كتبت قبل 2011 وأشار لها الكثيرون.. صحفيون وكتاب ومحللون ستراتيجيون وقادة عسكرية. إلا ان الأزمات السياسية أعمت عيون قادتنا عن التفكير ستراتيجياً وتوقع الأحداث القادمة أو حتى وضع الخطط الإفتراضية التي من الممكن إختراق جبهة الأمن العراقي منها؛ لوضع الدعامات العسكرية اللازمة لدرء الخطر الذي كان وشيكاً فأضحى واقعاً مؤلماً يملئنا حسرة ويشبعنا خوفا.

لقد كان "خروج المحتل" يحقق رغبات بعض الكتل والتيارات السياسية وضمن في أجنداتها الإنتخابية كنصر تحقق لها في إخراجها هذا المحتل الذي نتوسله اليوم ليصد عنا الهجمات المتعاقبة ونستجديه للحصول على السلاح حتى تحقق ذلك فأضحى بعد سنين قليلة سببا في خسارة مدن كبيرة من الوطن.

نسأل الله لأهلنا في الموصل والانبار وتلعفر وكل مدينة ينهشها القتال السلامة والأمان ونجدد الثقة برجالنا البواسل من جنود وحشد مبارك وأبناء عشائر نشامى وابطال البيشمركة أن يتناخوا للدفاع عن وطنهم.. فأمانتهم عظيمة وهم أهل لها إن شاء الله.. حفظ الله العراق.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا