"ورد النيل"... ومدى جدية الخيارات الامريكية في العراق

باسم حسين الزيدي

2015-06-14 06:00

ما يعيبه الكثيرون على الرئيس الامريكي "باراك اوباما"، الاتهامات المتكررة بغياب استراتيجية امريكية خالصة في مواجهة تمدد تنظيم "داعش" المستمر في سوريا والعراق، وان سياسة "الصبر الاستراتيجي" او "الاحتواء" لا تجدي نفعا امام حجم الدمار والتهديد الذي يولده "داعش" في المدن التي باتت في قبضته، سيما وان طموح التنظيم يختلف كثيرا عن تنظيم "القاعدة"، الذي تفرع منه، فهو جاء ليؤسس "دولة الخلافة" بدلا من القيام بمجموعة من التفجيرات او العمليات الانتحارية ضد اهداف حيوية غربية او محلية... لكن بالمقابل... فان اوباما دافع عن سياسته التي اوصلته للبيت الابيض امام خصومة، بعدم التورط بحرب يخوضها جنود الولايات المتحدة الامريكية بدلا من جنود حلفائه في العراق... على سبيل المثال.

الحكومة العراقية حتى الان لم تطلب ارسال جنود من الولايات المتحدة بصفة "مقاتل" لمساندة قطعاتها العسكرية في ساحات المعارك... وانما طالبت بتسريع شحنات السلاح المتعاقد عليها منذ 3 سنوات... كما طالبت بتفعيل دور "التحالف الدولي"... والضربات الجوية المتواضعة، سيما وان 75% من الطائرات الامريكية تعود الى قواعدها من دون تنفيذ اهداف ضد التنظيم على ارض المعركة... بحسب التصريحات الرسمية لقادة الولايات المتحدة.

هذه المطالب قابلتها مخاوف امريكية من كيفية سيطرة الحكومة العراقية على قوات "الحشد الشعبي" التي تتصدى لتنظيم "داعش" بصورة مباشرة، واثبتت فاعليتها على الارض، اضافة الى مطالبتها المستمرة لدور اكبر لسنة العراق... وجميع هذه النقاط طرحت مباشرة في مؤتمر باريس وفي لقاء العبادي مع اوباما.

ويبدو ان "سوء الفهم" او "التقدير" الامريكي لموقف الحكومة العراقية وحجم التحديات التي تحيط بها سيولد المزيد من المشاكل على المدى القريب:

- فالولايات المتحدة الامريكية، على ما يبدو لا ترغب بمد يد العون الحقيقية لتسريع شحنات السلاح والتدريب والضربات الجوية، على الاقل في الوقت الحالي.

- الاعتبارات السياسية التي وضعتها امام الحكومة العراقية بمثابة "اعباء" اضافية قد تعيق عملها في مكافحة الارهاب، فالمشاكل السياسية ذاتها التي يعاني منها العراق منذ عقد من الزمن.

- الغموض الذي احاط استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية امام تقدم داعش، اثار الكثير من علامات الاستفهام عن مدى جدية اوباما في تقديم يد المساعدة للحكومة العراقية... وما هي اهداف الولايات المتحدة من اهمال هذا الخطر بصورة تقترب من "التعمد"؟

ان سرعة تغير الخطط والمواقف الامريكية تجاه تعاملها مع خطر التنظيم... والتي تراوحت بين الاعتراف بعدم وجود استراتيجية ثابتة... او الاعتماد على الضربات الجوية والتحالفات والصبر وسياسية الاحتواء، يجعل من الصعب تحديد موقف الولايات المتحدة الامريكية النهائي والطريقة التي ستعالج بها الامور في نهاية المطاف... لكن ما اشار اليه رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال مارتن ديمبسي، أن وزارة الدفاع (البنتاغون)، تدرس في الوقت الراهن "إقامة قواعد عسكرية إضافية في العراق، على الخطوط الأمامية للمواجهة مع التنظيم"، ونفته لاحقا وزارة الخارجية الأمريكية... بالقول الإدارة الامريكية "لا تفكر في تأسيس قواعد عسكرية لها داخل العراق"، قد يعطي انطباعا عن بعض الحلول المطروحة امامهم، والتي يفكر بها قادة الولايات المتحدة.

"ورد النيل"، او هكذا اسماها "ديمبسي"، تعيد الى الاذهان رغبة الولايات المتحدة الامريكية في اقامة قواعد عسكرية امريكية في العراق... وهو اشبه ما يكون بخروجهم من "الباب الواسع"، عام 2011، ليعودوا من "الباب الضيق"، عام 2015 لمواجهة خطر تمدد داعش، ويبدو ان "قاعدة التقدم" العسكرية في الانبار... ستكون المثال الاول على هذا السيناريو، بعد ان أرسل اوباما (450) جندي امريكي اضافي لأغراض تدريب الجيش العراقي، ليصل عدد الجنود الامريكان... لأكثر من (3500) جندي.

واغلب الظن... ان سياسية اعادة القواعد الامريكية بصورة مباشرة او تدريجية... لن تساهم في حل مشكلة الارهاب... بل قد تزيد الامور تعقيدا، وبعيدا عن الاسباب الداخلية والحساسية الاقليمية من وجود قواعد امريكية في العراق (والتي ستنعكس سلبا على امن العراق القومي)، فان أفضل الخيارات الامريكية المتاحة في العراق حاليا... ربما تتمحور في:

- دعم الحكومة الحالية سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

- استخدام نفوذها للضغط على الدول المعنية من اجل اضعاف مصادر قوة تنظيم داعش (السلاح، المال، التجنيد).

- تبسيط استراتيجيتها وتقسيمها الى مراحل زمنية محددة... بعيدا عن تجريب الوصفات المستهلكة او الخيارات العشوائية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا