حيرة والدرب ضيّق

د. جليل وادي

2020-10-06 07:34

يذكرني‮ ‬موقف الادارة الأمريكية من أزمة استهداف البعثات الدبلوماسية‮، ‬والحقيقة استهداف بعثتها‮، ‬بالسنوات الاولى للاحتلال‮، ‬ومع بدايات تشكيل القوات الأمنية العراقية‮، ‬حينها اذا أرادت القوات الأمريكية مداهمة منطقة معينة‮، ‬أن تكون تلك المداهمة برفقة الحرس الوطني‮ ‬وهي‮ ‬التسمية التي‮ ‬اطلقت على التشكيلات العراقية‮، ‬وما تسببه تلك المداهمات من انتهاك لحرمة البيوت وبث الرعب في‮ ‬نفوس العوائل‮، ‬وغيرها من الأساليب التي‮ ‬تعرفون‮، ‬فيُسقط الناس تذمرهم وغضبهم على القوات العراقية قبل القوات الأمريكية‮، ‬فنبتت بذور الكراهية وانعدام الثقة بين الأهالي‮ ‬وأبنائهم منتسبي‮ ‬القوات الأمنية التي‮ ‬دفعنا أثمانها الباهظة لاحقا في‮ ‬المناطق الغربية.

والاسلوب الأمريكي‮ ‬ذاته‮ ‬يحدث الآن بالطلب من حكومة الكاظمي‮ ‬ايجاد حل أمني‮ ‬لمشكلة الفصائل المسلحة العويصة‮، ‬فالطرق ضيقة جدا ويمكن لها أن تفضي‮ ‬الى نتائج كارثية قد تنتهي‮ ‬بالبلد الى التمزق والشعب الى التقاتل‮، ‬ما وضع الكاظمي‮ ‬في‮ ‬حيرة من أمره‮، ‬فأحلى الخيارات أمامه مر علقم‮، ‬الأمريكان‮ ‬يدفعونه لاتخاذ قرار الحرب ضد هذه الفصائل التي‮ ‬تناصبهم العداء‮، ‬وتستهدف قواتهم وسفارتهم وشركات الدعم اللوجستي‮ ‬بصواريخ الكاتيوشا‮، ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬جعل القوات الحكومية بمواجهة الفصائل المسلحة‮، ‬واذا اشتعلت هذه الحرب فلن تنطفئ أبدا‮، ‬قبل ان تدفع المناطق الوسطى والجنوبية آلاف الضحايا‮، ‬وتدمير المدن المتهالكة بالأصل‮، ‬فتخيلوا حجم المآسي‮ ‬التي‮ ‬ستحدث؟‮.

‬وان لم‮ ‬يستجب الكاظمي‮ ‬للمطالب الأمريكية‮، ‬فسيتعرض النظام السياسي‮ ‬في‮ ‬العراق الى احتمالات الانهيار‮، ‬لأسباب سياسية واخرى اقتصادية‮، ‬فضلا عن ضغوط الحراك الاحتجاجي‮، ‬ذلك ان انسحاب السفارات من بغداد‮، ‬يعني‮ ‬الاقرار بان العراق لم‮ ‬يعد دولة‮، ‬وربما‮ ‬يدرج من جديد على طاولة مناقشات مجلس الأمن لفرض الوصاية عليه‮، ‬كما حدث ذلك في‮ ‬زمن النظام السابق بعد احتلاله للكويت‮، ‬ويجب ألا‮ ‬يغيب عن البال ان الأمريكان هم المتحكمون بالاقتصاد العراقي‮ ‬عبر مصارفهم التي‮ ‬تودع فيها واردات النفط‮، ‬ولا‮ ‬يمتلك العراق أية مرونة تذكر في‮ ‬هذا الجانب‮، ‬فالدولة فيه قائمة على مبيعات النفط فقط‮، ‬ولا تكاد‮ ‬تؤمن الحكومة رواتب موظفيها‮، ‬فكيف سيكون الحال مع عقوبات اقتصادية محتملة؟‮.

‬ان المشكلة تكمن في‮ ‬ان طرفي‮ ‬الأزمة‮، ‬وأقصد الأمريكان والفصائل المسلحة لا‮ ‬يبديان أية مرونة حيال هذا الواقع الواضح والمقلق‮، ‬فقد قضى تزمت الطرفين على ما‮ ‬يفكر به الكاظمي‮ ‬من خيارات للنجاة بالبلاد‮، ‬وليس ببعيد أن‮ ‬يروح الكاظمي‮ ‬ضحية لهذه الأزمة‮، ‬وربما تذهب به الى الاستقالة‮، ‬اذا رغب بعدم تحمل مسؤولية كارثة انسانية متوقعة‮.‬

لقد وضع الأمريكان العراق أمام خيارات جميها تصب في‮ ‬استراتيجية بقاء وجودهم على أرضنا‮، ‬فان تراجعت الفصائل عن أعمالها المسلحة‮، ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬تلاشي‮ ‬التهديدات التي‮ ‬تستهدفهم‮، ‬وهم باقون‮، ‬وان تعنتت فسيفرض ذلك على الكاظمي‮ ‬في‮ ‬حال رغبته بالبقاء في‮ ‬السلطة‮، ‬الصدام معها بما‮ ‬يؤدي‮ ‬الى احراق الوسط والجنوب كما احرقت المناطق الغربية‮، ‬ولا‮ ‬يقل هذا الهدف أهمية‮ ‬للأمريكان عن الهدف الأول‮، ‬فلا ألذ عندهم من تقاتل القوات الحكومية مع الفصائل‮، ‬وبين الفصائل نفسها‮، ‬وبين الأهالي‮ ‬والفصائل‮.‬

ومن شأن ذلك انهاك الجميع والقضاء على المقاومة المحسوبة على ايران او تبدل مواقفها كما تبدّلت مواقف الكثير من الفصائل والجهات السياسية في‮ ‬المناطق الغربية في‮ ‬ضوء معطيات الواقع على الأرض‮، ‬وحرمان ايران من ساتر صلد ورئة مهمة في‮ ‬حال حدوث المواجهة المباشرة معها بحسب ما‮ ‬يرى الأمريكان‮. ‬وهي‮ ‬مواجهة حتمية طال أجلها ام قصر‮، ‬لأسباب شتى كنت ذكرت بعضها في‮ ‬مقال سابق‮. ‬والسؤال المهم كيف نجنب بلادنا حريقا جديدا؟،‮ ‬هذا ما‮ ‬يجب أن تتحاور به جميع القوى العراقية الفاعلة في‮ ‬المشهد‮، ‬المسلحة منها وغير المسلحة‮، ‬الرسمية وغير الرسمية‮، ‬الشيعة والسنة والكرد على حد سواء‮، ‬وواهم من‮ ‬يظن انه سيكون بمنأى عن هذا الحريق‮، ‬فان لم‮ ‬يطله لهيبه‮، ‬فالدخان سيخنقه.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

الرحمة تصنع المدينة الفاضلةمركز الفرات ناقش دور الإصلاح الاداري في مكافحة الفساد الماليعلوم الإمام الصادق (ع) في نظر علماء الغربحكومات جديدة ونتائج قديمةغزة والحرب الأكاديمية