فشل التخطيط أضاع الخيط والعصفور!
د. ليث بدر يوسف
2020-10-05 06:54
لو اردنا ان نعرف التخطيط نقول هو "جهود عملية وإدارية منظمة تقوم على حشد كافة الإمكانيات المتاحة وتطويعها لخدمة الاحتياجات الحالية والمستقبلية لتحقيق الأهداف التي ينبغي الوصول إليها في إطار زمني محدد"، والتخطيط الناجح اساس في نجاح وتطور الامم، وبدونه لا يمكن ان تتقدم وتتطور اية دولة، وبمعنى اخر لكل منا هدف يطمح الى تحقيقه وبدون التخطيط لا تتحقق الاهداف.
واليوم هنالك وزارات وهيئات ومؤسسات للتخطيط تصرف عليها الدول مبالغ طائلة سنويا لوضع الخطط التكتيكية والاستراتيجية، ومن هذه الدول العراق والذي يمتلك وزارة للتخطيط ضخمة في البناء وكبيرة في عدد الموظفين العاملين فيها.
هذه الوزارة لو دعمت بشكل صحيح واعطيت شيئا من الحرية في وضع الخطط لكان عملها مهم جدا للارتقاء بالبلد وحل الكثير من ازماته المتوارثة، ففي كل مرة وعند التحضير للانتخابات (مثلا) يطلب من وزارة التخطيط اجراء تعداد سكاني دقيق، وتقوم بدورها بوضع خطة للتنفيذ وترصد مبلغا تقديريا لعمل هذا التعداد، وعند وصول الخطة الى البرلمان والجهات المالية المسؤولة يؤجل هذا الموضوع ومن ثم يلغى تباعا، والاسباب واضحة طبعا وجاهزة (الميزانية لا تتحمل).
ولو تأملنا قليلا في بعض الموضوعات والمشاكل المفتعلة، لعرفنا ان اغلب الساسة والمتحكمين بالقرار السياسي في عراقنا الجديد لا يحبذون شيء اسمه التخطيط لأنه يتعارض مع تطلعاتهم (الماراثونية).
ومن الموضوعات العالقة اليوم وتحتاج الى تخطيط (موضوع البطاقة التموينية) وهي عبارة عن توزيع اربعة مواد غذائية رديئة تصل تباعا للمواطنين ويتحكم بها وكيل الغذائية ، ولإيجاد حل لهذه المعضلة قام احد المسؤولين (الفهيم جدا جدا) من خلال اقتراحه بحجب التموينية عن الموظف الذي يتجاوز راتبه (مليون الف دينار عراقي) لكون هذه الشريحة لا تحتاج الى معونة الدولة وللتقليل من نفقات شراء المواد الغذائية، أو زيادة هذه المواد لتكون خمسة او ستة مواد علها تساعد في تحسين السلة الغذائية للمواطن، وحجبت البطاقة عن هذه الشريحة ولم تطبق الفقرات الاخرى لهذا القرار وبقي الوضع على ما هو عليه ولا نعرف الى اين ذهبت الاموال التي كانت مخصصة لتموين هذه الشريحة من الموظفين.
ومن الموضوعات الاخرى موضوع زيادة واستحداث الوزارات العراقية لتصل اليوم الى (22 وزارة) ما عدى الهيئات (العليا والدنيا) ولكل وزارة عدد من الوكلاء والمدراء العامين، هذه الزيادة جاءت لإرضاء البعض من اصحاب مشاريع الطوائف والاقليات والاقاليم والفيدراليات، ولو كان هناك تخطيط لكان من الممكن اختزالها ب (15) وزارة وربما اقل.
اما موضوع المحافظات ومجالس المحافظات وهذا مشكلة اخرى تضاف الى بقية المشكل السابقة، فأن بقاء هذه المجالس ورؤسائها ورصد مبالغ ضخمة لهؤلاء (الرؤساء) ينخر في موازنات العراق ويزيد من دمار اقتصاده.
والمشاكل السنوية المفتعلة بين (اقليم كردستان) شمال العراق الحبيب والحكومة الاتحادية، ففي كل عام وعند البدء بالقراءات الاولى للموازنة تطفو على السطح الخلافات في تحديد نسبة الاقليم من الموازنة، والحكومة الاتحادية تطالب ادارة الاقليم بتزويدها بمبالغ النفط والمنافذ الحدودية وتبدأ جولة من الزيارات المتبادلة واخيرا يجلس (صداد مع رداد) ويتفقوا على اعطاء نسبة للإقليم اكثر من النسبة التي طلبها، ويبقى الوضع على ما هو عليه والخاسر الوحيد هو المواطن العراقي العربي والكردي على حد سواء.
فيما ظلت حصة الفرد العراقي من النفط، حبر على ورق، ووصلت معدلات الفقر في العراق اليوم الى نسب مرتفعة وصادمة في بلد نفطي كبير، وتكاثر الكليات الاهلية وتخرج مئات الالاف من طلبتنا الاعزاء دون وجود حل لموضوع التعيينات وبقائهم بلا عمل، والحديث يطول ويتشعب ولا توجد حلول تكتيكية او استراتيجية لهذه المشاكل والمعضلات الشائكة سوى بالتخطيط السليم والانتباه لواقع ومستقبل العراق.
كل هذه الكوارث التي حصلت وتحصل تدل على الفشل في التخطيط ان كان هناك تخطيط؟
واخيرا وليس اخرا عندما كان العراق تحت سلطة الاحتلال العثماني وتحديدا في فصل الصيف اللاهب كان احد الولاة في العراق يتذمر من الحر الشديد فسأل حاشيته لماذا هذا الحر فأجابه احدهم (مولانا هذ الحر مال التمر علمود يلحك التمر) فوقف وفكر قليلا وقال (لا نريد التمر اقطعوا اشجار النخيل لكي نتخلص من هذا الجو الحا)، وهذا ما يفعله اليوم ولاة امرنا يفكرون بإيجاد مشاكل للحلول ولا يحلون المشكلة، ولسان حالنا يقول بتخطيطكم هذا (ضاع الخيط والعصفور)، وهذا هو التخطيط للفشل.