أَلأمَلُ والانْتِظارُ.. وعي المفهوم
نـــــزار حيدر
2015-06-04 01:27
أَسوءُ ما في المصطلحات والمفاهيم هو عندما تتغيّر معانيها وتنقلب مفاهيمها ويتبدّل جوهرها، جهلاً او عمداً، لا فرق.
ولعلّ من اكثر المصطلحات والمفاهيم التي تعرّضت لذلك، ما يتعلق بمولد الأمام (عج) في الخامس عشر من شعبان المعظّم، الا وهما مفهوم الأمل ومفهوم الانتظار.
فبينما يعني الأمل؛
التطلّع الى المستقبل وعدم الالتفات الى الماضي، الا بمقدار ما نستفيد منه خبرة متراكمة وتجربة ودروس، لتوفير الوقت والجهد.
التغيير نحو الأفضل ورفض التكلّس على الواقع المرير، او الاستسلام له بأي حال من الأحوال.
الصبر والمثابرة وتكرار المحاولة، وان لا ندع اليأس يغزو حياتنا.
اذا بالمفهوم تغيّر وتبدّل لدرجة انه فقد معناه بدرجة كبيرة، حتى ظَنَنَّا ان الأمل يعني الحلم الذي لن يتحقق!.
اما الانتظار الذي يعني؛
الاستعداد لاستقبال القادم، أكان زماناً جديداً او شيئاً مختلف.
بذل كلّ الجهد الممكن لتهيئة كل ما هو لازم لهذا الاستعداد، في إطار مفهوم الانتظار الإيجابي.
اذا بالانتظار يعني عندنا الكسل والاتّكالية والسّكون والاستسلام للهزيمة والفشل والتخلف بحجة انّ هناك من سيظهر ويغير الامور فما الداعي، اذن، لنبذل جهداً ما استعداداً للقادم؟!.
اننّي افهم الأمل والانتظار كما افهم مفهوم التحديث المتداول اليوم على صعيد برامج الهواتف النقالة، فكما انه يعني؛
تحسين الخدمة وضرورة تعلّمها ومواكبة تطوّرها ليتسنى لي الاستفادة منها، وهو، التحديث، يعني استيعاب المتغيرات الجديدة والأدوات الحديثة بمرور الزمن، لتحسين الأداء بما ينسجم والتطوّر الهائل والمتسارع، كذلك فان الأمل والانتظار، يعني بذل الجهد اللازم لاستيعاب متطلبات الزمن القادم الذي ننتظرُهُ.
للاسف؛ فانّ مفهوم الانتظار عند الكثير منّا يعني تبرير الفشل والقبول بالأمر الواقع والاستسلام للحال المزرية التي نعيشها، وهو يعني، كذلك، الهروب من التحديات، وكل ذلك بسبب ان إماماً سيظهر ويغيّر ويبدّل كل شيء، فما الداعي للاستعداد؟ وما الداعي للتغيير والإصلاح؟ وما الداعي لحمل هموم التخلّف الذي نعيشه اليوم؟.
انّه سيتحمّل كامل المسؤولية بالنيابة عنّا جميعاً، ولذلك لا داعي للقلق فالمسؤولية تسقط بظهور الأمل!.
لو انّ أحداً اتّصل باحدِنا وأخبره بانه سيزوره بعد يومين، فهل ترانا سنضع يدنا على خدّنا ونجلس على قارعة الطريق او على جانب الرصيف بانتظار الضيف؟ ام اننا سنبذل كل جهدنا لتهيئة كل ما هو لازم لاستقباله؟ مادّياً ومعنوياً.
وتزداد الاستعدادات كلما كان الضيف ذا شأنٍ او اهميّة اكبر.
وكذا الحال لو اننا انتظرنا اختباراً مثلاً او وظيفة او قبولاً او انتقالاً من مرحلة لأخرى او من دار لأخرى.
فلماذا لا ينطبق الامر ذاته على مفهوم الانتظار الحقيقي؟ أولم يرد على لسان رسول الله (ص) قوله {جِهادُ أُمّتي انتظارُ الفرج}؟ الا يعني ذلك ان الانتظار لا يتحقق الا بالجهاد وعلى مختلف الاصعدة، بدءاً بالجهاد الأكبر، جهاد النفس؟!.
تعالوا اولا نعود الى حقيقة المفهوم وجوهر المعنى لنستوعبهُ كما هو لنغيّر طريقة تعاملنا معه.
تعالوا ننشغل بأدوات الانتظار اكثر من انشغالنا برواياته، وننشغل بالتغيير الذاتي اكثر من انشغالنا بتغيير الاخرين، وننشغل بالإعداد والاستعداد اكثر من انشغالنا بعلامات الظهور، وننشغل بالبحث عن الطريق اكثر من انشغالنا بعلاماته، وننشغل بالفعل والانجاز اكثر من انشغالنا بالكلام والإنشاءات والجدال العقيم.
ان واقعنا مريرٌ جداً ومؤلم، بحاجة الى وقفة جادّة لتوظيف المفهوم الحقيقي للأمل والانتظار، والذي يعني رفض الواقع والاجتهاد للتغيير من اجل مستقبل افضل.
ماذا تنفعنا روايات الظهور اذا لم نوظّف مفاهيمها لتغيير واقعنا المؤلم؟.
وماذا ينفعنا البحث في علامات الظهور اذا كانت سبباً لتخديرنا وتثبيط عزائمنا وإطالة امد سباتنا؟ واذا كانت تشكّل لنا شمّاعات نُعلّق عليها فشلنا وتقاعسنا وتخلّفنا وتكاسلنا؟.
ان الأمل تطلُّع نحو الأفضل، وان الانتظار استعداد للتغيير من خلال الأخذ بأدواته وليس بالتنظير الفارغ، ولذلك فانّ ايّ بحثٍ في علامات الظهور وروايات آخر الزمان سيكون جهداً عبثياً اذا لم يحقق هذه المفاهيم الرسالية والحضارية السامية التي شاءت قدرة الله تعالى وارادته ان يولد الامام (عج) ويغيب عن الأنظار بانتظار ظهوره المبارك.
كلُّ انتظار لا يحفّز فينا اسباب التغيير الذاتي انما هو بمثابة خداع للذات، وكل انتظار لا يحرّك فينا روح المسؤولية ومشاعر التصدي للإصلاح والتغيير، انما هو بمثابة تخدير للذات هرباً من الواقع المؤلم، وكلّ املٍ لا يثير فينا كوامن الاندفاع الإيجابي والعزيمة الخلاقة نحو التغيير الحقيقي، انما هو سرابٌ يحسبه الضمآن ماءاً.
فهل نقبل التحدّي بالانتظار الإيجابي الفاعل؟ ام نستسلم للواقع متلفّعين بعباءة الانتظار السلبي الذي يرمي بالمسؤولية على المجهول على طريقة المثل المعروف [ذبها براس العالم واطلع منها سالم!].