أحداث القطيف وسيناريو إسقاط الحكم في السعودية ودخولها مرحلة التقسيم

حمد جاسم محمد

2015-06-03 04:37

لا يمكن أن ينكر أحد أن كل دول الإقليم تتعرض لمخطط التقسيم حاليا، وأن التقسيم يتحرك الآن ويستغل التقسيم الطائفي من أجل الانتشار والتوغل، وتفجير المسجد في مدينة القديح بالسعودية سوف يدخلها في هذه الحلقة، فبعد ان انتشر الإرهاب والمتمثل بالحركات الدينية الإسلامية المرتبطة بالوهابية مثل القاعدة والنصرة وداعش والمدعومة من قبل أمريكا وإسرائيل والممولة من السعودية وقطر في عدة دول عربية ومنها العراق وسوريا وليبيا واليمن، وصل هذا التنظيم الى الدول الداعمة له، فكان انفجار في احد المساجد الشيعية في المنطقة الشرقية من السعودية "القطيف" ذات الأغلبية الشيعية، والذي راح ضحيته العشرات بين شهيد وجريح، اذ تبنى تنظيم داعش الإرهابي هذه العملية، والهدف منها طرد الشيعة من جزيرة العرب – حسب بيان التنظيم-، ورغم ضخامة العملية وتوقيتها، الا انها تعد مؤشر على دخول السعودية في مرحلة التقسيم على اساس مذهبي، خاصة وان تنظيم داعش ذو الافكار المتطرفة والمرتبطة اصلا بالوهابية، اعلن انه يعتزم اقامة خلافة اسلامية وان مكة والمدينة ضمن هذه الدولة بل العاصمة القادمة للدولة الاسلامية المزعومة.

وعلى هذا الطرح، فان الاحداث في شرق السعودية قد تقود الى تقسيم الجزيرة العربية، وخاصة دولة السعودية، فبعد ان كانت الحركات المتطرفة سندا لهذا النظام، انقلبت عليه الان، وهناك من اسباب عدة تقود للتقسيم ومنها:

1- محاولة التنظيم ان تكون مكة والمدينة عاصمة لهم لزيادة شعبية التنظيم، ودعم مشروعهم التوسعي، أن هدف "داعش" الحقيقي هو مكة والمدينة وليس بيت المقدس، وأن خلافتهم لا تقوم بدون الحرمين، الا أن العراقيين منعوا التنظيم من الوصول الى دول الخليج العربية بعد فتوى المرجعية في الجهاد الكفائي ضد التنظيم، خاصة وان التنظيم داعش اعلن عن تعيين ولاة لمكة والمدينة، اذ أعلن أبو عمر التونسي المتحدث باسم " داعش" ان زعيم التنظيم الارهابي "أبو بكر البغدادي" عين أمراء لعدة دول ومناطق في العالم أبرزها المدينة المنورة ومكة المكرمة ونشر التنظيم مقاطع فيديو قالت انها تظهر المئات ممن يبايعون أمير مكة المنصّب من قبل زعيم التنظيم، اذ بعد مدة من تنصيب والي مكة والمدينة ازدادت الأعمال الإرهابية في المملكة العربية السعودية نظرا لهشاشة الأوضاع السياسية الداخلية بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، واخرها انفجار العنود بالدمام والقديح في القطيف ضد الشيعة.

2- سياسة حكم ال سعود الطائفية والاقصائية، لأي من المناصب المؤثرة في الادارة والقرار السياسي، وعدم الاعتراف بالمذهب الشيعي على المستوى الدستوري والقانوني، وتردي حالة حقوق الإنسان، من خلال الاستهداف الممنهج لمؤسسات المجتمع المدني في ظل عدم سن قانون تشريعي لعملها، وعبر اغلاق المؤسسات الحقوقية، والمعاقبة على تأسيسها بالسجن، أيضا تزداد حقوق الإنسان سوءً من خلال سجن المعارضين والنشطاء، أو تهديدهم، التغذية المستمرة لبقية المواطنين والمقيمين بالكراهية والاستنقاص ضد الشيعة، والحث على مقاطعتهم اجتماعيا واقتصاديا، فقد قضت محكمة سعودية على الناشط الحقوقي مخلف الشمري بالسجن سنتين و200 جلدة بسبب (مجالسته للشيعة ومواساته لهم والاجتماع معهم)، كما ألغي في 13/08/2012 من قبل إمارة المنطقة الشرقية، حفل اجتماعي أقامه نشطاء شيعة وسنة للتقريب بين الطائفتين.

لم يكتفي الإعلام الرسمي بتجاهل الشيعة، بل يبث خطاب الكراهية، فهناك مقالات عديدة تحرض ضد الشيعة، وتجرمهم وتكفرهم وتخونهم، فقد صدر في 15 أكتوبر 2014 حكم إعدام على المعارض السياسي ورجل الدين الشيخ نمر النمر الذي كانت له مطالب تتعلق بحقوق الشيعة، كما حكم في 13/08/2014 على رجل الدين الشيعي الشيخ توفيق العامر 8 سنوات بتهم بعضها تتعلق بمطالبه بوضع حد للتمييز ضد الشيعية، الحصر الجغرافي للسكان الشيعة في مناطق محدودة، بل واستنقاص المساحة الجغرافية عبر اقتطاع اجزاء كبيرة ومنحها لمناطق مجاورة تسكنها أغلبية من الطائفة السنية الكريمة، فقد تقلصت مساحة محافظة القطيف ذات الأغلبية الشيعية، والتي تعد أحد أهم مناطق التواجد الشيعي، بواقع 77% من مساحتها الأصلية بعد عمليات ممنهجة، حيث كانت مساحتها 2600 كم2 تقريبا عند تأسيس الدولة السعودية في 1932، فأصبحت لحد اليوم 588 كم2، لتصبح كثافتها السكانية هي الأعلى في السعودية بواقع 878 مواطن لكل كم2 واحد، في وقت يبلغ متوسط الكثافة السكانية في السعودية 15 شخصا لعام 2013، مع ذلك تحرم القطيف من كثير من الخدمات، فرغم أنها تحتوي أكبر حجم طلابي قياسا لسكانها إلا انها تحرم من بناء جامعة رغم المطالب المستمرة من المواطنين، كل هذه الاعمال ولدت نوع من الكراهية بين فئات الشعب السعودي، وجعلتهم ينظرون الى دول الجوار وما يحصل فيها من تطور، ومحاولة الفئات المظلومة من نيل حقوقها باي وسيلة كانت، ومنها حق تقرير المصير، اذ انطلقت عدة مظاهرات في المنطقة الشرقية من السعودية تطالب بالحقوق وبتقرير المصير.

3- لا تزال المؤسستان السياسية والدينية في العربية السعودية تتجنبان الاعتراف رسمياً وإعلاميا بوجود تعدد مذهبي فضلا عن وجود مذهب شيعي في شبه الجزيرة العربية، إنهما تعترفان فقط بالمذهب الحنبلي الذي تحول في السعودية إلى عقيدة وهابية متشددة. فهما تتعمدان إلغاء التنوع المذهبي، وتصرّان على أن تكونا وصيتين على مفاصل الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والدينية، فحريات وحقوق المواطنين الشيعة وتحديدا في المناطق غير النجدية مرهونة بفهم هاتين المؤسستين لهذه الحريات والحقوق. وهؤلاء المواطنون لا يملكون حرياتهم ولا قراراتهم التي تمليها عليهم احتياجاتهم كمواطنين لهم خصوصياتهم الاجتماعية والدينية والثقافية في مناطقهم، وعادة ما تلجأ هاتان المؤسستان إلى الخطاب المؤسلم لقمع المنادين بالحرية والتعددية من جميع الأطياف الدينية والسياسية في البلاد.

أما الشرع والأنظمة فاختص بفهمها وتحديد حدودها مشايخ الوهابية الدينين والأمراء السعوديين في نجد وما عدا هذا الفهم وهذا التحديد يعد خرقاً وخروجاً عن الشرع والأنظمة، والمادة السادسة عشر والحادية والعشرون والثامنة والثلاثون من نظام المناطق، تجيز بطريقة غير مباشرة للمؤسسة السياسية والدينية السعوديتين النجديتين التدخل في الخصوصيات والحريات والخيارات الثقافية والدينية والاجتماعية في حياة المواطنين في مناطقهم متجاهلتين في الوقت نفسه الاعتراف بهذه الخصوصيات والحريات والخيارات، وتسمح المؤسسة السياسية للسلطة الدينية وبشكل علني وإعلامي بمهاجمة الاعتقادات المذهبية الأخرى بطرق مختلفة، كالسماح بفتاوى تكفير الشيعة وإباحة قتلهم. فالشيخ الجبرين يفتي بأنه “. لا يحل ذبح الرافضي ولا أكل ذبيحته فإن الرافضة غالبا مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائماً في الشدة والرخاء حتى في عرفات والسعي ويدعون أبناءه وأئمتهم. وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها." والجبرين من غلاة المتطرفين الإسلاميين السعوديين لم يتراجع عن آرائه المتطرفة حيال عقائد المواطنين الشيعة، وتجد المؤسسة الدينية السعودية في أمثال الجبرين ملاذها الروحي وسندها المعنوي لمواقفها المتشددة إزاء الشيعة وبقية المذاهب والفرق الإسلامية، كذلك عدم السماح ببناء مساجد للشيعة في بعض الاماكن مثل الرياض وجدة والمدينة المنورة والدمام والخبر والهفوف.

ان المشكلة اليوم في السعودية ليست متعلقة بالمجتمع، حيث طالب المواطنين السنة والشيعة بإصدار قانون يجرم التحريض والكراهية، لكن الدولة لم تصدر لحد الآن قرارا يمنح الأقلية الشيعية أهلية وطنية كاملة، وينعكس على وضع الشيعة في الأجهزة الدينية والتربوية والتعليمية والأمنية والاقتصادية التي تحكمها الدولة، هذا يؤدي بالنتيجة الى قيام الفرقة بين الشعب، وجعل الشيعة فئة مستهدفة دائما، اذ ان نظرة السعوديين للشيعة هي نظرة دونية واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية بينما هم اصل هذه المنطقة حتى قبل ان يستلم ال سعود الحكم، وبهذا سوف يتجه الشيعة اجلا ام عاجلا وبدعم من بعض السعوديين الناقمين على النظام السياسي، وبعض دول الاقليم الى المطالبة بحقوقهم ولو بالقوة، وهو ما بدأت بوادره الان.

4- حدوث خلافات بين الوهابية والحكم السعودي، اذ ان دعم المملكة للحركات المتطرفة مثل القاعدة منذ ثمانينات القرن الماضي، وبعدها النصرة وداعش والتي سوف تنقلب عليها، فالسعودية مضطرة، بسبب الضغوط الدولية غداة أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، إلى إشهار الحرب على الجهاديين في المنطقة (النصرة، داعش، السلفيين المتطرفين. ألخ) الذين ينتمون إلى الجذور الوهابية نفسها للإسلام السعودي، لكنه في المقابل يجد صعوبة فائقة في مواجهة أصول هذه الجذور في الداخل المتمثلة في المؤسسة الدينية الوهابية التي تنشر المبادئ (الداعشية) نفسها، وفي المقابل، لم يستطع الإسلام السعودي التعايش مع فكرة وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وبقية الدول العربية، لأنه اعتبر أن مشروع الإسلام السياسي الخاص بهذه الجماعة يذهب بعيدا في عملية تزويج الإسلام إلى الديمقراطية على حساب مبدـأ "إطاعة أولي الأمر"، وهذه مسألة لم تستطع بعض أجنحة الأسرة المتصلبة ابتلاعها، الحل الذي خرجت به النخبة الحاكمة لهذا التخبط، إضافة إلى نثر عشرات مليارات الدولارات في الداخل والخارج لشراء الولاء، كان إعلان "الجهاد على الجهاديين" في الخارج، والقيام ببعض الاصلاحات في الداخل (مجلس الشورى، توسيع دور المرأة، تعديل مناهج التعليم.. الخ).

لكنها إصلاحات لم تمس في الواقع شعرة واحدة من نفوذ السلطة الدينية الوهابية، بيد أن هذا الحل سيُثبت أنه مؤقت من بعض الأوجه، وخطر من كل الأوجه: فهو لن يُرضي القوى الدولية التي عاد الإرهاب الأصولي يطرق أبوابها وسيدفعها إلى استئناف الضغوط على المملكة لضرب جذوره الفكرية والتربوية في مؤسساتها؛ وهو سيُغضب بعض الشباب السعودي الذي يرى التناقض واضحاً بين تربيته الوهابية وبين دعوته إلى مقاتلة أشباهه في المذهب من "داعش" وجهاديين شتى، وهذه المعضلة، بالمناسبة، هي التي خلقت في ظروف مشابهة أزمة الهوية الطاحنة لدى أسامة بن لادن، وحوّلته من رجل أعمال ينتمي إلى الدولة السعودية، إلى رجل حروب يقاتل باسم "الثورة الوهابية"، حتى ان تنظيم داعش اعلن فرحته بموت ملك السعودية، وان حكام السعودية هم كفرة وصليبيين، كما اعلنت وزارة الداخلية السعودية "أن تنظيم "داعش" يسعى الى تقسيم المملكة إلى خمس مقاطعات، وأن هذا التنظيم الإرهابي يهدف الى زرع الفتنة في المملكة".

5- المؤامرة الامريكية، لذا فأية آراء ترفض نظرية المؤامرة الامريكية التي تقضى بتقسيم الدول العربية هي آراء مردود عليها من الواقع الذى يحدث على الأرض الآن، ولعل ما حدث في العراق من تحطيم الجيش العراقي، وبدء مطالب انفصال أجزاء من العراق للشيعة والسنة والأكراد، وكذلك الحرب السورية الأخيرة لهى خير دليل على صدق الأطماع الأمريكية الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط والتي تستعد لالتهام دول المنطقة واحدة بعد الأخرى بدءاً من العراق الذى تم تمزيقه مروراً بسوريا الجاري تمزيقها حالياً، وصولاً الى دول عربية أخرى يجرى الإعداد لتقطيعها وفقاً للمنظومة الأمريكية الجديدة، اذ في عام 1983 وافق الكونغرس الامريكي بالأجماع في جلسة سرية علي مشروع "برنارد لويس" وهو أمريكي يهودي من أصل بريطاني وضع مشروعاً جديداً تستطيع أمريكا من خلاله تعديل حدود اتفاقية سايكس بيكو التي أبرمت عام 1916، ويقضى هذا المشروع بتفكيك البنية الداخلية لكل الدول العربية والإسلامية على أسس دينية ومذهبية لتتحول بعدها إلى مجموعة من الدويلات لتتناحر فيما بينها حتى تصل الى التدمير الشامل دون تدخل عسكري من الدول الكبرى، وهو ما حدث بالفعل في العراق وسوريا وليبيا، ونلاحظ ذلك واضحا من خلال خريطة تم تسريبها أن منطقة الشرق الأوسط يعاد تقسيمها من جديد، والغريب ان تلك الخريطة تم رسمها نهاية السبعينيات وهذا يؤكد ما قلناه سابقاً أن التخطيط الأمريكي الصهيوني للمنطقة يتم على مراحل زمنية لا تتعدى 30 عاماً.

ونلاحظ أيضاً ان الخريطة توضح تقسيم سوريا والعراق الى مناطق للسنة ومناطق أخرى للشيعة والأكراد وهو ما يحدث على الأرض بالفعل حاليا، ويخطئ من يعتقد أن السعودية يمكن أن تتعرض لهجوم مباشر من قوى خارجية، بل على العكس سوف تظهر القوى الكبرى بمظهر المساند لوحدة الشعب السعودي، وكما قلنا من قبل، خلخلة الدول تتم عبر خطة طويلة الأجل تمتد إلى 30 عاماً، ويمكن أن يتم إحداث بعض الاضطرابات في المملكة وفق السيناريو التالي:

تحاول القيادات الأمريكية فتح قنوات اتصال بالصف الثاني والثالث من العائلة المالكة السعودية بعيداً عن القيادات، لتصبح هناك علاقات يمكن أن تستثمر بعد 10 سنوات من الآن، فالأمريكيون بعد ما حدث في إيران أصبحوا يفتحون قنوات اتصال مع الجميع، ويحاولون اللعب على كل الحبال، فإذا لم تتفق العائلة المالكة على ملك جديد، هنا يبرز دور الثعلب الأمريكي الذى يدق الأسافين في أي مكان بالعالم تبعاً لمصلحة إسرائيل قبل مصلحته، من المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة فزّاعة إيران مثلما حدث في البحرين من مظاهرات الشيعة لتحدث اضطرابات في المدن الشرقية من المملكة وفى نفس الوقت تنتهز فرصة موسم الحج لعمل اضطرابات تنتهى بمصادمات، وساعتها سوف نجد أصوات تطالب بعدم أحقية السعودية منفردة بإدارة المقدسات الإسلامية، وتلك الأصوات سوف تصدر من دول إسلامية على رأسها تركيا وممولة من إسرائيل من الباطن لكى تصبح تلك المقدسات تحت إشراف هيئة دينية يتم تشكيلها من الدول الإسلامية لتصبح مكة والمدينة مدينتان مقدستان منزوعتان السلاح مثل الفاتيكان تماماً، وبالطبع هذا السيناريو سوف يرفضه الكثيرون، الا أن الواقع يؤكد حدوثه خلال الفترة بين عام 2018 وعام 2025.

هناك جيشاً أخر يخدم الولايات المتحدة من المغيبين وهم تنظيم القاعدة الذى يمكن إغرائه عن طريق أئمة الضلال الذين يمكن ان يكررون ما حدث في سوريا من إتهام السعودية بعدم تطبيق الشريعة ومحاربة الإسلام بعد الإجراءات السعودية الأخيرة ضد الإخوان الذين كانت تنوى امريكا استخدامهم في إسقاط انظمة الخليج، وساعتها سوف يتم خلق بؤرة للقاعدة داخل الأراضي السعودية التي تتمتع بمساحة هائلة يمكن أن تغرى عناصر القاعدة بمحاولة السيطرة عليها لتحويل بلد المقدسات الإسلامية إلى دولة الخلافة المزعومة، وتلك الفكرة تحديداً يمكن ان ترعاها الولايات المتحدة بعد التقارب المصري السعودي مع روسيا مؤخراً، لتبقى هي بعيداً عن الصورة، وتعمل القاعدة على تفكيك المملكة من الداخل، وما يجعل هذا السيناريو قابلاً للحدوث هو وجود موالين للقاعدة بكثرة داخل السعودية نفسها، وإذا استخدمت المملكة العنف ضدهم، فالسيناريو السوري جاهز للتطبيق.

6- توريط السعودية في حرب اليمن، اذ ان التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن قد يشتت انتباه النظام عن المخاطر الداخلية للنظام، واستنزاف قدراته ومن ثم سهولة الانقضاض عليه من قبل الحركات الاسلامية المتطرفة، ومنها داعش، وبدأت امريكا مخططها مع السعودية بتعزيز الحوثيين في اليمن اولا، ثم توريط السعودية بحرب طويلة في اليمن ثانيا، مع علمها ان السعودية لن تنتصر فيها، وسوف تقود في النهاية الى إنهاك قوتها، لتجعل سيطرة داعش، او قيام حركات تمرد ضد الحكم ممكنة.

7- تجارة شركات السلاح، اذ كشف كتاب " التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي " الذي أصدره معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمية "سيبري" نهاية عام 2014 أن حجم الانفاق العسكري على السلاح في العالم وصل إلى 1748 مليار دولار، وفى الشرق الأوسط وحدها وصل إلى 150 مليار دولار، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى من حيث التصدير " البيع " للأسلحة، وأكد الكتاب أن اثنين من دول الشرق الأوسط تحتل المرتبتين الرابعة والخامسة بعد الهند والصين وباكستان، من حيث استيراد الأسلحة هما السعودية والإمارات، وجاء بالكتاب أن أكبر 10 شركات منتجة للأسلحة في العالم هي من الشركات الأمريكية التي تسيطر على نحو 80% من قائمة الـ 100 شركة الأكثر مبيعًا للسلاح في العالم، وذلك في تقرير نشرته صحيفة الجارديان، وتحتل حتى الآن المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة، إذ تقدر عمليات نقل الأسلحة التقليدية منها 30% من إجمالي قيمة صادرات الأسلحة في العالم، وقد أشارت دراسة أجراها معهد الدراسة السياسية الأمريكي لتورط رؤساء أمريكيين في الحصول على عمولات مالية من تلك الشركات الكبرى، في المقابل، تستورد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللّتان ترزحان تحت وطأة الإرهاب والانقسامات والحروب الطائفية والأهلية نسبة 17%، حيث تمّ إنفاق 91 مليار دولار على شراء السلاح خلال العام 2013/2014، وهو مبلغ مرشح لأن يصل إلى 119 مليار دولار خلال العام 2014 / 2015، رغم أنّ هذا السلاح لا يذهب كله إلى الجيوش.

وتمّ إغراق عشرات الجيوش والجماعات والحركات في كلّ من العراق واليمن وسوريا وليبيا وجنوب السودان والجزائر وغيرها بهذه الأدوات المدمّرة، وبهذا فان شركات السلاح العالمية واغلبها امريكية، تسعى الى زيادة مبيعاتها الى الشرق الاوسط كبؤرة للصراع وسوق رائجة للأسلحة، من هنا نستطيع فهم أهمية تكديس السعودية وقطر للأسلحة على أراضيهما منذ فترة طويلة من الزمن والتي سينقض عليها "داعش" في لحظة ما نظرية لتشكل قوة ضاربة تحارب بها إيران ومحور المقاومة ولأنّ "داعش" عالمي، وهذا ما روجوا له بأن ظهر داعشيون بريطانيون وألمان وفرنسيون، سنجد بينهم الطيارين ورماة الصواريخ عبر مجموعات مدربة بعناية متسللة إلى صفوف "داعش" وخاصة بعد تعيين أمراء لمكة ولبعض دول الخليج من قبل البغدادي، وبعد تحذير السيد حسن نصر الله حكام الخليج وحقيقة الأمر أنّ الخطاب كان موجهاً إلى الشعوب الخليجية بأنّ الهدف النهائي لـ"داعش" هو مكة والمدينة، أي بعبارة أوضح قيام دولة "إسرائيل" الكبرى التي لم تعد خافية على أحد في حلمها التلمودي المعلن اعتماداً على "داعش" والحلول مكانه بعد أن يستفحل شره ويستبيح دول المنطقة، وخصوصاً السعودية بعد أن حصل على امتداد جغرافي ما بين النهرين وظهر في سيناء.

8- ان الفكر الوهابي المتطرف -وان كان هناك نوع من العلاقة بينه وبين الحكم السعودي في بدايته- لابد ان يصل الى مرحلة تتقاطع في مصالحه مع مصالح الحكم السعودي خاصة وان المملكة بعد احداث ايلول 2001، التي نفذها عدد من السعوديين من اتباع الوهابية، بدأت بالتضييق على الحركات الوهابية المتطرفة، ومحاولة اصلاح التعليم الديني في المملكة، بعد الانتقاد الامريكي بل والمطالبة بإصلاح مناهج التعليم في المملكة والدول العربية عامة، ولهذا فان الجماعات الوهابية المتشددة رات في هذه المحاولات من قبل الحكم السعودي خيانة لها، ولدورها في دعمها لهم في بداية تأسيس المملكة، لذلك خرج جناح متشدد من الوهابية السلفية وهو تنظيم داعش، الذي اعلن فرحته بموت الملك عبدالله، وانه سوف يسقط حكم ال سعود.

9- ان انفجار القطيف هو محاولة من تنظيم داعش لجس نبض الشارع السعودي، ومدى تقبل هذا الشارع لا فكار واراء التنظيم، كذلك اعطاء زخم ومعنويات لأنصاره داخل السعودية، للاستمرار بعمله، وانه له الامكانيات لزعزعة الحكم السعودي.

اذا ارادت السعودية تجنب هذا المستقبل المرسوم لها، فأن الحل يكمن في مشاركة الحكم والسلطة وإعطاء أبناء الطائفة الشيعية وبقية الأقليات في البلاد حقوقها العادلة، ووضع آليات وتبني سياسات تعزز روح المواطنة وتشيع الاحترام بين طبقات المجتمع وتمنع تجاوز مواطن على آخر دون عقاب، ومحاربة الإرهاب الفكري وان يبدا بتربية وسلوك وتوجيه للنشء يبدأ من التعليم/ابتداء من الروضة وحتى الدراسات الجامعية، ويجب تحديث وتعديل المناهج الدينية والتعليمية بما يتناسب ومحاربة التطرف، وإعادة توجيه الخطاب الديني بما يتناسب مع كل التوجهات الدينية وعدم التمييز بين المذاهب، ومسؤولية رجال الدين في الحث على التسامح والتواصل وليس على التطرف الديني، كذلك توجيه الاعلام بكل وسائله مثل "التلفزة والراديو والصحف والمنشورات" في السعودية، لان الاعلام هو الأهم، فالكلمة ممكن ان يكون تأثيرها أكثر من المال والسلاح، فيجب توجيه الاعلام بما يتناسب ومحاربة التطرف والتمييز بين المواطنين.

خلاصة القول، على قيادات دول الخليج عامة والسعودية خاصة مراجعة سياساتها حيال العالم العربي، فما وعدوا به الأمة لم يتحقق، و ما كنا نحذر منه نراه اليوم شاخصا؛ مساعدة الإرهابيين في سوريا والعراق وليبيا، والغارات الجوية على اليمن لن تحقق بطبيعتها شيئا مما تعلنه السعودية، سوى مزيدا من صور الضحايا و الخراب التي ترفع مستوى غضب الشارع العربي والغربي، وكلما مدّد هذا العدوان مراهنة على وقوع معجزة ما، يصب ذلك في مصلحة من اعتبرتهم السعودية العدو الأول، ونخشى أن تكون تداعياته أكثر بكثير مما نتوقعه، وسوف يرتد عليها عاجلا ام اجلا.

* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
www.fcdrs.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي