الرواتب والعدالة الاجتماعية

زينب فخري

2020-06-07 07:49

ما إن وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي‮ ‬بمعالجة ازدواج الرواتب والرواتب التقاعدية لمحتجزي‮ ‬رفحاء وفئة أخرى‮ ‬غيرهم؛ كإجراء إصلاحي‮ ‬يحقق العدالة الاجتماعية،‮ ‬حتى انطلقت بيانات المنتفعين منددة ومستنكرة هذا الإجراء،‮ ‬فيما ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي‮ ‬بجدال ونقاش بين مؤيد ومعارض‮.‬

ولنقف عند تلك الفئات،‮ ‬ونفصل فيها القول لمعرفة حقيقة مظلوميتهم من عدمها‮:‬‮ ‬بالنسبة إلى مزدوجي‮ ‬الرواتب من عوائل الشهداء،‮ ‬فنحن لا ننكر تضحياتهم ودماءهم الزكية لكن ممَّا لا شكّ‮ ‬فيه أنَّ‮ ‬بعضهم‮ ‬يتقاضى رواتب تقاعدية أخرى عالية،‮ ‬وبعضهم الآخر من ميسوري‮ ‬الحال،‮ ‬بل إنَّ‮ ‬بعض الشهداء ممَّن‮ ‬يعود زمن استشهاده إلى النظام السابق‮ (‬في‮ ‬الثمانينات وربما قبلها‮) ‬لم‮ ‬يعدّ‮ ‬لديه أولاد قاصرين بل ربما‮ ‬غادرنا الأب والأم وليس هم المستفيدين من راتبه الآن‮.‬

لذا وضع سقف زمني‮ ‬لتلك الرواتب وتقييدها بمحددات معينة‮ ‬يحل الاشكالية هذه،‮ ‬وبالتأكيد ليس منصفاً‮ ‬مقارنة امتيازات هذه الفئة طوال هذه السنوات بتلك التي‮ ‬يتقاضها ذوو من استشهد في‮ ‬الحرب مع داعش أو ضحايا الإرهاب الذين لم تمض عليهم ربما سنة واحدة‮.‬

ولا‮ ‬يعقل أن تستمر كلّ‮ ‬تلك الاستحقاقات والتعويضات والمنح طوال هذه الفترة ويرفضون رفضاً‮ ‬قاطعاً‮ ‬المساس بها‮. ‬والمفارقة أنهم‮ ‬يتباكون على الشهداء وأبنائهم القاصرين من جهة وعلى البلد وأزمته الاقتصادية من جهة أخرى؟ّ‮ ‬متناسين أن رواتبهم وتعويضاتهم هي‮ ‬أحدى أسباب ارهاق الميزانية،‮ ‬فأين مظلوميتهم؟‮!‬

أما رواتب رفحاء فهي‮ ‬تتطلب إعادة نظر بلا شكّ،‮ ‬فأغلبهم استلم تعويضات عظيمة في‮ ‬الفترة الماضية،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية فضلاً‮ ‬عن ان بعضهم‮ ‬يعيش منذ زمن بعيد في‮ ‬الخارج،‮ ‬ولا‮ ‬يستبعد أنهم‮ ‬يستلمون اعانات من دول المهجر،‮ ‬ولا نريد أن ندقق بقانونية استحقاقهم ونكرر ما قاله الخبير القانوني‮ ‬طارق حرب أن كلمة‮ "‬المحتجزين‮" ‬لا تنطبق عليهم،‮ ‬فهم كانوا في‮ ‬مخيم للاجئين العراقيين في‮ ‬السعودية،‮ ‬أي‮ ‬كانوا ضيوفاً‮ ‬في‮ ‬السعودية وليس سجناء أو معتقلين،‮ ‬ومن السعودية‮ ‬غادروا إلى دول العالم المختلفة وحسب اختيارهم،‮ ‬ومازال بعضهم هناك‮!‬

فأين مظلوميتهم؟‮! ‬ألا‮ ‬يكفي‮ ‬التعويضات والمنح المستلمة؟ّ‮!‬

والأمر نفسه‮ ‬ينطبق على السجناء السياسيين،‮ ‬لا ننكر أنَّ‮ ‬بعضهم‮ ‬تعرض للسجن ولاقى ألوان شتى من التعذيب والتنكيل،‮ ‬لكن التعويضات والمنح التي‮ ‬استلمت في‮ ‬الفترة السابقة تعدّ‮ ‬كافية،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية،‮ ‬ولا أريد أن أدخل في‮ ‬تفاصيل أحقية بعضهم،‮ ‬ممَّن‮ ‬يدعي‮ ‬أنهم من السجناء السياسيين،‮ ‬فالفوضى في‮ ‬العراق جعلت كلّ‮ ‬من دخل السجن في‮ ‬زمن النظام السابق ولفترة قصيرة جداً،‮ ‬يستحق امتيازات السجين السياسي‮ ‬حتى لو لم‮ ‬يكن معارضاً‮ ‬سياسياً‮ ‬بل ليس من السياسيين لا من قريب ولا من بعيد،‮ ‬فأين التجني‮ ‬والظلم وموجبات الاستنكار والتنديد؟‮!!

الأمر الآخر وهو شامل للفئات أعلاه والقائلين بعدم قانونية ودستورية إجراء أي‮ ‬ايقاف للرواتب،‮ ‬أكرر ما قاله بعض الخبراء القانونيين أنَّ‮ ‬في‮ ‬الدستور الكثير من المواد المبهمة القابلة لعدَّة تفسيرات،‮ ‬لكن من المعروف في‮ ‬كلّ‮ ‬دول العالم أنَّ‮ ‬هذه التعويضات تمنح في‮ ‬الفترة الانتقالية كعدالة انتقالية،‮ ‬هذا من جهة،‮ ‬ومن جهة اخرى هل الاستقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين أمر قانوني‮ ‬ودستوري؟ إذن لماذا تعدونه أمراً‮ ‬لا بد منه وتتضامنون مع الحكومة كإجراء للخروج من الأزمة فيما ترفضون المساس برواتبكم كحل للخلاص من عنق الزجاجة‮!‬

ومن هنا‮ ‬يجب على الناشطين والحقوقيين والإعلاميين التحرك للضغط على مجلس النواب لتشريع قوانين عادلة تحقق العدالة الاجتماعية وتضع مدد زمنية ومحددات لتلك التعويضات ولا تترك المدة مفتوحة ومستمرة‮. ‬ونأمل أن‮ ‬يكون السادة النواب بمستوى ما‮ ‬يمرّ‮ ‬به‮ ‬الشعب العراقي‮ ‬من أزمة مالية ويتخذوا خطوات جادة ورصينة لمعالجة هذا الخلل الذي‮ ‬تسبب بحساسية بين طبقات المجتمع بل ولد مظلومية لطبقات المجتمع الأخرى‮.‬

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

أزمة البرود الجنسي: أسبابها وحلولهاالخطاب السياسي الإسلامي في العراق.. اضاءات في طريق التجديددفاع عن المثقفكيف أصبحت جامعة كولومبيا بؤرة للاحتجاجات في الجامعات العالمية؟الدولة من الريع الاستهلاكي الى الاستثمار الانتاجي