الخلل الديمقراطي في الولايات المتحدة
محمد عبد الجبار الشبوط
2020-06-07 07:20
أثارت حادثة مقتل المواطن الاميركي الاسود جورج فلويد على يد شرطي اميركي ابيض ردود فعل عارمة في الولايات المتحدة ومناطق اخرى من العالم مما يعرفه القراء، عبرت ردود الفعل الاميركية بالغضب ضد سياسة التمييز العنصري، وضد سياسات الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لكنها لم تتضمن المطالبة باسقاط النظام ولا تغيير الرئيس، لان الاميركيين متفقون على خيار النظام السياسي القائم (الديمقراطي، الاتحادي، الرأسمالي)، ولانهم يعرفون ان بامكانهم تغيير الرئيس في الانتخابات القادمة وانتخاب بايدن خلفا له.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/ ايبسوس، ونشر يوم الثلاثاء، أن غالبية الأمريكيين يتعاطفون مع الاحتجاجات في أنحاء البلاد بشأن مقتل فلويد، وانهم يعارضون رد ترامب على التظاهرات الاحتجاجية.
ووجد الاستطلاع أن 64٪ من البالغين الأمريكيين "متعاطفون مع الأشخاص الذين يحتجون في الوقت الحالي" ، بينما قال 27٪ أنهم ليسوا كذلك و 9٪ غير متأكدين.
وأظهر الاستطلاع أن أكثر من 55٪ من الأمريكيين قالوا إنهم يرفضون طريقة تعامل ترامب مع الاحتجاجات ، بما في ذلك 40٪ ممن رفضوا "بشدة" ، بينما قال الثلث فقط أنهم وافقوا - أقل من إجمالي قبول وظيفته البالغ 39٪.
لكن بعض ردود الفعل العراقية سارت باتجاه اخر حسبما تابعته في التعليقات في الفيسبوك. فقد كتب احد المعلقين قائلا: "الديمقراطية تحتوي ثغرات قاتلة. سبق وان اوصلت هتلر وكذلك ترامب. اما في العراق فأمر اسوأ بكثير. الديمقراطية تحتاج بنية تحتية ثقافية ووعي وثقافة عالية ومتجذرة وعدالة اجتماعية.. توثق وتراقب ضمن عقد اجتماعي. الديمقراطية جميلة جدا وهي افضل ماتوصل اليه العقل البشري لادارة حياته الا انه وللأسف لم تنجح في العراق لحد الان".
وقال معلق اخر: "بل هذا هو النتيجة الحتمية للنظام الديمقراطي.. الذي لم يستند الا على المصلحة الذاتية.. دون ان يحصن نفسه برؤيا اخلاقية.. فاصبح مطية راس المال الجشع.. الذي ساقها كيفما كانت مصالحه الذاتية...! فما تراب الا رئيس منتخب.. وما يجري الا دليل حي على ان رأي الاغلبية.. لا يعني بالضرورة هو الحل والخلاص...!!".
ويتضح من هذا ان المعلقين يربطون بين ما يجري في الولايات المتحدة وبين الديمقراطية، ويتصورون ان ما يجري الان يمثل خللا في الديمقراطية. والحقيقة ان الخلل هو في الولايات المتحدة نفسها، حيث تم تصنيفها في "مؤشر الديمقراطية لعام ٢٠١٩" بانها "ديمقراطية معيبة او ذات خلل"، وجاءت في المرتبة ٢٥ ضمن دول العالم.
وهذا يعني ان الولايات المتحدة لم تعد هي المثال او التطبيق النموذجي للديمقراطية، رغم انها تحتوي على درجات اخرى من شروط ومقومات الدولة الحضارية الحديثة. لكن انتخاب ترامب جسد ثلمة كبيرة في الديمقراطية الاميركية يصح معها القول بان ما يجري في الولايات المتحدة هو من نتائج صعود اليمين الشعبوي العنصري المتطرف المسمى بالديمقراطية غير الليبرالية. هناك حالات مماثلة في دول اخرى.
وليس هذا بالامر المفاجئ. فقد حذر الكاتب الاميركي المعروف فريد زكريا من المضاعفات السلبية لذلك في مقال رئيسي طويل نشرته مجلة "فورين افيرز" في عددها الصادر في شتاء عام ١٩٩٧. وحمل المقال عنوان "صعود الديمقراطية غير الليبرالية"، وهي عبارة عن نمط من الديمقراطية لا يملك منها سوى الانتخابات التي يمكن ان تجرى في اطار شعارات ومضامين شعبوية وعنصرية متطرفة تستهدف الوصول الى السلطة لتطبيق سياساتها غير الديمقراطية. وتتنكر لكل اسس ومعايير الديمقراطية السليمة. وقد تحققت نبوءة زكريا بنجاح التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وانتخاب ترامب ووصول عدد من الزعماء الشعبويين الى السلطة في بعض دول الاتحاد الاوروبي عن طريق الانتخابات.
ومنذ ذلك الحين استمر منظرو الديمقراطية في الولايات المتحدة، وخاصة كتاب مجلة "الديمقراطية" من التحذير من النتائج الكارثية لصعود هذا النمط المشوه للديمقراطية، حتى انفجرت الاوضاع في الولايات المتحدة بالشكل الراهن.