شباب تشرين من ساحات التظاهر الى مقاعد الحكم
مصطفى ملا هذال
2020-06-02 07:27
الشباب هم من تحمل المخاطر ولبسوا الأكفان وتصدوا لمهمة الدفاع عن الأوطان وارجاع الحقوق المسلوبة، غير آبيهن بما سيؤل اليه مصيرهم، ولم يكترثوا لحجم الدمار الذي لحق بهم او سيلحق في الأيام القادمة، فهم ركبوا المنايا مواجهين الموت برحابة صدر وشجاعة.
هؤلاء المشاركين في الحراك الشعبي وحرصا على إكمال دورهم في تتبع الخلل الذي يحيط بالمنظومة السياسية تولدت لديهم فكرة الدخول في العملية السياسية بشكل مباشر من اجل المشاركة في صنع القرارات الضرورية والصحية التي في حال تم اقرارها تعمل على تخليص البلد من سطوة القرار الجماعي الذي تصدره الكتل السياسية وفقا لما تتطلع اليه ويلبي رغبتها.
ان الخروج بفكرة موحدة وناجحة بعد انتهاء هذه الحوارات يعطي مؤشر إيجابي عن انتقال الوعي الفردي في البلد الى مرحلة مهمة جدا، ما يعني الذهاب بعيدا عن عباءة الأحزاب المتنفذة بالعملية السياسية، منذ تغير نظام الحكم قبل سبعة عشر عام.
ولم تأتي هذه الحركات الشبابية اُكلها الا بعد ان خاضت تجارب احتجاجية عديدة من أهمها، ما اطلق عليه الربيع العربي، وآخرها الاحتجاجات التي أدت الى سقوط بعض الحكومات واستقالة اخرى ومثال ذلك حكومة السيد عادل عبد المهدي التي اُجبرت على الرضوخ لمطالب الشعب والتنحي جانبا حقنا لأرواح الشباب المنتفض.
ان مايميز الثورات الشبابية هو العفوية التي تتمتع بها وخلوها من -ولو بشكل نسبي- من تأثيرات الأحزاب السياسية المشاركة بإدارة مرافق البلد منذ أعوام، وهذا عدم التخطيط نابع من افتقاد المظاهرات الاخيرة في العراق الى قيادة حقيقة، امر فسح المجال امام بعض الجهات التي تريد أضعاف قوتها ونفوذها لوصمها بشتى الصفات السيئة.
لكن هنالك ثمة تخطيط بانت ملامحه ونية واضحة لوضع موطئ قدم في السلطة التشريعية القادمة، لتصويب الأخطاء قبل فوات الأوان والوصول الى مرحلة الكي التي لا نريد الوصول اليها بأي شكل من الأشكال، فلا يزال هنالك متسع من الوقت وتوجد الإمكانيات لأحداث التغييرات المفيدة لشرائح المجتمع كافة.
ان انخراط شريحة الشباب في العملية السياسية له مزايا متعددة ومآخذ كثيرة، فمن مزاياه ان اغلب الشباب المشاركين في الحراك الشعبي اصبحوا لا يؤمنون بالأفكار التقليدية التي تحملها الأحزاب في فكرها وتحاول تجسيدها في عملية إدارة مؤسسات الدولة.
فالشباب اليوم اصبح يتطلع الى مزيد من الحرية وكسر القوالب القديمة التي لم تثبت قدرتها على تخطي الأزمات باستخدام الحلول المفيدة والفلسفات السياسية الواضحة، فهم خرجوا بعد ان عرفوا حقا لا جدوى من مواصلة المسير بهذا الاتجاه مالم تكن لهم وقفة حقيقة وجادة في إيقاف العشوائية والذهاب صوب التنظيم بشكل ادق وأعمق.
الا ان ما يؤخذ على الحركات الشعبية وتحديدا الشبابية هو افتقارها الى برامج سياسية ذات خطوط عريضة تعمل على تنفيذها كبرامج خاصة بها، تستطيع من خلالها كسب ثقة الجماهير الأخرى التي لم تخرج للحراك المدني منذ اندلاعه.
وفي هذه الحالة سيعود شعور اليأس من إصلاح الوضع القائم الى نفوس المراقبين والمتأملين في ان تدور رحى التجديد وتطحن الأفكار البالية التي لم تصمد طويلا امام نقمة الجمهور الذي فقد ابسط مقومات العيش البسيط، بعيدا عن حياة الرفاهية التي يحلم بها منذ بزوغ شمس الحرية وأفول ملامح النظام المستبد.
التجربة العراقية وانخراط الشباب في العملية السياسية، قد تؤدي الى الفشل وربما يكون النجاح حليفها، اذ لا يزال قادة هذه الاحتجاجات متبعين الطريقة الثورية في إدارة الصراع مع السلطات الحاكمة ولم ينجحوا في إيضاح رؤاهم التي سيعملون عليها في عملية الإصلاح المستهدفة للقطاع السياسي والصناعي والاقتصادي.
بعض الثورات تندلع بشكل غير محسوب، فهي عبارة عن كتلة نار تتدحرج الى الشارع وتاخذ بالتهام من يأتي في طريقها، فشرارة الاحتجاجات بالعراق أوقدها حملة الشهادات العليا ومن ثم تصاعدت وصولا لاسقاط الحكومة.
هذه الحركة لن تنجح في احداث التغيير الجذري للنظم القائمة، والمنظومات المترهلة؛ ما لم تتمكن من التنظيم الصحيح وإيجاد القيادة والفكر القادر على إنتاج الرؤى والتصورات والبرامج وخطط العمل.
الوقت يمضي سريعا ولم يبقى امام الجموع المنتفضة سوى العمل بجدية اكثر وتركيز عال، من اجل انبثاق حركة سياسية شبابية، تحمل في جعبتها الأفكار والحلول الناجحة والملائمة لتطلعات الجمهور، واذا لم تتوفر هذه المواصفات في المولود الجديد فانه سيلحق بركب الأحزاب الكبيرة الفاسدة ولم يستطع الاستحواذ على قلوب العامة من ابناء الشعب.