الحشد الشعبي.. وتحديات الأمن الوطني العراقي
مؤيد بلاسم العبودي
2015-05-30 12:15
لي صديق ملحد من أصول عراقية في استراليا، يطالبني بان أتخلى عن دعم الحشد الشعبي العراقي في مواجهة داعش كي ترضى عنا ماما أمريكا ودول المحور النفطي وتقوم هي بمهمة تحرير العراق من الحشد وداعش معا.
لم يعلم هذا الصديق أن داعش وأخواتها ومنذ ٢٠٠٣ يذبحون العراقيين مثل الأضاحي ويحرقونهم في كل مكان وزمان وعيون حبيبته أمريكا تشاهد ارتالها من بعيد وهي تضحك. كيف يريد لي أن أتخلى عن الحشد الشعبي المقدس وأثق في (حليفتنا أمريكا) التي جعلت من العراق (صينية الأرض) يشعل من أجساد أبناءه الشهداء شموع زكريا آناء الليل وأطراف النهار.
استسلمت الحكومة العراقية بحسن نية لوعود العم سام في معركة الرمادي فالتهم شيطان الخليفة هذه المدينة مثل ذئب غادر يلتهم شياها أغفلها الراعي، ونحن في ذهول.
ومن قبلها، مرت أرتال داعش من تحت الأقمار الصناعية الأميركية التي ما من حدث صغير أو كبير إلا وتلتقطه كاميراتها وطائراتها ومجساتها الاستخبارية العديدة، وتغافلت عن مؤامرات دول الجوار بدءا من تركيا وانتهاءا بأصغر مشيخة للنفط والبترول والرمال وهي تتآمر على مدار الساعة على أمننا.
أنا شخصيا التمس له العذر، فمثله الكثيرون، قد أكون منهم، اكتشفوا الآن أن المسيرات الحسينية التي كان إخوتنا وآبائنا يحيونها مشيا على الأقدام لمئات الكيلومترات والتي كنا كمثقفين نخبويين نسخر منها بصمت ونحن نحتسي الكابتشينو ونقرأ أشعار درويش وننظر لما قبل الميتافيزيقا وما بعد الحداثة في مقاهينا المرهقة بالدخان الأزرق، وهي، إضافة لجانبها الروحي، تدريبات تعبوية لملحمة الحشد الشعبي المقدس ومقدمة يتكامل فيها الزوار وأصحاب المواكب البسطاء من مجرد عوام وسوقة ومسحوقين الى ملائكة الله في الأرض التي تقبر شياطين داعش الى الأبد.
أضاعت علينا أجهزتنا الأمنية التي دربها الاميركان من جيش وشرطة وصحوات وأخواتها خمس محافظات قبل أن يرتد الينا طرفنا، خسرنا كامل ومحافظة نينوى، وتقريبا كل كركوك، وأكثر من ثلاثة أرباع صلاح الدين وحزام بغداد وجرف الصخر، وها هي الانبار بدون الحشد الشعبي تذهب أدراج داعش وخليفته بناسها ومؤسساتها وأسلحتها التي تكفي لاحتلال عشرة بلدان بحجم مشيخة قطر!!
أي أن أجهزة الحكومة الرسمية تهزم في كل مواجهة مع داعش!
ولكن الحشد الشعبي بدون أن تخسر عليه حكومة بغداد المبذرة على برلمانها ورئاساتها والمتقشفة على شعبها وحشده، ينتصر الحشد دوما على داعش ويذيقهم هوان الدنيا قبل عقاب الآخرة فحرر لنا كامل حزام بغداد وكل جرف الصخر وكامل محافظة ديالى وتكريت ومسح الدموع عن أعين ذوي شهداء سبايكر، وها هو يزحف نحو الحويجة والانبار بخطى حثيثة!
وحين هزمت الرؤية الحكومية الأمريكية في الرمادي جاؤوا إلى الحشد عشاءا يبكون!
لماذا إذن لا تحول حكومة بغداد أموال الميزانية المخصصة للدفاع والداخلية إلى الحشد؟
لكنا حررنا كامل العراق بأقل تكلفة على الإطلاق لأشرس حرب تحرير على الإطلاق و(طكة نازل) أم أن هناك كتل سياسية تريد (حصة) من مقاولات الدفاع والداخلية؟
ومن المضحك انك تجد لدى الحشد الشعبي تخطيطا للمعركة وقيادة أركان واستطلاعا واستحضارا لبيئة ميدان المعركة وتقسيما للواجبات والمهمات دقيق جدا ولم نخسر على تسليحه فلسا ولا على مقاتليه راتبا، بينما جيش الوطن الذي خسرنا عليه المليارات ويقوده ضباط تتعارك على أكتافهم الرتب يقاتل بطريقة (دكة عشاير).
وبرغم ملايين ساعات البث الفضائي العربي الذي يحاول إن يشيطن الحشد الشعبي ويصوره على انه النظير الشيعي لداعش، وجيوش الدعايات والإشاعات العربية والمحلية، فإننا نجد أن المدن التي يدخلها حشد الله الشعبي تتحرر والمدن التي يمسكها الجيش تسقط؟
لدى فصائل الحشد الشعبي المقدس خبرة في حرب العصابات والمدن احترفوها في أيام المقاومة ضد المحتل الأمريكي ثم في معارك الدفاع عن المقدسات في سوريا، حيث كانت سوريا تشكل جبهة حرب وساحة تدريب على التكتيكات القتالية المتطورة في نفس الوقت.
كما أن مقاتلي الحشد الشعبي لديهم إخلاص عقائدي على مستوى القيادة والأفراد، أما في الأجهزة الحكومية، فقد يتوفر الإخلاص لدى اغلب المنتسبين من صغار الضباط والمقاتلين، لكن في القيادات المتحكمة يتقلص بسبب التدخل السياسي وأجواء المحاصصة والتوازن.
وهذا الأمر أيضا ساعد الحشد على أن يخلو من المندسين ممن ينظرون للجنود على انهم ارقام وأموال يفكر كيف يستفيد منهم.
الحشد الشعبي لا (يبيعون) مقاتليهم ولا يتركون خلفهم اسري ولا جثث شهداء، في المقابل ومن خلال اعترافات أم سياف زوجة ابي سياف القيادي الكبير في تنظيم داعش، تبين أن هناك قيادات على مستويات متقدمة في الجيش العراقي تتواصل سرا مع داعش وتقوم (ببيع) المواقع والجنود والأسلحة.
قيادات الحشد الشعبي مطهرون من رجس صدام وعقد التقاليد العثمانية التي تسربت للجيش العراقي، فتعالي الضباط على الجنود الموروثة من الجيش العثماني، يستبدلها الحشد الشعبي بروحية الأخوة فتجد اكبر قائد مثل أبي مهدي المهندس وهادي العامري يجلسون على الأرض ويأكلون مع اصغر مقاتل في الحشد الشعبي.
إضافة إلى صدق العقيدة، فالحشد الشعبي يضم عراقيين عجنوا بطين الأرض وحنطة سنابلها، لبوا نداء الوطن والمرجعية بدون مقابل، واستطاعوا كسر سطوة داعش في كل معركة دخلوها معه، يكفي فخرا ان داعش لم ينكسر الا على أمام جباههم الفضية الناصعة الطهر.
ولمن يقول انه تشكيل طائفي، فان الحشد الشعبي نجح في كسر حاجز الطائفية فاصبح تشكيلا متعدد الطوائف يضم مختلف القوى وتشترك فيه مختلف شرائح المجتمع العراقي، فهو يحتوي على تشكيل للمسيحيين العراقيين باسم اسمه كتيبة بابليون يقوده الشيخ ريان الكلداني، وافواج سنية عديدية من الجبور عصائب العلم، وقوة الشهيدة امية الجبارة بقيادة شيوخ الحبارة، وثلاثة أفواج من بدر العلم، وفوج التآخي، وفوج جبور الحواري، كما يضم قوة من عشيرة الجيسات في بيجي، وكذلك قوة كبيرة من عشيرة العبيد بقيادة شيخ العشيرة شخصيا، يضم أيضا افواجا عديدة من الشبك وعددا من أفواج التركمان من تلعفر ومن امرلي الصمود، ومن قرية بشير الشهيدة ومن قضاء طوزخورماتو، وكان ينتمي اليه ايضا فوج ايزيدي بقيادة قاسم ججووحيدر قاسم ججو وهما ناشطان من الجنسية الالمانية من اصل عراقي، وكان بادئ ذي بدء قد اعلن ان قوات الحشد الايزيدي تابعة للحشد الشعبي لكن البيشمركة اعتقلت قاسم ججو واجبروه على الادلاء ببيان يعلن فيه الانضمام الى البيشمركة الكوردية.
وفي خضم التمدد الداعشي نحو المناطق الرخوة إقليميا، يجب علينا الا نتكل الا على أنفسنا في مواجهة هذا التنظيم، فالمجتمع الدولي لم يستطع حمايتنا من القتل اليومي بمفخخات داعش، ولم يستطع حماية الشعب السوري من الإبادة الجماعية التي ترتكبها الجماعات السلفية من داعش الى النصرة الى احرار الشام، ولم يعمل أي شيء لليبيا التي تحولت الى معسكر تدريب كبير للمتطرفين، وها هي الصومال تعيش في جحيم الفوضى.
بدون الحشد الشعبي سنؤكل كلنا تباعا، سيان كنا ليبراليين او إسلاميين، سنة كنا او شيعة او مسيح او أقليات أخرى.
وللحشد الشعبي أقول
أيها الحشد الشعبي
يا مواكب الحسين
خاب والله من تخلف عنكم وأمن من لجأ إليكم
وفزتم والله فوزا عظيما.
لا حل لشياطين داعش إلا ملائكة الحشد الشعبي.
رفعت الأقلام وجفت الصحف.