داعش.. سرّ القوة والضعف
علي الطالقاني
2015-05-26 01:19
تُظهر أحداث سقوط مدينة الرمادي بيد تنظيم "داعش" قساوة ما حدث، وتكشف عن صعوبة حجم المعركة القادمة من أجل استعادة المدينة، ولسقوط الرمادي أسباب وتداعيات من بين الأسباب الرئيسية، تأزم العلاقة بين الحكومة المركزية ومحافظة الانبار وفقدان الثقة بين الطرفين، حيث كانت المحافظة في كثير من المواقف السياسية والأمنية عصية على إدارتها من قبل الحكومة المركزية لأنها ذات طابع عشائري صعب المراس ولها خصوصية دينية، وقد خاض سكانها من قبل حرب شرسة ضد القوات الأمريكية والحكومية على حد سواء تحت عنوان "الجهاد".
ومن الأسباب الأخرى التي ساعدت على سقوط المدينة، ان الدول السنية والخليجية منها تحديدا، لا ترغب بان يكون تحرير المدن السنية من قبضة تنظيم "داعش" على يد قوات الحشد الشعبي وباقي الفصائل الشيعية المسلحة، كما ان هذه الدول تتبنى سياسة المقاطعة في دعمها للحكومة العراقية لأسباب سياسية، ومن أجل ذلك تقاطع كل من يقف مع الحكومة العراقية في مواقفها السياسية. في الوقت ذاته جاءت حادثة سقوط الرمادي نتيجة للأزمات السياسية والأمنية وبسبب عدم حشد الإمكانات.
والسؤال المهم هنا: كيف استطاع تنظيم "داعش" ان يسيطر خلال ساعات على مركز مدينة الرمادي وكيف تسبب بانكسار القوات الامنية؟
سر القوة والضعف
استطاع تنظيم "داعش" خلال مدة قليلة السيطرة على 80% من أراضي الأنبار، لأسباب تتعلق بعوامل القوة للتنظيم، من أهم هذه العوامل:
1. حاضنة مهيأة. تعد محافظة الانبار معقلا للمجندين ضد القوات الحكومية، ويحمل بعض سكان المدينة أفكار تنظيم "داعش" أو قريبين منها وان أفرادها يقتلون كل من يعارض طريقهم. وقد خاض سكانها من قبل حروب متعددة بعد دخول القوات الأمريكية العراق عام 2003 تحت عنوان "الجهاد".
2. هيكلية التنظيم وقيادته. يمتلك التنظيم قيادات مكونة من عدة توجهات وايدولوجيات منهم ضباط جيش سابقين وافراد من حزب البعث، وجماعات دينية متشددة اضافة الى مقاتلين عراقيين ومن جنسيات أجنبية ويعمل التنظيم وفق تسلسل هرمي.
3. خبرة قتالية. يبدي المقاتلون في تنظيم "داعش" استعدادا كبيرا في التزامهم بالمعارك والاعتماد على خبراتهم الشخصية التي اكتسبوها خلال المعارك. وغالبا ما تكون أعمار هؤلاء المقاتلين دون سن الثلاثين عاما ويتيح لهم التنظيم هامش من الحرية في التخطيط للعمليات القتالية.
4. معدات عسكرية. استطاع التنظيم أن يصل الى أنواع مختلفة من الأسلحة التي استولى عليها خلال الهجمات التي قام بها، ومن خلال الدعم الذي يحصل عليه من قبل جهات داعمة، وكذلك عن طريق شراء الأسلحة.
5. مناطق القتال. يتخذ تنظيم "داعش" من المناطق الريفية منطلقا لعملياته، وهذه المناطق عادة تفتقد لدعم القوات الأمنية، وتوفر طرق إمدادات عسكرية للتنظيم، فالأنبار مدينة تعود عليها التنظيم في قتاله عبر أساليب باتت معروفة لكنها فعالة مثل حركة التنقل التي تُسعف التنظيم عندما تجف موارده القتالية.
6. مواقع دفاعية. يتبع تنظيم "داعش" نمطاً معينا من أجل الدفاع عن نفسه، فهناك القناصين وحقول الالغام والمنازل المفخخة التي تبطئ عملية تقدم القوات الأمنية، وغالباً ما يقوم التنظيم بسد ممرات الحركة أمام تقدم القوات الأمنية من خلال زرع العبوات الناسفة وتدمير الجسور وممرات النقل.
7. هجمات انتحارية. يمتلك تنظيم "داعش" قدرة على تنظيم مجاميع من الانتحاريين يقومون بتفجير انفسهم من خلال عربات مصفحة من اجل الوصول الى الاهداف، من أجل تسهيل عمل افراد التنظيم ومرورهم ومن ثم السيطرة على المناطق. وهذا ما حدث تماما عندما حدث في مركز مدينة الرمادي بعد ان قام العديد من الانتحاريين بتفجير أنفسهم بين صفوف قوات الجيش والحشد الشعبي.
8. تمويل مالي. يعمل تنظيم "داعش" على تحقيق عائدات مالية قوية فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" ان التنظيم تجاوز مدخوله ما يقرب 1.2 مليار دولار خلال 2014، لذا ينبغي الالتفات الى قوة التمويل المالي التي يحصل عليها التنظيم من خلال بيع وتصدير النفط وغسيل الأموال والابتزاز والسرقة وغيرها من الطرق غير الشرعية.
9. خطاب إعلامي. أن الخطاب الاعلامي الذي يبثه التنظيم زرع هاجسا مخيفا لدى القوات الأمنية، ويعمل هذا الخطاب أيضا على استغلال بعض المواطنين البسطاء من خلال اغوائهم وجذبهم عبر وسائل الاعلام مواقع الدردشة والرسائل ووسائل الاتصال.
10. سرية المعلومة. يحاول التنظيم جمع معلومات استخبارية عن طريق مخبرين وهو يعتمد على ذلك من خلال مجاميع رصد يسيرها ويصعب اختراقها.
نقاط الضعف
من المؤكد ان تنظيم "داعش" يفتقر لأساليب الجيش المنظم وبالتالي يمكن القول ان هناك نقاط ضعف يمكن للقوات الأمنية الاستفادة منها، فهل تمتلك الحكومة العراقية استراتيجية حقيقية لاستغلال نقاط الضعف هذه؟ سؤال ينقل الحكومة العراقية من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم. ومن أهم نقاط الضعف للتنظيم:
1. موارد ضعيفة. من الاسباب الرئيسية التي جعلت من تنظيم "داعش" ان يتخلى عن المناطق التي استولى عليها، وذلك بسبب ضعف الامداد في السلاح الكافي للمعركة، لا سيما ان التنظيم لا يمتلك قوة جوية وكذلك ليس لديه اجهزة استخبارات منظمة وليس لدى التنظيم مؤسسة عسكرية مهنية وان قدراته الدفاعية محدودة.
2. فقدان التماسك الاستراتيجي. يفتقر التنظيم الى تماسك استراتيجي، ودائما يعجز عن مسكه الأرض بعد ان يستولي عليها لأسباب كثيرة منها تقلص قاعدة مقاتلي التنظيم واستنزافهم ولافتقاره القوة العسكرية، حيث لا يستطيع التنظيم الصمود طويلا امام القوات الأمنية المنظمة والتي دائما تكون معداتها متطورة بشكل أكبر.
3. اخلاء المدنيين. ان حركة النزوح التي يقوم بها الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" تركت الأرض مهيأة أمام القوات الأمنية من تطهيرها، فالتنظيم لم يتمكن من منع نزوح المدنيين من تلك المناطق كما شاهدناه في مناطق جرف الصخر وتكرير والأنبار.
4. ضعف التنظيم التكتيكي. يفتقد "داعش" الى تنظيم تكتيكي بعكس قوات الأمن العراقية. وان مثل ضعف هذا التكتيك للطرف المقابل يؤدي إلى إنهاكه، وبالتالي سيساعد على تقليص فعالية الدفاع لدى التنظيم ويفقده توازنه مثل ما حدث في آمرلي وجرف الصخر ومناطق اخرى.
5. زيادة معدل الهجمات. اضعفت الهجمات المتواصلة لقوات الأمن العراقية ساحة التنظيم مما أخذت المساحات التي يسيطر عليها بالتقلص وبالتالي فان الفراغ الذي يتركه التنظيم سمح بتواصل تقدم القوات العراقية واتاح لها قابلية الحركة بشكل كبير.
6. مساحة أراضي كبيرة. من عوامل الضعف الأخرى تعتبر الرمادي من المدن الكبيرة وبالتالي التي لا يستطيع التنظيم اتباع استراتيجية تؤمن المساحة بكاملها ولا يمتلك العدد الكافي من المقاتلين. مما يتيح للقوات العراقية السيطرة على مركز المدينة وباقي المنطق الخاضعة لسيطرة لتنظيم "داعش".
وبرغم ما حدث فان قدرة تنظيم "داعش" ضعيفة الى حد كبير أمام قدرة القوات الأمنية العراقية التي تساندها مجاميع الحشد الشعبي وبعض رجال العشائر من ابناء هذه المناطق بحيث استطاعت هذه القوات تفكيك قدرة التنظيم وتحجيم نشاطه في مناطق كان التنظيم قد استولى عليها منذ سقوط الموصل.
7. نظام اتصالات ضعيف. لا يمتلك التنظيم نظام اتصالات متطور لذا أصبح من الضروري تعطيل حركة الاتصالات بين الإرهابيين فان استخدام تكنلوجيا المعلومات ومراقبة الاتصالات بشكل مكثف وبحث إمكانية تدخل تكنلوجي وخبرات لمكافحة الارهاب أمر في غاية الأهمية.
كسب الحرب
اشرنا في مقال سابق من عام 2014 تحت عنوان "الانبار.. نافذة لطريق مسدود" الى ان القتال الذي اندلع في مناطق غرب العراق بين قوات الامن العراقية وتنظيم "داعش" لا توجد مؤشرات على نهايته في وقت قريب وان التنظيم بدأ ينتشر في المناطق الشمالية توجها نحو المناطق الشرقية للمدينة. في وقت تتعثر فيه المفاوضات بين بعض رجال العشائر والحكومة العراقية من أجل انهاء الصراع وهو الأمر الذي جعل الحكومة العراقية أمام خيار واحد وهو الاقتحام وشن حرب واسعة ضد التنظيم.
واليوم كشفت الأحداث عن التباطؤ في عدم اتخاذ موقف حاسم وسريع ضد التنظيم، وبالتالي أدى الى سقوط المدينة بشكل كامل تقريبا. لذا ينبغي ان تكون هناك مراعاة لعوامل عديدة تساعد في ارجاع المدن التي يسيطر عليها تنظيم "داعش".
من بين هذه العوامل:
العامل الأول: توفير الدعم العسكري الكافي وحشد قوات كافية تتناسب مع حجم مساحات الأراضي، ووضع خطط فعالة لتطهير المناطق.
العامل الثاني: الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم وعدم الاكتفاء بوجود قوة للدفاع.
العامل الثالث: إعادة النازحين الى مناطق سكناهم وهو الأمر الذي يساعد في استقرار المناطق والدفاع عنها من قبل الأهالي.
العامل الرابع: ينبغي على الحكومة العراقية أن توثق علاقتها بشكل أكبر مع القبائل السنية في العراق وخصوصا بعد ان فقدت تأييد بعض ابناء القبائل السنية الذين فروا والذين قتلوا بسبب المعارك.
العامل الخامس: التركيز على العمليات النوعية والاستباقية، والتركيز على المعلومة الاستخبارية، ويبدو ان العملية النوعية التي قامت بها قوات أمريكية خاصة في دير الزور شرقي سوريا والتي انتهت بقتل القيادي في تنظيم "الدولة" أبو سياف، واعتقال زوجة، وقتل عدد من المسلحين، على أجهزة حاسوب وهواتف ذكية، ان هذه العملية حملت معها أسرار كبيرة تهم العراق وسوريا لأنها أتت بعد يوم واحد من سقوط مركز محافظة الأنبار غربي العراق بيد تنظيم "الدولة"، لذا ينبغي التركيز على العمليات النوعية التي ستحد من قوة التنظيم وربما القضاء عليه.
خلاصة
ان سقوط مدينة الرمادي مثل انتكاسة قوية للحكومة العراقية وللتحالف الدولي في وقت يزعم الجميع على أهمية اعطاء محافظة الأنبار أولوية أمنية وسياسية، وهو الأمر الذي شكل قناعة لدى المجتمع السني المعارض بأهمية مشاركة قوات الحشد الشعبي التي تساند القوات العراقية من أجل استرجاع المدينة وخصوصا بعد ان صوت مجلس محافظة الانبار على أهمية المشاركة.
ووفق المعطيات والمؤشرات العسكرية يمكن احراز النصر في حالة وضع خطط مناسبة وموارد كافية. أما في حال استرجاع المدينة سوف يسفر عن نجاح نسبي في تحسين العلاقات بين الجميع ليكون مقدمة لاستعادة الموصل.