هل يعي ساسة العراق ما يحاك لهم؟
علي الأسدي
2015-05-20 10:54
بضعة ملايين من الدولارات هي الثمن الذي وعدت به لجنة الشئون العسكرية في الكونغرس الأمريكي لشراء ضمائر وذمم بعض مغفلي سياسيي العراق من السنة والشيعة بصورة مساعدات عسكرية. فلم يرفضها أحد باعتبارها مساعدات مشبوهة يقف وراءها أنصار اسرائيل في الكونغرس والحكومة الأمريكية مع ان هدفها واضح وهو تمزيق الصف الوطني كمقدمة لموجات من الحروب الطائفية والاثنية المؤجلة. اليوم وبعد نجاحهم في صنع داعش حان الوقت ليستكملوا خطة تقسيم العراق التي باشروا بتحقيقها ولم يحالفهم النجاح عام 2006 ابان الاحتلال الأمريكي. لقد لوحوا بتلك الملايين من الدولارات كما يلوح بالفطيسة للضباع الجائعة قبل أن يوقعوها في الشرك. لقد اختلفت ردود فعل الأطراف الثلاثة بين مرحب فوق العادة ورافض بشروط كبعض مسئولي الجناح الشيعي في الحكومة الاتحادية ومؤيد محرج كبعض الأطراف الطائفية من الشيعة والسنة.
وبصرف النظر عن حجم الرفض الذي لا يبدو واسعا فان التأييد والتردد في اعلان الرفض القاطع دليل ساطع على فداحة الفساد الاخلاقي الذي تتسم به فئات السياسيين العراقيين الذين يتصدرون المشهد السياسي. فما يحدث اليوم أمام أعيننا وما نسمعه في القنوات الاخبارية لم يكن متخيلا حدوثه قبل الغزو الامريكي لبلادنا. فحينها لم يكن متوقعا أن تسول لأحد نفسه التورط في الترويج للمشاريع الأجنبية الضارة بمصالحنا الوطنية لأنه يعرف مقدما حجم الجريمة التي يرتكبها بحق وطنه وشعبه وحجم العار الذي يلحقه بشرفه وكرامته وسمعة أهله. لكن الاحتلال الأمريكي للعراق كما يبدو قد أفسد الشخصية العراقية من داخلها فلم تعد تعبه بقيم النزاهة والصدق وحب الوطن كمثل عليا، بل من النادر اليوم أن تجد داخل القوى السياسية من يعتبر تلك السمات دستورا ملزما لأعضائها ومؤازريها.
وكان ذلك واضحا في صمت أكثرية تلك القوى عن قرار مجلس الكونغرس الأمريكي بأرسال أسلحة ومعدات عسكرية الى جهات سياسية وعشائرية عراقية دون موافقة الحكومة المركزية في محاولة لشق وحدة الصف الوطني وتشجيع تأسيس جيوش مسلحة خارج الشرعية الدستورية في وقت يتحتم تقوية الوحدة الشعبية في مواجهة القوى الارهابية الغازية. فلم تقدم العرائض الاحتجاجية للسلطات الحكومية العليا ولهيئة الأمم المتحدة ولم يتظاهر الطلاب والشباب والعمال احتجاجا أمام السفارة الأمريكية في بغداد لمطالبتها بوقف تنفيذ القرار جملة وتفصيلا. انها بادرة خطرة وتدخل غير مقبول في شأننا الداخلي فالنتيجة المباشرة له هو نشر الفوضى داخل المجتمع العراقي وتعريض أمنه ومستقبله لخطر البلقنة واللبننة واضعاف حكومته وبعثرة جهودها الاقتصادية التنموية.
الواضح من قرار الكونغرس الأمريكي سعيه الامبريالي لتعزيز الانقسام الداخلي في مجتمعنا بتعامله معنا وكأننا لسنا شعبا موحدا نعيش في وطن واحد، فبحسب منطوق القرار يتم التعامل مع ثلاثة أمم لا أمة واحدة. فاذا كانت المساعدات العسكرية ستصل لاقليم كردستان الذي له مؤسساته القائمة منذ التسعينيات لكننا لا نعرف الى من ستتوجه الاسلحة للطرف السني فلم يقم حتى اليوم في العراق كيانا بهذه الصفة، وعمليا يطلق على الحكومة في بغداد كدولة شيعية رغم مشاركة الكرد والسنة فيها بنسبة تقارب الثلثين.
لقد زار السيد مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان واشنطن بناء على دعوة الرئيس الأمريكي له فاستقبله في مكتبه في القصر الأبيض. وبعد نهاية اجتماعه بالرئيس صرح البرزاني للصحفيين " ان استقلال كردستان قادم، انها عملية مستمرة ولن تتوقف ولن تتراجع خطوة واحدة ". والبرزاني هو الشخصية السياسية الوحيدة التي تعي ما تقول ولا تتردد في قول الحقيقة ولا تتراجع عما تدعيه. وبحسب صحيفة Huffington Post فان السيد البرزاني قد رد على تساؤل الصحفيين " هل ستستلم البيشمركة السلاح مباشرة؟ بالقول: " ان الرئيس اوباما ونائبه جو بايدن يرغبان بان تستلم البيشمركة السلاح المطلوب. وعلى سؤال: " كيف ستصل الاسلحة اليكم؟ رد قائلا: " ليس مهما كيف، المهم أن البيشمركة ستستلم الأسلحة."
يقول الكاتب اليهودي *Oded Yinon العراق الغني في النفط من جهة والمشتت من جهة أخرى يعتبر ضمانة لتحقيق هدف اسرائيل، فتفتيته يعتبر أكثر أهمية لنا من سوريا فهو أقوى من سوريا وفي المدى القصير يعتبر العراق أكبر خطر على اسرائيل. تقسيم العراق الى مناطق وفق الاثنيات والديانات كما في سوريا أيام العثمانيين ممكنة، أي ثلاثة أو أكثر من الدول تتواجد حول ثلاثة مدن هي الموصل وبغداد والبصرة. ففي سوريا ستكون هناك دولة علوية في المنطفة المحاذية للبحر الأبيض المتوسط، ودولة سنية في دمشق منافسة للدولة السنية في شمال لبنان ودولة درزية في مرتفعات الجولان وحوران وشمال الاردن، ودولة سنية في منطقة حلب. وفي تصريح لموشي يالون وزير الدفاع في حكومة نتنياهو منذ عام 2013 أثناء زيارته لواشنطن أخيرا أدلى به لمراسل الراديو الوطني قال فيه " ان حدود الشرق الأوسط ستتغير كليا.
ان ظهور داعش هو التعبير الفعلي عن المرحلة الجديدة من تنفيذ المشروع الصهيوني في العراق ومهما يحاول الاعلام الغربي اعطاء تفسيرات أخرى مثل الصراع بين الاسلام السني والاسلام الشيعي فالحقيقة أوضح من الشمس. فداعش تمول وتزود بالأسلحة الحديثة بدون انقطاع من قبل الجهات نفسها التي تدعي محاربتها. ان تراجعا هنا وتراجعا هناك تقوم به أمام القوات العراقية انما هو لذر الرماد في العيون فهي جاءت لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لن يستثني أي دولة بما فيها تركيا وايران وباكستان الدولة الاسلامية الوحيدة التي تملك سلاحا نوويا.