بين "تدمر" السورية و"الانبار" العراقية حلقة وصل
باسم حسين الزيدي
2015-05-19 08:54
قبل ساعات قليلة تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على معظم وسط مدينة "الرمادي"، مركز محافظة الانبار ذات الغالبية السنية، وهو تقدم اعترفت به الحكومة العراقية والولايات المتحدة الامريكية، التي تمثل "التحالف الدولي" بكل اسناده الجوي ودعمه اللوجستي المقدم الى القوات الامنية العراقية لمكافحة تمدد التنظيم ومنع سيطرته على المزيد من الاراضي، سواء احدث ذلك في العراق ام في سوريا، وبالرغم من ان تضاريس محافظة الانبار صحراوية بمعظمها، الا انها شكلت عقدة امنية بالنسبة للقوات الامريكية ابان غزوها للعراق (عام 2003) في مواجهة تنظيم "القاعدة" الذي اتخذ منها قاعدة لانطلاق هجماته التي استهدفت القوات الامنية الامريكية والعراقية، اضافة الى استهداف المدنيين، فيما عمل تنظيم "داعش" منذ سنوات للسيطرة على المحافظة السنية، التي تعتبر اكبر محافظات العراق (تشكل الثلث من مساحة البلد الكلية)، وقد سيطر بالفعل على مناطق صحراوية واسعة ومناطق حدودية اخرى في السابق قبل ان يصل الى مبتغاه في السيطرة على مركز المدنية.
في "تدمر" السورية التي تقع في وسط البلاد وتتبع لمحافظة "حمص" ولها حصة عالمية من الاثار الانسانية، حاول تنظيم "داعش" الوصول اليها قادما من مقر "الخلافة الاسلامية" المزعوم للتنظيم في "دير الزور"، وقد تمكن في الايام الاولى من القتال السيطرة على بعض احياء المدينة الاثرية، وقتل عشرات المدنيين، في حملة اعدامات واسعة، لكن الحملة "الداعشية" لم تتمكن من تحقيق اهدافها بعد اسبوع من القتال، بعد انسحابه امام تقدم قوات "نظام الاسد"، ويبدو ان حملة "الانبار" التي نجحت في السيطرة على المدينة، ستدفع التنظيم بحملة اخرى لاستهداف "تدمر"، لوجود حلقة وصل مهمة قد تربط المدينتين، احدهما ميداني والاخر دعائي.
الميداني يتجلى في ضم التنظيم المزيد من الاراضي السورية، خصوصا في التمدد نحو وسط سوريا، وتدمر التي تعتبر عقدة مواصلات مهمة، تعتبر المكان المناسب لضم بادية سوريا مع بادية العراق على طول الحدود الغربية، وبالتالي المزيد من الاراضي التي يمكن ان يقنع التنظيم الالاف المتطرفين لترك بلدانهم والسكن في "دولة داعش" المفترضة في كلا البلدين.
اما الجانب الدعائي فهو امر مهم للغاية بالنسبة لتنظيم "داعش"، وربما هو ما يميزه عن التنظيمات الارهابية المتطرفة الاخرى، فمدينة "تدمر" على قدر كبير من الاهمية التاريخية عالميا، وهو ما حدى بجميع المنظمات العالمية (في مقدمتها اليونسكو) والدول الكبرى بإطلاق صيحات استغاثه عالمية لإنقاذها من الوقوع بيد التنظيم، خوفا من تكرار ماساه المدن الاثرية التي دمرها سابقا في العراق وسوريا.
اما الانبار فلها جانب دعائي طائفي يستفيد منه التنظيم في تغذية عناصره الفكر المتطرف، فالمدينة سنية الطابع، كما ان زعيم التنظيم "ابو بكر البغدادي" ذكرها في خطابة الاخير بهذا النفس قائلا "يا أهل السنة في العراق ونخص أهلنا في الأنبار كونوا على يقين أن قلوبنا تتفطر على ترككم منازلكم ودياركم ولجوئكم نحو الروافض وملحدي الأكراد وتشردكم في البلاد، فعودوا إلى دياركم والتجئوا بعد الله إلى أهلكم في الدولة الإسلامية فستجدون فيها بإذن الله الحضن الدافئ والملاذ الآمن فأنتم أهلنا".
الحشد الشعبي
انسحاب تنظيم "داعش" من مدينة "تدمر" بعد المعارك العنيفة التي خاضها مع القوات الامنية للنظام السوري، وتراجعه اثر خسارته للعشرات من مقاتليه، اضافة الى حصول نوع من "التوافق السياسي" في العراق على دخول قوات "الحشد الشعبي" التي تضم المقاتلين الشيعة لمساعدة القوات الامنية لتحرير محافظة الانبار، وتوجه هذه القوات بالفعل نحو قاعدة "الحبانية" العسكرية القريبة من مركز المدينة، وزيادة الضربات الجوية لقوات "التحالف الدولي" في تلك المناطق (الانبار وتدمر)، ربما تسهم في احداث تحولات عسكرية مهمة في الاسابيع القليلة القادمة، وهو توقع تحدث عنه وزير الخارجية الامريكي "جون كيري"، مؤكدا انه "على ثقة من أن الأوضاع ستنقلب خلال الأيام المقبلة. لقد قتل الكثير من عناصر داعش خلال الأيام الماضية، وسيقتل المزيد منها في الفترة المقبلة لأنها اللغة الوحيدة التي يفهمونها".
وبما ان "تدمر" لم تسقط بيد "داعش" حتى اليوم، فان الانظار ستتجه صوب متابعة اخر التطورات الميدانية والسياسية في عملية استعادة الانبار (خصوصا وان المعركة ستكون بيد الحشد الشعبي واشراف الحكومة المركزية وبمساعدة التحالف الدولي)، وسيعمل التنظيم على ادامة زخم المعركة والتحشيد الطائفي باعتبارها صراع (سني-شيعي)، كما فعل سابقا في تكريت، وستكون حرب الاشاعة والاعلام حاضرة بقوة، اضافة الى الاتهامات التي ستوجه الى قوات الحشد الشعبي لإضعاف المعنويات او احداث شرخ في التوافق (السني-الشيعي) بضرورة دخول قوات الحشد الشعبي الى الانبار وطرد عناصر التنظيم منها، وفي حال نجحت الحكومة العراقية في استثمار هذا التوافق في تحرير المحافظة باقل الكلف البشرية والسياسية، فإنها ستكون خطوة كبيرة ومقدمة ناجحة للتقدم صوب الموصل، حيث سيسهل محاصرة عناصر التنظيم في اخر معقل لهم في العراق.