الحركة الإصلاحية في خطر
جميل عودة ابراهيم
2019-12-28 07:57
إن من حق الناس، بعضهم أو كلهم، أن يتظاهروا ضد حكوماتهم، وأن يطالبوا بتغيرها، فالسكوت عن الظلم ليس أمرا ممدوحا، بل هو أمر قبيح، ولا ينبغي لأحد أن ينبري ليدافع عن الحكام الظالمين، والفاسدين، والمقصرين، لأن الحكام إنما هم مخولون بالحكم من الشعب ما زالوا يحكمون بالحق والعدل والإنصاف، ولا يقضمون حقوق الناس، ولا يفسدون في الأرض، ولا يقتلون بغير حق، فان هم فعلوا ذلك، لم يكونوا أهلا للحكم، واستحقوا الخروج عليهم، وحق للشعب أن يعزلهم، وينتخب حكاما آخرين، أفضل منهم إدارة للبشر والمال.
وذلك القول لا ينطبق على الحكام والسلاطين، ومن لف لفهم، بل هو ينطبق على كل من يتعرض للناس أو أموالهم أو ممتلكاتهم، فلا فرق بين الحاكم الظالم الذي يعتدي على الشعب، وبين المحكوم الظالم الذي يفعل ما يفعله ذلك الحاكم، فالعبرة ليست بالمواقع والأشخاص بل بالأفعال والأعمال.
فان قام الحاكم أو الرئيس بنهب ثروة الشعب، ونقلها إلى خارج البلاد، ووضعها في حسابه الخاص، فهذا فعل قبيح، ينبغي لا يسكت الشعب عنه، وكذا لو قام أحد أفراد الشعب بالسطو على مصرف من مصارف البلد، وسرق أمواله، فهذا فعل قبيح أيضا، يستدعي محاسبته، إذ ليس من حقه، ولا من حق غيره أن يعتدي على أموال الناس، تحت أي سبب كان، وتحت أي حجة كانت.
انطلاقا من ذلك؛ فإن ما يقوم به البعض، في بعض الشوارع، وفي بعض الأبنية، من أعمال قتل؛ ونهب؛ وفساد؛ وحرق؛ وغيرها من الأفعال الإجرامية، آخرها قتل طفل في السادسة عشر من عمره، في ساحة الوثبة، في بغداد، ثم سحل جثته، في الشارع، على مرأى ومسمع العشرات من المتظاهرين، ثم تعليقه على إحدى البنايات عاريا، ما هو إلا عمل فظيع، وسلوك خطير، لا يرضي سكان السماوات، ولا سكان الأرض، ولا ينبغي السكوت عنه، ولا يمكن عده إصلاحا في مقابل السلطة الفاسدة، وظالمة إطلاقا.
إن الذين يدعون للإصلاح والبناء، وتقويم النظام السياسي، ويطالبون بحقوقهم المشروعة، لا يجب أن يقوموا بما يقوم به النظام السياسي الفاسد، فلا يجوز لهم أن يخربوا؛ لأنهم خرجوا للأعمار، ولا يجوز لهم أن يسرقوا؛ لأنهم خرجوا للمحافظة على أموال هذا الشعب، ولا يجوز لهم أن يحرقوا الأبنية والمنشئات؛ لأنهم خرجوا من أجل إصلاحها وتنميتها، ولا يجوز لهم أن يقتلوا أحدا من الناس؛ لأنهم خرجوا من أجل حفظ الدماء.
في الواقع، لابد من ضبط حركة المتظاهرين، وتوجهها نحو تحقيق أهدافها المشروعة، بطريقة سلمية وحضارية، وإلا ستنحرف الحركة الإصلاحية عن مسارها السلمي، وتضع نفسها وأنصارها في دوامة العنف المفرط، فتسقط؛ ويسقط أنصارها ومؤيدها، فيفقد الشعب كله أمله في إصلاح دام انتظاره طويلا.
هناك ثلاثة عناصر تدفع الحركة الإصلاحية نحو الانحراف ثم السقوط، كما أن هناك ثلاثة عناصر تدفع الحركة الإصلاحية نحو تحقيق أهدافها المشروعة، فأما عناصر الانحراف فهي ثلاثة:
1. العنصر الأول؛ هو مجموعة من غير المنضبطين الذين قد يقومون بأفعال سيئة، ترتد على ساحات التظاهر سلبا، وتشوه سمعة المتظاهرين السلميين، وقد يكون بعضهم يقوم بهذه الأعمال بدوافع سياسية، أو إجرامية، وهم الذين يعرفون بـ(المندسين) وأهداف هؤلاء هي أهداف آنية ودنيئة.
2. العنصر الثاني: هم المخططون المجهولون الذين لا يدخلون ساحات التظاهر أبدا، وإنما يقودنها من الخارج، ويوجهونها من بعيد، إما من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وإما من خلال الدعم المالي الكبير، وهدف هؤلاء؛ سواء كانوا (جماعات، ودول) هو إحداث فوضى عامة، وحرب طاحنة.
3. العنصر الثالث: هو عنصر الزمن، فكلما طال وجود المتظاهرين في الساحات والشوارع، واستمر تعطيل الأسواق والمؤسسات والمدارس انفض الناس عن المتظاهرين، وقل تأييدهم للتظاهرات؛ لأن الناس إنما يريدون من يصلح أمورهم لا من يعطلها.
وأما عناصر قوة الحركة الإصلاحية واستقامتها، فهي ثلاثة:
1. العنصر الأول؛ هو عنصر السلوك السلمي، فليس ثمة شك أن محافظة المتظاهرين على سلمية تظاهراتهم، وابتعادهم عن أعمال العنف والقتل والحرق، وعدم تحدي الشرطة في أماكن المواجهة هي عناصر قوة للمتظاهرين، وتساعد على جذب الآخرين وتعاطفهم، وعنصر السلمية هذا بحاجة إلى تفعيل إستراتيجية الصبر من جهة، وإلى السيطرة الفعلية على المنحرفين من جهة ثانية.
2. العنصر الثاني: هو الدعم المرجعي، فالمرجعية الدينية وقفت مع الحركة الإصلاحية ومازالت، وكانت بعد الشعب سببا في استمرار وجودها، وحاميها من سلطة الأحزاب والحركات المسلحة من جهة، والحد من تدخل الدول من جهة ثانية، فكلما أخذت الحركة الإصلاحية بنصائح المرجعية وتقيدت بها استطاعت أن تنجز أهدافها المشروعة.
3. العنصر الثالث: هو وجود قيادة ميدانية؛ ومن الخطأ القول إن التظاهرات لا قيادة لها، أو لا قيادة واضحة لها، فليس من السهل تنظيم هذه الجموع الكبيرة؛ وإدارتها؛ والمحافظة على وجودها في ساحات التظاهرات في هذه الفترات الطويلة من دون وجود قيادة تخطط؛ وتنظم؛ وتدير، وهي أمور بديهية.
نعم؛ هناك مشكلتان في الإعلان الصريح عن تلك القيادات، المسمى بـ(التنسيقيات) الأولى داخلية، وهي أن الإعلان عن أسماء القيادات في هذه الساحة أو تلك قد يدفع المتظاهرين إلى الاعتراض عليها، ما يتسبب في انقسام الساحات وتفرقها. والمشكلة الثانية خارجية، هي أن الإعلان عن القيادات قد يعرضها للمحاسبة القانونية، أو القتل أو الخطف أو التعذيب، سواء من القوات الأمنية أو من الجماعات المسلحة المناهضة للتظاهرات.