تآمر العرب على بعضهم أخطر من تآمر الأباعد عليهم
د. إبراهيم أبراش
2019-12-16 04:05
مع أن نظرية المؤامرة ليست بالجديدة سواء على حالتنا العربية أو في دول أخرى وخصوصا عندما تكون الدولة مشتبكة في صراع مع دولة أو دول أخرى، إلا أن نظرية المؤامرة في حالتنا العربية تعدت الحدود وأصبحت حالة مرضية وسلاحا بتار توظفه أنظمة عربية وغيرها في الشرق الأوسط لقمع معارضيها وقطع الطريق على كل من يحاول تغيير الوضع القائم أو التمرد على النظام.
فما أن يتعرض نظام سياسي عربي لأزمة عميقة حتى يبدأ بالتلويح بنظرية المؤامرة متهما أطرافا خارجية معادية بأنها تقف وراء هذه الأزمات، وفي هذا حُكمٌ مسبقٌ بأن الشعب جاهل وقاصر ولا يعرف مصلحته وأن الطبقة السياسية الحاكمة لا تخطئ.
مؤخرا عادت نظرية المؤامرة بقوة إلى المشهد السياسي حتى أصبح كل ما يجري نتيجة مؤامرات، فمؤامرة من جهات خارجية كانت السبب في خروج الجماهير في لبنان والعراق، ومؤامرة خارجية وراء المظاهرات في إيران، ونفس خطاب المؤامرة سمعناه من حكومة اردوغان في تركيا وقت وقوع المحاولة الانقلابية، وعندما خرجت الجماهير في مواجهة نظام البشير، وعندما خرجت الجماهير في الجزائر ضد نظام بوتفليقة، وكذا كان الأمر مع ما تم تسميتها بثورات الربيع العربي الخ!!.
من حيث المبدأ لا يمكن استبعاد نظرية المؤامرة بشكل عام وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص للأسباب التالية:
1- ابستمولوجيا أو معرفيا فإن نظرية المؤامرة جزء أصيل من علم السياسة ومن الحياة السياسية، فعالَم السياسة ليس عالَم ملائكة تحكمه الأخلاق والالتزام بالقوانين بل شبكة علاقات جوهرها الصراع على المصالح والنفوذ وهو صراع يحكمه مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) والتكتُم على الأهداف القومية الاستراتيجية والمكر والكيد للخصوم والأعداء. المشكلة تكمن في التوظيف الايديولوجي والسياسي للنظرية.
2- لخصوصية منطقة الشرق الأوسط والحالة العربية تحديدا حيث المنطقة تاريخيا محل اطماع الدول الغربية الاستعمارية كما أن العالم العربي محاط بدول لها مشاريعها وأجندتها الخاصة، كإسرائيل وإيران وتركيا وأثيوبيا، غير المتطابقة أو المتصالحة مع مصالح وأجندة الدول العربية، بالإضافة إلى الإرث التاريخي والمشاكل الحدودية والخلافات الطائفية والمذهبية، وفقدان الأنظمة العربية لشرعيتها الشعبية والدستورية أحيانا.
3- لم تخف إسرائيل والامبريالية الأمريكية أهدافهما الاستراتيجية تجاه العالم العربي، وعلى رأس هذه الأهداف: بلقنة أو تفتيت العالم العربي ومنع وحدته وتعزيز ودعم الصراعات الطائفية والمذهبية، الهيمنة على المصادر الطبيعية وخصوصا النفط والغاز الخ.
4- البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية في دول المنطقة تسمح بتفشي نظرية المؤامرة، فهذه النظرية تجد قبولا أكثر في المجتمعات المتخلفة.
إذن نظرية المؤامرة أو التآمر كسلوك سياسي أمر موجود في كل دول العالم، ولكن الفرق أنه في الدول والأنظمة الديمقراطية والعقلانية لا يتم إخضاع كل أزمة أو معارضة شعبية لنظرية المؤامرة بل يتم البحث عن الأسباب الداخلية للأزمة أولا ومحاولة معالجتها، وغالبا ما يتم حل الأزمات داخليا من خلال المراجعة والمحاسبة وممارسة النقد الذاتي، فمثلا لم نسمع عند حدوث أزمات اقتصادية أو خروج مظاهرات شعبية في الدول الغربية اتهام السلطات الرسمية لأطراف خارجية بالتآمر ووقوفها وراء الاحداث، مثلا الحكومة الفرنسية لم تتهم أطرافا خارجية بأنها وراء مظاهرات ذوي القبعات الصفراء، والحكومة اليونانية لم تتهم المتظاهرين في أثينا ضد الأوضاع الاقتصادية بأنهم متآمرون وتقف وراءهم جهات خارجية، والسلطات الاسبانية لم تتهم أطراف خارجية بالوقوف وراء مظاهرات الكاتلانيين في إقليم برشلونه الخ.
أما في الدول العربية تحديدا ولأن الأنظمة القائمة تفتقر لفضيلة الاعتراف بالخطأ وتستخف بجماهيرها وتعتبر نفسها منزهة عن الخطأ وتنظر للشعب وكأنه جموع من العبيد ليس من حقهم التمرد على أسيادهم، فإن أي تحرك للجماهير ولقوى المعارضة حتى وإن كان سلميا ويرفع مطالب عادلة وقبل النظر في مطالب الجماهير ومدى عدالتها فإن التهمة جاهزة بأن المتظاهرين، حتى وإن كانوا غالبية الشعب، متآمرون وتسيِّرهم جهات معادية للنظام وللدولة.
المفارقة في هذا الشأن، أنه وبعد توجيه الاتهامات للمحتجين والمعارضين للنظام بأنهم مسيَرون من الخارج ومتآمرون على الدولة ومع استمرار الاحتجاجات وسقوط ضحايا يبدأ النظام بالاعتراف بوجود خلل وأن من حق الشعب التظاهر، بل ويتم محاكمة مسئولين في النظام بتهمة الفساد وقد يصل الأمر لعزل الرئيس وتقديمه للمحاكمة مع اتخاذ إجراءات اقتصادية وإصلاحية عاجلة!!!.
لا شك أن المـتآمرين على العرب والمسلمين كثيرون ولأسباب متعددة، وعلى رأس هؤلاء دولة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية، ولكن ليس كل ما يجري من مشاكل وأزمات سببها التآمر الخارجي، فما كان للمتآمر الخارجي أن ينجح في مسعاه لو لم يجد تجاوبا من أطراف داخلية كما أنه يوظف انعدام الثقة ما بين الشعب والحكام وسوء إدارة أمور البلاد التي تؤدي للفقر والبطالة وانتشار الفساد لتنفيذ مخططاته أو تآمره، كما أن العرب والمسلمين متآمرون على أنفسهم وعلى بعضهم البعض حتى داخل الدولة الواحدة، وهذا التآمر أكبر وأشد خطرا من تآمر الأباعد عليهم، وغالبا فإن المؤامرات الداخلية هي التي تستدعي التآمر والمتآمرين الخارجيين.