العدوان السعودي على اليمن... انكشاف العورات وسقوط الأقنعة
مصطفى قطبي
2015-05-18 08:34
على مرأى ومسمع العالم المتواطئ والمتعاطف مع مملكة آل سعود تحشد السعودية وحلفائها آلتها الحربية الهائلة وحقدها الدفين على الشعب اليمني، وتشن عدواناً بربرياً في محاولة يائسة لكسر صمود شعب اليمن البطل الذي أذهل العالم بصبره وصموده وتحمله للحصار والتجويع والظلم والعدوان. فالسعودية تقود عملية إبادة جماعية حقيقية للشعب اليمني وبتواطؤ من الدول الغربية والديكتاتوريات العربية في الشرق الأوسط بل إنها جريمة إبادة جماعية بالتواطؤ مع مجلس الأمن الدولي!
إن العدوان السعودي متواصل حتى ساعة كتابة هذه السطور، بينما باتت الجهود الحثيثة الرامية لوقف إبادة الشعب اليمني، دون نتيجة حتى الآن على ضوء غزارة الدم اليمني النازف، ووحشية النظام السعودي، التي لم توفر المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن. وبالطبع، فإن عمليات الصمود والرد للقبائل اليمنية والجيش اليمني تأتي في سياق الرد المنطقي على جرائم العدوان الهمجي، وقصف سلاحه الجوي لمناطق مختلفة في اليمن العروبة، بما فيها مناطق ذات اكتظاظ سكاني مدني في قلب الأحياء...
فإضافة إلى القصف المتواصل للبنى التحتية المدنية ولمؤسسات الدولة والذي أودى بحياة آلاف الضحايا والذين معظمهم من المدنيين، فإن أحد الإجراءات المفروضة على اليمنيين منذ 26 آذار الماضي هو الحصار الجوي والبحري بإشراف الرياض والذي يعيد إلى الأذهان الحصار الجوي البحري المماثل الذي تقوم به إسرائيل ضد 1.8 مليون فلسطيني على قطاع غزة منذ عام 2007 إلى جانب أساليب التعذيب والإجرام السعودي ضد اليمنيين.
في هذا المناخ تموج في اليمن، وفيه تموج ساحات جماهيرية عربية بالغضب والاحتجاج، منادية بموقف وتدخل ومناصرة وحتى بوقف للعدوان على اليمن! وفي هذا المناخ أيضاً يستمر تأييد الغرب الإمبريالي للعدوان الصهيوني على اليمن ويتنامى، مرسخاً توجهات وسياسات وشروراً وفجوراً تبديه قيادات أميركية وفرنسية وبريطانية على الخصوص، حيث تصف عدوان نظام آل سعود، وعلى اليمن حالياً، المحاصر بأنه دفاع عن الشرعية!؟
فالذين يدعون غيرتهم على العروبة وانتسابهم إليها ينفذون اليوم أجندة صهيونية أميركية غربية عدوانية ضد عروبتهم عبر قيامهم بإضعاف وتفتيت بلد عربي وتدمير جيشه وعتاده وسلاحه وتخريب مؤسساته وبنيته التحتية وما يعنيه ذلك من إضرار بالأمن القومي العربي والعلاقات العربية العربية..؟!
الدول المشاركة بالعدوان والتي تتشدق بالأمن القومي العربي التزمت الصمت خلال احتلال الكيان الصهيوني لبيروت عام 1982 ولم تحرك ساكناً تجاه العدوان المتكرر على قطاع غزة ومحاولات تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى، وساهمت باستنزاف الجيشين السوري والعراقي وتدمير ليبيا فهل كل ذلك يخدم الأمن القومي العربي أم يخدم أمن الكيان الصهيوني.
المأساة التي تصنعها حرب الإبادة الجارية في اليمن، لا تكشف فقط عن وجه قبيح لعدوان وحشي تتلبسه رغبات هستيرية في القتل والتدمير، ولكنها تكشف أيضاً عن جانب لا يقل بشاعة هو وجود هذا الحشد الكبير من أصحاب الضمائر الميتة والنفوس الخربة. هؤلاء سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين أو غيرهم شركاء في الجريمة بالتأييد أو التبرير أو التحريض أو التضليل أو حتى بالصمت. هذا هو الوجه القبيح للمأساة، غير أنه في أحلك لحظات الألم والمعاناة تظل هناك نقطة ضوء تبعث الأمل في النفوس التي أضناها الظلم وأنهكتها عذابات شعب يتمسك بحقه في أن يحتفظ بهويته وأن يكون له وطن مستقل وحر، لا يأتمر بأوامر السعودية أو غيرها من الكيانات الوظيفية.
الحق أن الدول التي تمثل الاستعمار القديم ـ الجديد والتي ترى في نفسها رسلا مبشرين ومبعوثين من العناية الإلهية للتبشير بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المدنيين وحرية التعبير، أسقطت خيارها الأوحد والأخير لإثبات حسن النية والبرهنة على اتساق مواقفها السياسية والأخلاقية حيال ملفات المنطقة، وبذلت قصارى الجهد لتوفير غطاء سياسي وعسكري ومادي وإعلامي مناسب لجرائم آل سعود بانحيازها لإرهابه وإجرامه ليس في اليمن وإنما في سورية والعراق ولبنان...
فالشعب اليمني يباد برماح الوهابية السعودية وحلفائها تحت طائلة بند ما يوصف بعودة الشرعية...، مقدمين للعالم بأسره صورة منقوصة ومجحفة، بل ومناقضة للحقيقة ليس لعدم تكافؤ الطرفين المتواجهين (النظام السعودي المعتدي والشعب اليمني المعتدى عليه) فحسب، بل وإسقاط حق الشعب اليمني في دفع العدوان والظلم عن نفسه وأرضه، وكذلك مساواة رد فعل الجيش اليمني العقائدي واللجان الشعبية والحوثيين...، بالفعل الإجرامي الوهابي الذي لا يمكن أن يصل إليه رد فعل اللجان الشعبية ورجال القبائل والحوثيين، في البشاعة والخسة والنذالة، هذا إذا كان الاتفاق لا يزال معقوداً على أن مقاومة العدوان حق مشروع يمنحه ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنّ الأمم المتحدة فقدت كل شرعيتها وفشلت مرة جديدة في مهمتها كحامية للقانون الدولي وللسلم العالمي ولم يعد وجودها مبرراً مثلما حل بعصبة الأمم التي ذهبت إلى مزبلة التاريخ من أجل السبب ذاته. فهي بقرار مجلس أمنها تقود اليمنيين إلى الموت إما جوعاً أو تحت تأثير قصف دول التحالف السعودي.
إن الشعب اليمني في اليمن، وهو بين حصاري العدو الوهابي وبعض أمتهم، أقوى إرادة وأشد عزماً وأكثر ثباتاً على الحق والمبدأ، من أن يزعزع عزيمتهم رأي وأن يشل إرادتهم أي حصار أو عزل يستهدف إرادتهم بصورة خاصة، وإنهم أكبر من أن ينال منهم من يريد أن يبلغهم، من منبر مجلس التعاون الخليجي الذي تتحكم فيه مملكة آل سعود، وفي وقت الشدة والمحنة، أن مقاومتهم للعدوان معزولة، وأنهم وحدهم؟!
فمشيخات الخليج والملتحقون بهم ممن يدعون خوفهم على مستقبل الشعب اليمني يقومون اليوم بقتل أبنائه بالسلاح الغربي والأميركي، وهم الذين سبق لهم أن صمتوا عن شراذم التكفير القاعدية التي اجتاحت اليمن واعتدت على أبنائه وقتلتهم بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في الساحات والمساجد والمستشفيات واحتلت مناطق واسعة في اليمن وهددت أمنه واستقراره ووحدته..؟!
هؤلاء المتآمرون الذين يدعون حفاظهم على وحدة اليمن وحل أزمته بالحوار هم الذين أيدوا فريقاً يمنياً ضد آخر وساعدوه ومكنوه من إعلان عدن عاصمة ثانية، ودعموه وشجعوه على ضرب وحدة اليمن ورفض الحوار عبر نقل سفاراتهم من العاصمة صنعاء إليها في انتهاك صارخ وسافر للسيادة والاستقلال ووحدة الأراضي اليمنية..؟!
اليوم صار بإمكان من يعنيهم الأمر معرفة سر صفقات السلاح الهائلة التي وقعتها دول الخليج مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في السنوات الأخيرة، فالسلاح الغربي بيد العرب ليس من وظائفه الدفاع عن العرب في وجه إسرائيل ولا صدّ عدوان خارجي بل وظيفته محصورة فقط بقتل العرب وتجزئة دولهم وإشعال الحروب الأهلية والطائفية والمذهبية فيما بينهم وبما يحقق لإسرائيل أطماعها ويساعد الدول الغربية على نهب الثروات العربية والهيمنة على شعوبها والتحكم بقرارها ومصيرها.
لن يفتَّ ذلك في عضد الشعب اليمني المقاوم، ولن يجعله يرمي السلاح ويستسلم للعدوان أو يختار الخيارات التي تقود إلى الاستسلام المزخرف بكلمات الشرعية الوهمية.
وأنا أعرف جيداً ثوابت الشعب اليمني ممن عركتهم رحى الحرب وثبتوا على الحق والمبدأ والهدف منذ الماضي وحتى اليوم، وأعرف الجذور العميقة والأهداف البعيدة لهذا الشعب الأبي والمعطاء، وأعرف بعض من سلَك دروب العزة ومن ينتظر وما بدل تبديلا...
ولكن ما من شك في أنني أردت بذلك أن أؤكد على أن إرادة الشعب اليمني في اليمن بخاصة وفي مواقع المقاومة العربية ضد الاحتلال الصهيوني والأميركي بعامة، وضد الاستعمار الغربي في أرجاء الوطن العربي، كانت وما زالت أكبر وأعظم وأشد سطوعاً من أن ينال منها ما أريد إيصاله إليها بطريقة ما في الوقت الذي تزف فيه شهداءها وأطفال اليمن إلى المقابر...
ليس لليمن أن ينتظر من جامعة عرب نبيل العربي أكثر مما كان من جامعة عرب عمرو موسى. الأولى غطت ناتوية تدمير ليبيا، والثانية تجهد لتكرار ما فعلته الأولى في سورية، تعلم اليمن أن من تركها وظهرها إلى الحائط في مواجهة محرقة عاصفة الحزم، سوف لن ينجدها وهي تواجه وحشية الوهابية...
وحيال المحرقة التي يرتكبها نظام آل سعود، فلا مفر من الاعتراف بأن قطاعات عربية عريضة ـ وأغلبها لديه حس وطني وقومي عالٍ ـ وقعت فريسة لشعارات براقة وآلة إعلامية ممنهجة، فضحتها المحرقة المستعرة في اليمن الآن، والتي لا يعلم إلا الله مدى خسائرها، ظنًّا ـ وبحسن نية ـ أن اللئيم قد يجود بمكرمة في لحظة صحوة ضمير، ونسوا أن اللئيم لا تشغله إلا أطماعه وأغراضه الدنيئة، وأن ضميره ثبت موته تاريخياً... ذلك درس لا بد أن نعيه جيداً!
إن الموقف العربي التقليدي لم يعد مقبولاً ولا بأي شكل من الأشكال، فالشعب اليمني المثخن بالآلام والجراح، وهو يودع كل يوم دفعات من شهدائه الأبرار، لن تزيده جرائم نظام آل سعود وحلفائه إلا قوة وصلابة وتماسكاً، ولن تثنيه عن مواصلة دفاعه عن أرضه وعرضه... ومهما بحثوا عن أعذار ومبررات لهذا العدوان الخليجي على اليمن ستظل واهية ووضيعة شأنها شأن مبررات الحرب الإرهابية على سورية والعراق، وشأنها شأن مبررات العدوان الإسرائيلي الدائم ضد الفلسطينيين...
فالشعب اليمني المقاوم الذي واجه ظروفاً كثيرة صعبة في تاريخ كفاحه الوطني، وكان يتجاوز في كل مرة قياداته: لن ييأس ولن يُحبط وسيظل أصيلا يقدم التضحيات في سبيل عزة ومنعة وقوة اليمن الجديد.