مطبّات في طريق الانتخابات
د. حسام الدجني
2019-10-17 08:11
انتخابات عامة غير متزامنة تبدأ بالمجلس التشريعي ثم الرئاسة، هذا ما يعمل على تحقيقه الرئيس محمود عباس، فما مدى تحقيق ذلك...؟
ثلاثة مطبّات تقف أمام خطوة الرئيس محمود عباس ودعوته لإجراء انتخابات عامة غير متزامنة، وهذه المطبات يدركها الرئيس عباس جيداً، وهو يعلم ماذا يفعل، وفي هذا المقال سأعمل على استشراف السيناريوهات المحتملة لمشهد الانتخابات في الأراضي الفلسطينية.
المطب الأول: قانون الانتخابات
ينطلق الرئيس محمود عباس في حديثه عن الانتخابات من مرجعية مرسوم بقانون رقم 1/2007م، الذي أصدره في سبتمبر/2007م، وهو قانون صدر بعد أحداث الانقسام التي جرت في يونيو حزيران/2007م، وأهم ملامح هذا القانون التي تعكس حجم المطبّات التي تعترض مشاركة فصائل وازنة في هذه الانتخابات.
1. (المادة 45) تشترط على المترشحين أن يعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وفي إعلان الاستقلال، وأحكام القانون الأساسي. وهذه المادة ستمنع حماس والجهاد الإسلامي من المشاركة كون رؤيتهم تختلف مع رؤية م.ت.ف ووثيقة الاستقلال.
2. القانون يلغي قانون رقم 9/2005م الذي تتمسك به حماس كمرجعية للانتخابات.
3. القانون يتعارض ووثيقة المصالحة 2011م التي وقعت بالقاهرة والتي تعتمد نظام 75% قوائم و 25% دوائر، بينما يعتمد المرسوم بقانون التمثيل النسبي الكامل.
4. يمنح القانون الرئيس عباس حرية اختيار إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية متتالية أو متزامنة.
المطب الثاني: انتخابات متتالية وليست متزامنة
تتمسك أغلب الفصائل الفلسطينية بالانتخابات المتزامنة، وترفض رفضاً قاطعاً أن تجرى بشكل متتالي، انطلاقاً من عدة اعتبارات لعل أهمها:
1. النظام السياسي الفلسطيني بأكمله بحاجة لتجديد شرعيته، فالكل انتهت ولايته.
2. إدراك بعض الفصائل أن شخص الرئيس عباس جزء مهم من أزمة النظام السياسي الفلسطيني.
3. أزمة الثقة كبيرة، وعليه لا تثق تلك الفصائل بالتزام السلطة الفلسطينية بإجراء انتخابات رئاسية. وأيضاً لا يوجد ما يمنع من توظيف الرئيس لورقة المحكمة الدستورية لحل المجلس التشريعي المنتخب في حال لم تأت النتائج منسجمة مع توجهات الرئيس، وتحديداً لو ذهب النواب المنتخبون باتجاه تعديل شكل النظام السياسي الفلسطيني نحو النظام البرلماني الكامل.
4. توفير المال والجهد والوقت على ميزانية السلطة والفصائل في ظل ما يعانيه شعبنا ومؤسساته من واقع مالي صعب نتيجة الحصار.
المطب الثالث: البيئة السياسية للانتخابات
الاعلان عن الانتخابات دون إنهاء الانقسام وتوحيد القضاء وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتهيئة المناخات لدعاية انتخابية سليمة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، والتوافق على قانون الانتخابات والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، فإن الحديث عن الانتخابات هنا يأتي من باب الترف السياسي، وبعيد كل البعد عن الواقعية السياسية التي تعمل على إجراء انتخابات تؤسس لنظام سياسي أكثر استقراراً وقدرة على التكيّف واستيعاب تداعيات الانقسام، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
البيئة غير المستقرة لأي انتخابات تعطي نتائج مشوهة، لأن سؤال الشارع هل حماس ستسلم غزة في حال فازت حركة فتح، والعكس صحيح بالنسبة لفوز حماس هل ستسلم فتح الضفة لحماس...؟ ووفق هذه المعادلة سنكون أمام انتخابات قائمة على المغالبة والمفاصلة التي لا تصلح مع فصائل مسلحة وكبيرة كحركتي فتح وحماس.
السيناريوهات المحتملة:
الجدل الدائر والسلوك السياسي للأطراف كافة يجعلنا نجتهد في استشراف المشهد السياسي المتعلق بعملية الانتخابات على النحو التالي:
1. سيناريو المناورة السياسية: قد يكون هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً وجوهره يقوم على إفراغ الرؤية الوطنية لإنهاء الانقسام التي قدمتها ثمانية فصائل فلسطينية من مضمونها عبر إثارة قضايا موازية تشغل الرأي العام فيها، مثل طرح الرئيس عباس للانتخابات العامة عبر منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
2. سيناريو إجراء انتخابات تشريعية في الضفة المحتلة: هذا سيناريو محتمل فالرئيس عباس يدرك استحالة موافقة أغلب الفصائل الرئيسة المشاركة في انتخابات تعترضها المطبات الثلاثة التي ذكرتها في هذا المقال، وعليه سيكون رفض تلك الفصائل مدخل لإجراء الرئيس عباس انتخابات بالضفة الغربية، وقد تشارك غزة والقدس الكترونياً أو شكلياً فيها حتى لا يسجل عليه أنه فصل الضفة عن الوطن.
3. سيناريو إجراء انتخابات تشريعية تشارك فيها أغلب الفصائل: رغم أن هذا السيناريو ضعيف إلا أنه غير مستحيل لا سيما لو:
• حصلت الفصائل على ضمانات محلية واقليمية ودولية بتحديد موعد الانتخابات الرئاسية.
• توافقت تلك الفصائل على المشاركة بشرط التصويت من داخل البرلمان على تعديل القانون الأساسي بما يغير شكل النظام السياسي باتجاه البرلماني. ويصبح منصب الرئيس فخرياً كما هو الحال في بريطانيا وإسرائيل وغيرهم.
4. سيناريو نجاح الضغط الفصائلي بإجراء انتخابات متزامنة. هذا السيناريو الأضعف، ولكنه ممكن التحقق لو تشكل لوبي ضاغط على كافة الأطراف.
الخلاصة: الانتخابات العامة مطلب شعبي وضرورة وطنية لإصلاح النظام السياسي ومدخل مهم لتحريك المياه الراكدة، ولكن كل ما سبق يتطلب الاعداد الجيد والحوار الوطني الجاد قبل الانتخابات، حتى لا تصبح الانتخابات نقمة وتؤسس لانقسام جديد، وتؤزم النظام السياسي أكثر مما هو متأزم اليوم.