التظاهرات العراقية من زاوية أخرى

مصطفى ملا هذال

2019-10-10 09:28

سخط وغضب، هيجان وضرب، مسيرات لجموع بشرية، يقابلها انتشار لقوات امنية، هكذا هو المشهد في العراق منذ عدة ايام، فقد خرجت الجماهير للمطالبة بالحقوق المسلوبة من قبل السلطات الحكومية على مدى السنوات التي عقبت تغيير النظام عام 2003.

دعوات لنشاطين على مواقع التواصل الاجتماعي قوبلت بتجاوب من قبل قواعد شعبية عريضة كانت جميعها تدعوا لتغيير النظام القائم في البلاد وفق انتخابات ديمقراطية واسس دستورية، اذ لم تختلف تلك المظاهرات عن سابقاتها بالمضمون لكنها اختلفت بنسبة الغضب والغليان.

الدستور العراقي يضمن حق التظاهر السلمي شريطة عدم التجاوز على الممتلكات العامة والحفاظ على السلم المجتمعي، لكن من الملاحظ ان المتظاهرين لم يلتزموا بقواعد التظاهر وتجازوا على المحضورات المحرمة من قبل الدستور العراقي.

بعيدا عن التعاطف مع مطالب المتظاهرين المشروع بعضها وتحليلا للامور من زاوية اخرى، نطرح السؤال التالي هل الهدف من الخروج هو لتغيير النظام ام لاصلاح الثغرات في العمل الحكومي؟.

فأذا كان سبب الخروج هو لتغيير النظام هنا لابد ان يخضع لضوابط وقواعد معينة، فبهذه الصورة التي خرج بها المواطنون لا يمكن ان نصل الى نتيجة سوى ازدياد اعداد المصابين وربما ارتفاع حصيلة الضحايا في آن.

الثورات التي تحصل في بعض البلدان وتنتهي بتغيير الوجوه الحاكمة تتميز بتكتيك عال وتنظيم مميز يعطيها القوة لاحداث التغيير المطلوب، اما الصفة الملازمة للمظاهرات العراقية بصورة عامة هي التخبط والعشوائية الى جانب العفوية الجماهيرية وفي الغالب لا يعول عليها كثيرا.

العراق قبل عام 2003 لم يكن كما هو اليوم ففي السابق يمكن ان تطيح المظاهرات برأس الهرم، اما اليوم فمن الصعب ان يحدث ذلك، لاسيما وان الحكومة تتسم بالشرعية وسلكت الطريق الانتخابي للوصول نحو كرسي الحكم.

يمكن القول ان العراق يسير تحت المظلة الامريكية والايرانية، فلا يمكن ان يحصل تغيير ما لم يكن تحت اشراف ومباركة الحكومتين وليس ضروري ان تسود الرغبة الشعبية وتحقق المطالب الشعبية، ففي ظل عدم اعطاء الضوء الاخضر للخارجين من اجل الاستيلاء وادارة دفة الحكم وهذا يمكن ان ندرجه ضمن الاحلام صعبة التحقيق، لم نتوقع اي انفراجه.

ربما ما شجع الجماهير الثائرة هو خروج المصريين على النظام القائم وتردي الخدمات المقدمة لهم بما في ذلك ارتفاع اسعار السلع والخدمات، الى جانب غيرها من الامور الحياتية، فمن الواضح انهم ارادوا السير على خطى المصريين ولكنهم اصطدموا بحاجز القمع والمعاملة العنيفة من قبل الاجهزة الامنية.

ما زاد الطين بلة هو اقدام المتظاهرين على حرق بعض الابنية الحكومية والاعتداء على الممتلكات العامة ما اعطى للسلطات الامنية المشروعية بالضرب والتفريق مما ادى الى موت البعض واصابة البعض الآخر ولم يعرف اين تذهب سفينة الاحتجاجات وبأي مرسى ستستقر.

كغيره من البيانات كان بيان الحكومة المركزية المتعلق بهذا الموقف الشعبي لا يرتقي وحجم المطالب ولم يستطع من اخماد الفتيل المشتعل، كونه لم ياتي بجديد سوى استكمالا لاساليب التزييف والتظليل المتبعة من قبل الحكومة على مدى سنوات وتحديدا في وقت الازمات، ما ولد حالة يأس لدى الجماهير وجعلهم يدورون في دائرة مفرغة.

لو تفحصنا الخارجين من اجل المطالبة بالحقوق وتوفير فرص عمل وخدمات نجد اغلبهم ممن لم ينتمي لاحزاب ولم يستفد من مفاصل الحكومة وقد يكون هو السبب الرئيس من وراء الخروج، اما الكثرة التي آثرت المكوث في المنازل فهي من الموظفين والمستفيدين بطريقة او بأخرى من الوضع القائم، فمن الممكن ان يؤثر الخروج ويهدد مصلحتهم وتقليل امتيازاتهم على اقل تقدير.

لكن هذا الامر لا يمكن ان نسحبه على المتظاهر المصري الذي يضع نصب عينيه مصلحة وطنه وشعبه اولا، فنجد في غضون سنوات خرجت الجماهير واجبرت السلطات على الاستجابة لمطالبهم وتحقيق رغباتهم واطاحت بمن تسبب في زيادة معانتهم، والسبب يعود بذلك هو عدم انتمائهم لاحزاب متعددة الاهداف والرؤيا كما هو الحال بالنسبة للشعب العراقي الذي نجد اغلب افراد العائلة لديهم ولاءات مختلفة لجهات متباينة.

ومن كل هذا يمكن القول ان الخروج في الوقت الراهن تحديدا لا يسمن ولا يغني كون العراق لم تغير بعد، البنى التحتية معطلة والمؤسسات الحكومية متخومة وتعاني من الترهل الوظيفي والبطالة المقنعة وبذلك تصبح جميع الوعود كاذبة ولا تخرج من إطار الضحك على الذقون.

الخطا الكبير الذي وقعت به الحكومات المتعاقبة هو اهمالها بناء مؤسسات انتاجية قادرة على استيعاب الطاقات البشرية من الخريجين وغيرهم، اكتفت بالحلول الترقيعية المؤقتة التي لا ترتقي الى لان تكون جزء من حل جذري يسهم وبشكل كبير في اسكات الاصوات التي بحت ولم تجد من يسمعها.

......................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا