هل غادرت تركيا المركب الاخواني؟

عبد الامير المجر

2019-09-16 06:10

تناقلت وسائل الاعلام مؤخرا، خبر احالة القيادي في حزب العدالة والتنمية، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي الاسبق احمد داود اوغلو الى لجنة تأديبة، تمهيدا لفصله من الحزب، بسبب انتقادات، وصفت بالحادة، لسياسة الحزب ورئيسه رجب طيب اردوغان .. وللحديث عن هذا الموضوع استضافت احدى الفضائيات محللين سياسيين تركيين، فلفت انتباهي ماقاله احدهما، وهو يصف واقع تركيا بعد ان تبخرت الكثير من احلام حزب العدالة والتنمية، بسبب سياساته الخارجية، اذ قال؛ تحدثوا عن (العمق الستراتيجي)، واذا بنا في كارثة ستراتيجية! وتحدثوا عن (صفر مشاكل) مع العالم، واذا بنا نغرق بالمشاكل!.

مقولة (صفر مشاكل) اطلقها احمد داود اوغلو نفسه، في بداية تسلمه حقيبة الخارجية، لكن الامور آلت الى ما هي عليه اليوم، حيث تعيش البلاد واقعا سياسيا يمكن وصفه بالمأزوم .. فهل كانت هذه المشاكل كلها نتيحة لسياسات حزب العدالة والتنمية ام فرضت على تركيا وتصدى لها الحزب بوصفه الحزب الحاكم؟ .. للانصاف، ان بعضها فرضت على تركيا، وبعضها الاخر، وهي الاهم، يتحملها الحزب الحاكم من دون ادنى شك، بسبب ايديولوجيته غير الواقعية التي القت بتركيا في اتون صراعات هي في غنى عنها تماما .. حزب العدالة والتنمية الاخواني، كان قد نهض بمشروع تنموي كبير، منذ عقدين، وبسبب ذلك اكتسب شعبية واسعة، مكنته من البقاء في السلطة كل هذه المدة، بل تمكن من تغيير الدستور وتقعيد الدولة التركية على هواه، بعد ان حوّل النظام الى رئاسي.

لكن الذي لم يعرفه الكثيرون، ان هذا الحزب، وحسب ما تذكر مصادر عليمة، تلقى دعما غير مباشر من الولايات المتحدة، بعد وصوله السلطة، وربما قبل ذلك، بهدف صناعة دولة اسلامية (سنية) لتكون الضد النوعي لإيران (الشيعية) بغية تحقيق هدف ابعد، الا وهو صناعة وتسويق سرديات ثقافية جديدة، في المنطقة، بديلة عن السرديات السابقة.. يسارية ماركسية ويسارية قومية ويمينية ليبرالية وغيرها. اذ كان المطبخ الدولي يعد المنطقة لاحداث كبيرة، ويجب ان يكون هناك غطاء ثقافي كبير، يعطي زخما لهذه السرديات الجديدة وهو ماحصل ... تمكن اردوغان، وبسبب المليارات الاميركية في البنوك التركية مع بداية تسلمه السلطة، من تنفيذ مشروعه التنموي، وباتت تركيا مثلا يحتذى، لاسيما لمن لديهم ميولا اسلامية، وقوة سياسية ثقيلة، مؤهلة لان تكون ندا لايران، ورافق هذا زخم عاطفي تمثل بموقف جديد على السياسة التركية، تمثل بشعار الوقوف مع القضية الفلسطينية، لقطع الطريق على الغريم الايراني الذي رفع الشعار نفسه .. واتجه الدعم التركي، كما الايراني، لحركة حماس والفصائل الاسلامية الراديكالية الرافضة للحوار مع اسرائيل، مع ان تركيا، الدولة، تعترف باسرائيل وتقيم معها علاقات طبيعية منذ الخمسينيات، ولم يتغير جوهر هذا الموقف بعد وصول حزب العدالة والتنمية الاخواني للسلطة!

مع بداية احداث (الربيع العربي)، عملت تركيا على مستويين، الاول، جاء نتيجة لتصورها بان الانظمة المستهدفة ستسقط بارادة اميركية، ولابد من تواجد تركي في الميدان السياسي وحتى العسكري، لكي لاتترتب عليها استحقاقات قاسية، لاسيما تلك التي حصلت على ابوابها، كالازمة في سوريا، وتداعياتها الكردية.

اما المستوى الثاني فتمثل بدعم الاحزاب الاخوانية في البلدان المضطربة، لتعيد رسم خارطة علاقاتها مع البلدان العربية بنكهة عثمانية محدّثة! وهو ما عمل عليه اردوغان وبقوة ومضى بعيدا فيه من دون تحسب لحساسية الشرق الاوسط وخرائطه الجيوسياسية، وتنافس مع ايران في هذا الامر باكثر من ميدان، وبالغطاء الثقافي المشار اليه والحضور العسكري المتمثل ب(التنظيمات الجهادية ) التي صارت تركيا ممرها، واحد اهم ميادينها اللوجستية، لاسيما في سوريا التي غرقت فيها تركيا تماما، ووجدت نفسها فيما بعد منكشفة ستراتيجيا تقريبا، بعد ان عرفت ان دولة كردية بصناعة اميركية تسربت من وسط الخراب السوري، الذي اسهمت بصنعه! لكن تصادم المصالح الروسية والاوربية مع اميركا، انقذها وخلط الاوراق في اكثر من ميدان، ابرزها مصر وليبيا وتونس وغيرها.. الاّ ان الاهم هو قطيعتها الكبيرة مع السعودية، وانحيازها لقطر بعد الازمة الخليجية، وبذلك انحسر عمقها الستراتيجي اكثر، وتحول الى طوق مخيف! وبات(صفر مشاكل) مع المحيط، طرفة سياسية .. وهكذا بدات اوراق هذا الحزب تتساقط، وشعبيته تتقلص، والوضع الاقتصادي بدا يتداعى، ليخسر اهم معاقله (بلدية استنبول) في الانتخابات المحلية الاخيرة، ووجد نفسه امام مستقبل ينذر بالمزيد من الكوارث.

هل حصل هذا بعيدا عن التاثير الاميركي في المنطقة؟ .. نرى ان الامر مدبرا، كما بدأ مدبرا ولهدف لم يعد خافيا على المتابعين، فالسلطة في تركيا يجب ان تعود علمانية، لان المرحلة استوفت استحقاقاتها والثقافة الحاملة لتلك المرحلة يجب ان تتغير ..!

نشك ان اردوغان قرأ الواقع الدولي وخارطة التوازنات بروح رجل الدولة، بل بروح العقائدي الذي لايناسب واقع وموقع دولة بثقل تركيا، فاقدم على مغامرته في سوريا بهذه العقلية وعمّق خلافاته مع السعودية ومصر وقوى سياسية مهمة في لبيبا وتونس وغيرها، ليحصد هذه الثمار المرة، ويبدا رحلة المغادرة، عاجلا او آجلا!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

مستقبل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وآثارهاالتعليم العالي: المشهد المحذوفضرورة الشراكة العراقية التركيةالخواطر النفسانية والوساوس الشيطانيةالسياسية الامريكية في المنطقة فقاعة ضارة