المواطنة اليوم: حكايات حقيقية!

د. ميثاق بيات ألضيفي

2019-08-03 06:12

مفهوم المواطنة أصبح موضوعًا للدراسة وموضوعًا للمناقشة وشعارًا في خطب السياسيين وعلى الرغم من أن الكثير منهم لا يبدو أنهم يفهمون معناه ولا حتى طبيعة آثاره، وفي عصر التحولات الاجتماعية ينجذب الاهتمام لأشكال وخصائص العمليات السياسية باختيار العوامل التي تحدد اتجاه التنمية الاجتماعية وآفاقها فتم إيلاء اهتمام كبير لفهم مفهوم "المواطنة" الذي هو غني بالمحتوى في أهمية عملية تشكيله للثقافة وللوعي لكنه يكتسب تقليديا أهمية خاصة في الفترات الصعبة لتطور الدول حينما تكون وحدة المواطنين ووحدة البلد والمسؤولية المشتركة عن مصير وطنا ما حاجة ضرورية.

واليوم أصبح لهذا الموضوع مرة أخرى صلة في عملية تحول العولمة المرتبطة بتغير القيم الثقافية التقليدية مع "تآكل" الروابط الاجتماعية وتوحيد أشكال الحكم كي تصبح المواطنة عاملا وشرطا لاستنساخ العلاقات الاجتماعية وذلك في نطاق من الالتزام المعتاد بالقانون انسياقا إلى النشاط المدني والمسؤولية الواعية بماهية مصير الدولة، قد انعكست المواطنة كأيديولوجية مدنية في شكل الوطنية والواجب المدني غير إننا إن تمعنا فيهما فأننا سنجد إن الوطنية ليست هي المواطنة إلى درجة انه يمكن أن يكون الجمع بين صفات المواطن والوطني منتجا لشخص مختلفًا ويمكنك أن تكون وطنيًا ولكنك لست مواطناً ويمكنك أن تكون مواطناً وليس وطنيًا، وحاليا هناك عمليات التحول المعقد في الاقتصاد والسياسة الهوية الوطنية إذ يؤدي تكوين المواطنة دورا هاما فيفهم الشعب أن تطور الدولة وإدماجها في نظام المجتمع المتحضر يعتمد على مدى استعداد المواطنين للمشاركة في هذه العمليات، وهي واحدة من المفاهيم الأساسية لمفهوم المجتمع المدني وتدعي أنها تغطي جميع الصفات والقدرات الكامنة في الأفراد كالقدرة على التفاعل مع الآخرين من أجل الأهداف المشتركة والقدرة على إخضاع المصالح الشخصية للطموحات الوطنية المشتركة، فتتمتع بنموذج تكاملي معقد يمكن تحقيقه عبر فهم المواطنين لقيمة حقوقهم وحرياتهم وواجباتهم التي تعكس مصالح المجتمع من خلال وجود علاقات مدنية متكونة بالفعل للمواطن.

تم تفسير المواطنة على أنها مؤشر على نضج المجتمع ويكون جوهرها إشراك كل مواطن في إنجازات وطنه كإحساس بالفوائد الاجتماعية والوطنية وكمجموعة من الصفات المعنوية عالية التطور والتي تؤكد على نضج المعرفة المشتركة السياسية والقانونية، وهذا الفهم المتعدد للمواطنة يعطيها وضع فئة متعددة التخصصات لتعتبر في الجوانب الاجتماعية والقانونية والفلسفية والسياسية والنفسية والفكرية مستوى لتطور الوعي الديمقراطي ولتبني القيم الديمقراطية من قبل المواطنين وتجربة العلاقات الديمقراطية التي تحدد معايير ومبادئ التفاعل الاجتماعي والقانوني للدولة والحكومة مع مؤسسات المجتمع المدني مع المواطنين الأفراد ومع المنعكس والمكرس في القوانين القانونية فأن الواجب الأخلاقي يقيس مدى تقارب المجتمع لمثل تلك الواجبات والمسؤولية والكرامة والضمير والوطنية والشعور بالوحدة مع البلد والمجتمع والتفاؤل الاجتماعي وحب الوطن والتصميم والمرونة في التغلب على صعوبات الحياة والإمكانات الإرادية في الأنشطة التي تهدف إلى تحقيق الرفاه والخبرة في التغلب على الصراعات ومنعها والشعور الاجتماعي والوطني في الفائدة والتسامح. والمواطنة هي عملية ووسيلة فعالة لتشجيع وتفعيل الأنشطة السياسية للسكان وتفعيل القدرة السياسية والاستعداد لتكوين مواطن يتمتع بكافة الحقوق الممنوحة بموجب قوانين الدولة والوفاء بجميع الالتزامات القانونية لتنفيذ وأداء الواجبات، كما أنها نظام تاريخي يتكون من القواعد والتقاليد المقبولة بسياق التجربة التاريخية والاجتماعية والعملية لتنظيم العلاقة بين المواطنين والدولة والمجتمع المدني، وعبر ذلك تتجلى الصفات الشخصية من خلال مجمع من سمات الشخصية الذاتية في العلاقات والأعمال البشرية التي يؤديها وظائف الدور الاجتماعي الرئيسة واحترام القانون والمواجهة والصراع لتقرير المصير للدور كإعداد اجتماعي أساسي جوهره رغبة الفرد في قبوله بوعي وتنفيذ قوانين ومتطلبات دولته أو إدارتها طواعية.

وهناك طرق مختلفة لفهم مفهوم المواطنة لأنها مجموعة من القواعد والموارد التي تساعد على إنتاج وعلى إعادة إنتاج المؤسسات الاجتماعية فهي تتمثل في توجيه منطق التنمية الاجتماعية للبلاد إلى خدمة المصالح العامة والوحدة الروحية لجميع الناس والتغلب تدريجيا على الأزمة العالمية والعقبات ذات الطابع الاقتصادي والسياسي والفكري، وفي عملية تعزيز الدولة الحديثة إذ هناك حاجة متزايدة للمواطنين النشطين اجتماعيا والذين يشكلون ويحافظون على انظمة التربية المدنية لأن سلبية البعض سياسيا واجتماعيا تعيق تطور البلد وتنشط التوترات المجتمعية، وفي ظروف تكاملية مكثفة يمكنها أن توفر الوحدة في التنوع الحضاري كعنصر تكاملي لتفاعل المجتمع مع مكونات المواطنة الأخرى للمجتمع المدني. وتحدد المواطنة معايير ومبادئ التفاعل الاجتماعي والقانوني للدولة مع مؤسسات المجتمع المدني ومع المواطنين وهي أيضًا وسيلة فعالة لتفعيل نشاط الدولة من جانب السكان وتوحيد الدولة والمجتمع والمواطن، وأن الصفات التكاملية للشعور الواعي والمتطور بالعدالة والمسؤولية أمام القانون والاستعداد للوفاء بواجب المرء الأخلاقي وممارسة قدرته الذاتية.

وهنا لا يجب إن ننسى الوظائف الرئيسة للمواطنة والتي تتضمن موقفاً نشطاً لما يحدث من حيث تكوين المجتمع المدني وتنميته لأنها مرتبطة بوضع الأهداف وتعطي الاستقرار لأفعال الاتحادات الفردية والأهلية تبعا لخصائص التنشئة الاجتماعية البشرية وخصائص البيئة الاجتماعية والوطنية والروحية، فلذا ينبغي التأكيد على الفهم المتناقض للوعي المدني من وجهة نظر سلطة الدولة والمجتمع المدني لأنها تظهر في كثير من الأحيان في أشكال احتجاج تعتمد على طبيعة النظام السياسي وتعتمد توحيد أشكال الاحتجاج على التغلب على هذا التناقض بمهمة عاجلة للدولة وللمجتمع المدني وتحدد الأساس النظري لتفاعلها مع متطلب المحتوى الموضوعي المناسب.

وليتم تقديم الامتلاء الكامل للمواطنة من خلال أفكار صالحة بشكل عام عن ضمانات الأمن الشخصي والعدالة الاجتماعية يمكن تمييز مفهومها بالمغزى كعنصر موضوعي في شكل متطلبات المواطن الذي يطرح المجتمع والدولة والذاتية وعندما تساهم مصالح ونشاط المواطن أو تتعارض مع متطلبات الدولة ستتجسد المواطنة اجتماعيا بالتجسد في مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها مجالًا للنشاط المدني، ولذا فمن المنطقي الافتراض أن المواطنة يمكن أن يكون لها هيكل متعدد المستويات ويستند إلى معايير تكوين والتجلي في الاستعداد الجزئي لممارسة حقوق وواجبات المواطن ومن الممكن لها عبر تحديد درجة عالية من النضج وتكوين الصفات المدنية ليتم تنشيط الكشف عن استعداد عالي لممارسة حقوق وواجبات المواطن.

تؤثر المواطنة على النظام العام ونوعية مساعدة المواطنين للسلطات العامة المحلية والنظام المدني الذي يضمن الحريات والحقوق والآليات الاجتماعية لتنفيذها والتعبير عن طاقة الناس والاستقلال الاجتماعي والسياسي للمجتمع المحلي، وإن تشكيل وتطوير المواطنة شرط أساسي لتشكيل المجتمع المدني لذا يجب على المجتمع والدولة تعزيز تنمية المواطنة وتشجيع المبادرات المدنية وأخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرارات السياسية لأن مشاركة المواطنين في الحياة العامة تعتمد إلى حد كبير على فعالية تفاعل مؤسسات المجتمع المدني مع الدولة لتعزيز التماسك الاجتماعي والحوار بين الثقافات فضلاً عن زيادة دور التنوع وصولا لتحقيق المساواة الناضجة، والمساعدة في تحقيق أقصى قدر من الانفتاح والشفافية والمساءلة لمجتمع السلطات التنفيذية والحكومات المحلية ونمو رأس المال الاجتماعي لزيادة مستوى الثقة المتبادلة والتفاعل في المجتمع لتهيئة ظروف مواتية لتشكيل وتشغيل مؤسسات المجتمع المدني وضمان مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في تشكيل وتنفيذ السياسات الحكومية والإقليمية لاسيما عن طريق تهيئة الظروف لضمان أوسع نطاقا للتمثيل الفعال لمصالح المواطنين في الهيئات الحكومية التنفيذية والمحلية وعقد مشاورات منتظمة مع الشعب حول القضايا الرئيسية في حياة المجتمع والدولة وان تطوير المجتمع المدني يحتاج إلى دعم الدولة وتشجيع المبادرات المدنية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة فلذلك تجدر الإشارة إلى أن الدولة نفسها تحتاج أيضاً إلى مجتمع مدني متطور مما يسمح لها بتحديد أولويات سياساتها بوضوح ومشاركة المسؤولية التنفيذية ولذا فمن الضروري الآن إنشاء نموذج فعال للتفاعل بين الدولة والمجتمع وهادف إلى تكوين وابراز المواطنة المدنية وتفعيلها.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا