الازمة السورية ورياح التغيير القادمة

باسم حسين الزيدي

2015-04-28 02:55

عادت الازمة السورية الى صدارة المشهد الشرق اوسطي من جديد، على الرغم من وجود قضايا اخرى مهمة وقعت مؤخرا منها "عاصفة الحزم" السعودية في اليمن والتي استأثرت بالكثير من الاهتمام والمتابعة من قبل المراقبين والمحللين، والازمة في ليبيا وصراع الميليشيات فيها، والتي اثرت سلبا على اوربا بعد تزايد اعداد المهاجرين اليها، والتي تحولت الى تجارة رائجة اسفرت عن غرق المئات في عرض البحر، وسط مطالب اوربية بالتدخل العسكري لمنع "قوارب الموت"، ويعود سبب هذه العودة "السورية" الى جملة من الاسباب التي يمكن ذكر اهمها:

- تقدم مقاتلي الحركات الاسلامية (التي من ضمنها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة) في محافظة ادلب شمال غرب البلاد، والتي ضمنت لهم الوصول قريبا من مناطق تواجد النظام السوري (خصوصا اللاذقية)، فضلا عن قطع الإمدادات عن عدد من القواعد العسكرية المهمة التابعة للجيش السور، واحكام قبضتهم على شمال سوريا، بالتزامن مع سيطرة تنظيم "داعش" على "دير الزور" شرقا، وسيطرة المسلحين المدعومين من الغرب جنوبا.

- قرب انطلاق الخطة التي تبنتها الولايات المتحدة الامريكية ودعا اليها الرئيس الامريكي "اوباما" بتدريب وتسليح مقاتلين سوريين قد يصل عديدهم الى (15) الف مقاتل، ورصد لها ميزانية تفوق المليار دولار، وقد تشترك فيها دول مثل تركيا والادن والسعودية وقطر.

- اللقاء المرتقب بين رئيس الولايات المتحدة الامريكية وقادة دول الخليج في منتجع "كامب ديفيد" في منصف الشهر القادم، والذي سيجري فيه "حوار صعب" بحسب ما قاله اوباما، وسبق الرئيس الامريكي هذا اللقاء اشارة من قبل الرئيس الامريكي حول الوضع السوري حيث قال لصحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية "أعتقد أنه عند التفكير فيما يحدث في سوريا على سبيل المثال، فهناك رغبة كبيرة لدخول الولايات المتحدة هناك والقيام بشيء ولكن السؤال هو: لماذا لا نرى عرباً يحاربون الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب ضد حقوق الإنسان أو يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس السوري بشار الأسد؟.

- جملة المتغيرات الاقليمية التي طفت على سطح الاحداث مؤخرا، منها المؤشرات الايجابية بالمفاوضات النووية الايرانية، والصراع الاقليمي في اليمن الذي أنتج "عاصفة الحزم" والتحالف العربي العسكري بقيادة السعودية، والتسريبات بشأن التقارب السعودي-التركي-القطري حول سوريا وامكانية تشكيل محور ثلاثي لتغير المعادلة السورية.

طبعا في اعادة الذكريات الى الوراء قليلا، وفي بداية الازمة السورية (تحديدا خلال او عامين من بداية الازمة)، خسر النظام السور العديد من الاراضي لصالح التنظيمات والحركات المسلحة التي قاتلت النظام، وكان ابرزها تنظيم "داعش" وجبهة "النصرة"، حتى زادت التوقعات بقرب نهاية وانهيار النظام في اي لحظة، لكن هذا لم يحصل، واستمرت عملية التوازنات بين اطراف النزاع والجهات الداعمة لها حتى اليوم (والازمة دخلت عامها الخامس)، كما كان للدور الذي قدمته ايران وروسيا وحزب الله دور كبير في اعادة هذا التوازن عند حدوده المعروفة في الوقت الحاضر، وكانت الولايات المتحدة الامريكية ترغب في المحافظة على هذه التوازنات التي تمنع على الاقل انهيار النظام قبل القضاء على التنظيمات المتطرفة او احتواء خطر انتشارها، واكتفت بتدريب ودعم مجاميع مسلحة صغيرة انتشرت في الجنوب (بالقرب من الحدود الاردنية والاسرائيلية) تكفلت بها وكالة المخابرات الامريكية، كما تعاونت مع روسيا في تدمير الاسلحة الكيماوية التي بحوزة النظام السوري، اضافة الى قيامها بضربات جوية ضمن "التحالف الدولي" الذي دعت الى تشكيلة لاستهداف المنظمات الارهابية في العراق وسوريا من دون ان تستهدف اي منشآت او مقاتلين تابعين للنظام السوري.

واليوم تجري خطوات أكثر جرأة مع قرب انتهاء الولاية الاخيرة للرئيس الامريكي "اوباما" لتغيير المعادلة القائمة منذ اكثر من سنتين ونصف، معادلة جديدة قد تتوحد فيها اطراف كانت مختلف في رؤيتها السابقة للحل السوري لكنها تشترك في ضرورة اسقاط النظام بتدخل عسكري بري يمكن ان يتم عبر التواصل مع المجاميع المسلحة التي احرزت بعض النجاحات في الاسابيع الماضية، ويبدو ان الولايات المتحدة قد لا تعارض هذا التصعيد او التغيير، الا ان لديها العديد من التحفظات والمخاوف.

اما التحفظات فهي ترغب في تغيير نظام الاسد، لكنها لا تريد رحيلة من دون وجود ضمانات حقيقية بعدم تسليم البلاد الى الجماعات الاسلامية المتطرفة او المنظمات الارهابية كـ"داعش" و"القاعدة"، كما ان لديها العديد من التحفظات بشأن القوى السياسية التي يمكن ان تقود البلاد لما بعد مرحلة بشار الاسد، وهي تحتاج الى ضمانات اخرى لعدم تكرار فشل "عاصفة الحزم" في تحقيق اهدافها مع الاختلاف الكبير للوضع اليمني عن السوري، خصوصا وانها لا تريد استبدال الفوضى السورية بفوضى تشابه في تركيبتها السياسية لما يحدث في ليبيا او اوكرانيا على سبيل المثال، وفي ذات الوقت تبقي نفسها على الحياد مع بقاء ضرباتها الجوية في سوريا والتي تستهدف من خلالها العناصر المسلحة التابعة للتنظيمات المتطرفة.

واما المخاوف، فهي تراقب ردة الفعل الايرانية والروسية المتوقعة ازاء تطور الاوضاع في سوريا، اضافة الى ردة فعل النظام السوري نفسه، وهي ردة فعل قد تكون عنيفة وتؤثر ارتداداتها على دول عديدة في منطق الشرق الاوسط، فالخليج واسرائيل والعراق واليمن كلها مناطق يمكن ان تتأثر باللازمة السورية في حال حدث اخلال في المعادلة الحالية، وشعر حلفاء الاسد بالخطر من امكانية سقوط الاسد.

لكن ومع امكانية حدوث هذا السيناريو التشاؤمي في سوريا والمنطقة، هناك حديث يدور حول وجود مفاوضات بين الاطراف الفاعلة في الازمة السورية (وبالأخص السعودية وايران) برعاية الولايات لمتحدة الامريكية ووساطة خليجية، للتوصل الى حل وسطي يمكن ان يمهد لحل يرضي جميع الاطراف، وقد تأتي هذه الانتصارات الاخيرة للمعارضة والجماعات المتحالفة معها، كورقة ضغط سياسي من اجل الجلوس على مائدة الحوار، او كمقدمة للتفاوض، وبالتالي يمكن ان نستشعر ان الفصول القادمة من الازمة السورية ستحمل الكثير من رياح التغيير من دون ان تميل لطرف دون اخر.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي