"خيبة الامل" السعودية في اليمن... الأسباب والعبر

باسم حسين الزيدي

2015-04-23 01:27

بمجرد اعلان وزارة الدفاع السعودية عن انتهاء حملة "عاصفة الحزم" وبدء عملية "إعادة الامل" وفقا لقرار مجلس الامن الأخير بخصوص الوضع اليمني، انبرى الفريقان في تفسير العملية العسكرية السعودية بين "الحزم" و"الامل"، بعد ان اجتهد الفريق الأول في توضيح "النصر السعودي" ضد "المد الإيراني" في اليمن، فيما راح الفريق الثاني يعلن "الصمود الأسطوري" للشعب اليمني وفشل "العدوان السعودي" في النيل من ارادته وكرامته، والحقيقة كما بدأت قبل 26 يوما من الضربات الجوية للسعودية وحلفائها، ان العدو تم صناعته وتضخيمه في الداخل السعودي، وان من اشرك ايران في اللعبة اليمنية هم السعوديون انفسهم، وهم من اعطاهم الجائزة من دون عناء يذكر، كما ان صالح الذي كان صناعة سعودية بامتياز اصبح اليوم هو اس المشكلة بدلا من الحوثيين، بعد ان تنامت الاخبار الى قرب رحيلة وعائلته ضمن شروط الوساطة التي قامت بها "عمان"، على ارجح الاقوال، بين الحوثيين والسعوديين.

ليس المهم من ربح الحرب ومن خسرها اعلاميا، المهم ان نعرف سبب الحرب؟ والعبر التي يمكن ان يستخلصها أطراف النزاع (وبالأخص السعودية) من هذه الحرب؟

طبعا الجميع يتفق على ان المواطن اليمني البسيط هو من كان الضحية رقم واحد في هذا النزاع الذي لم يكن طرفا في افتعاله، والمفارقة الطريفة ان سبب الحرب المعلن كان من اجل المواطن اليمني وعودة الشرعية...الخ، من الأسباب، لكن عندما أعلنت الأمم المتحدة عن ارقام مفزعة نتيجة للحرب، منها نزوح عشرات الالاف ومقتل وجرح الالاف، والنقص الحاد في الامدادات الطبية والغذائية لشعب يعاني من الفقر، لم يكن الامر كما بنى عليه قادة التحالف امالهم في تغيير الخارطة العسكرية والسياسية التي بناها الحوثيون على الأرض من السماء، حتى ان غارات التحالف عادت، بعد ساعات من اعلان ايقافها، لتقصف الحوثيين بعد ان تمكنوا من السيطرة على مقر اللواء 35 مدرع الموالي للرئيس "عبدربه منصور هادي" شمال تعز، ما يجعل التحالف في اقصى مواقف الاحراج والحيرة، التي انتابتهم أيضا بعد فشل الجهود السعودية للتحشيد البري المفترض لإخضاع الحوثيين بالقوة، وهو امر لم يحدث بعد انسحاب باكستان تحت غطاء الديمقراطية، ومصر بحجة الإرهاب وحماية باب المندب، وتركيا برعايتها للسلام والحل السياسي للخروج من الازمة اليمنية.

كان سبب الحرب منذ انطلاقها يتمركز على عدة نقاط، استطاعت السعودية ودول الخليج لاحقا صياغتها بقرار صدر من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

1. سحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء.

2. الامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض-أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة، بمعنى سلب قدرة الحوثيين على أي تهديد مستقبلي لأمن المملكة.

3. عودة الشرعية المتمثلة بالرئيس "هادي"، إضافة تنفيذهم متطلبات القرار الاممي السابق بالرقم 2140.

4. راعية أي حوار سياسي تكون تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، والسعودية تحديدا من خلال عقد مؤتمر للحوار في الرياض لدعم العملية السياسية.

5. إطلاق سراح بعض القيادات والوزراء الذين تحتجزهم حركة أنصار الله.

ويبرز في النقاط جانب أمنى واخر سياسي، الأمني تعامل معه الحوثيون بحذر وذكاء، فعلى الرغم من امتلاكهم لأسلحة يمكن ان تحدث فارقا في الحرب، الا انهم لم يستخدموها حتى اللحظة الأخيرة، وهو ما عقد طبيعة الصراع ولم يعط سببا وجيها للرد السعودي، كما ان الضربات الجوية لم تكن بذلك الذي يجبر الحوثيين على ترك شبر واحد من الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، بل العكس صحيح، حيث اعطى القصف سببا إضافيا للتحرك نحو السيطرة على المزيد من الأراضي والمحافظات اليمنية بمساعدة الجيش اليمني، بعد ان تحرك تنظيم القاعدة وانصار الرئيس الهارب "هادي" للحصول على المزيد من الأراضي أيضا، في دوامة غريبة كانت الغلبة فيها لمن يأخذ اكثر، ولم يتمكن أيضا "انصار هادي" او القبائل السنية المتحالفة مع السعودية من إيقاف تقدم الحوثيين او انتزاع ما حصلوا عليه بعد عاصفة الحزم.

سياسيا لم تكن هناك رغبة من قبل الحوثيين بتولي السعودية إدارة الحوار السياسي، وطالبوا بطرف محايد، وهو نفس السبب الذي دعاهم لرفض الاعتراف بالرئيس "هادي" كممثل لليمنيين او السلطة فيها، ويبدو ان السعودية ستقبل بطرف محايد لإدارة الحوار السياسي، بعد ان اثبت الحوثيون انهم طرف حقيقي لا يمكن تجاهله او تهميشه في حال أراد السعوديون إنجاح العملية السياسية اليمنية او تحقيق المصالحة والحوار اليمني بين جميع الأطراف.

ويمكن الخروج بخلاصة من 26 يوما من عاصفة الحزم التي اعادت السعودية الى البحث عن الامل في اليمن، وهي خلاصة ينبغي اخذ الكثير من العبر منها:

- لا يمكن حل جميع الخلافات بالحروب والقصف والقاء القنابل، ويمكن لأفعال من هذا القبيل ان تغير المعادلة بصورة عكسية.

- الحلفاء لهم مصالحهم أيضا، باكستان، مصر، الولايات المتحدة...الخ، لم تدعم السعودية كما ارادت هي، حتى ان البعض (سياسيين وقادة) اعتبر موقف باكستان مثلا، تخاذلا وخيانة للسعودية، لكن الحقيقة ان للأخرين مصالح وأنظمة متبعة، فلا يمكن اعلان الحرب ثم الطلب من الاخرين المشاركة بهذه السهولة.

- الحل السياسي لاحتواء الازمات هو الأفضل دائما، والحرب هي التي تخلق لك أعداء دائمين، فالحوثيون لن تعود علاقاتهم مع السعودية بعد عاصفة الحزم لما قبلها، مثلما لن تعود علاقتهم بإيران كما كانت قبل عاصفة الحزم، ودائما ما يكون "احتواء الازمة أفضل من تفجيرها".

- السعودية والخليج بحاجة الى رؤية استراتيجية مستقبلية واضحة لتعزيز امن الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، بعيدا عن "الاستراتيجية الكلاسيكية" التي تتبعها من عقود في إدارة الصراع والحروب بالوكالة والتي استنزفت مواردهم المالية ورفعت وتيرة الصراع الطائفي، فضلا عن تنامي ظاهرة الإرهاب، وهذا لا يخدم المنطقة ولا امنها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي