حادثة المسجد النيوزلندي: الوجه الخشن للكراهية الناعمة
عادل الصويري
2019-03-19 06:54
"دعونا نبدأ هذه الحفلة"، بهذه العبارة المتفائلة بحدث قادم؛ استهل الأسترالي المأزوم (برينتون تارانت) عمله الوحشي بمهاجمة المصلين في مسجد النور بنيوزلاندا فاتحاً عليهم النار من رشاش كان بيده، بعد أن مهد لهذا الفعل الإرهابي تمهيداً سينمائياً من ناحية الإخراج والتنفيذ، حيث ارتداء الملابس العسكرية، وتصوير العملية منذ البداية، فضلاً عن أنغام الموسيقى التي رافقت التنفيذ.
حسناً نحن هنا إزاء حادث يتعلق بالكراهية لا غيرها. إنها الكراهية الناعمة التي رافقت سلوكيات اليمين المتطرف لعقود من الزمن، واتخذت عدة أشكال كالتفريق العنصري بين البيض والسود، أو منع فتح الحدود أمام ملايين اللاجئين الفارين من جحيم الحروب التي تفتك بالإنسانية؛ بسبب الأطماع الوحشية والإرادات الشريرة لما يعرف بالدول الكبرى التي لا هم لها سوى بسط نفوذها على العالم، وجعله ساحة للتصارع. لكن الوجه الناعم للشعبوية المطلية بالكراهية المقيتة لم يجد نفعاً على ما يبدو، أو لم يحقق أهدافه المرجوة في فترة زمنية محددة؛ فكان لابد من استنفار الضد النوعي وهو الخشونة. والخشونة تجلت بوضوح في حادثة صلاة الجمعة في نيوزلاندا.
وقد يقول قائل: ما علاقة اليمين أو الفكر والسياسة بأحداث المسجد النيوزلندي؟ ولماذا لا نصنف الحدث على أنه عمل فردي نتج عن شخص مريض أو مختل أو له توجهات تحث على العنصرية بنسبة معينة؟ وجوابنا على هذين السؤالين هو : دعونا ننظر بشيء من التحليل لتداعيات الحادثة، إذ بدأ المنفذ بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وصلت بحسب التقارير إلى 70 صفحة تحدث فيها عن استيائه من الأعداد الكثيرة للمهاجرين إلى الغرب ، وعند هذه النقطة لابد لنا أن نربط مع التوجهات العامة لصعود اليمين وعرابه دونالد ترمب ، فضلاً عن العنوان الرئيس الذي وضعه لمنشوره العنصري وكان عنونه (البديل العظيم) وهي هتاف استخدمه مناهضو الهجرة، وهذا يعني أن الإرهابي الأسترالي جزء من منظومة تحاول فرض قيم الكراهية والتطرف وتوجيهها باتجاه المسلمين حصراً، وهذه القيم لها مريدون حتى على مستوى رجال السياسة، بدليل موقف سيناتور أسترالي حاول تبرير الحادثة الإرهابية حين وصف المسلمين الذين راحوا ضحايا لهذه الجريمة أنهم ينتمون لدين يمثل (أصل أيديولوجية العنف) وإن السماح بهجرة المسلمين إلى نيوزلاندا هو السبب الرئيس لهذا الحدث، ومثل هكذا تصريحات تصدر من شخص مسؤول لابد أن تكون وراءها رسائل بمعنى محدد.
ولنعد إلى الإرهابي الأسترالي، ولنعتبر أن منشوراته هي مجرد الاستفزاز؛ ترى ما الذي يبرر إفراد مساحات زمنية من وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لبث جريمته على الهواء مباشرة ، وكيف نبرر البرود الغربي تجاه الحادث؟ الأكيد أن هذا الشخص ليس مختلاً عقلياً، وليس مريضاً نفسياً، بل هو شخص مثقف، ومتسلح بأفكار عنصرية انتمى لها وآمن بها بصفتها خلاصات للنازيين الجدد، ويمكن تبيان ذلك من خلال جملة كتبها على بندقيته وهي : " لابد لنا أن نقوم بتأمين وجود شعبنا الأبيض، ونؤمن مستقبل أبنائنا البيض"
ومع كل هذه التداعيات لا يمكن لنا تصنيف الحادثة على أنها عمل فردي؛ لأن مثل هذا التصنيف لن يكون سوى نكتة سمجة وغبية.
الكراهية من الخشونة إلى الاعلام الناعم
وأمام هكذا أعمال إرهابية وحشية؛ فإن من الطبيعي أن تضج وسائل الإعلام المختلفة، وتستنفر برامجها من أجل تغطية الحدث، والتعريف بملابساته، فكيف يا ترى كان التعامل الإعلامي؟
الاعلام العالمي تماهى مع برود المواقف الغربية المكتفية بالتنديد، وبالعبارات الرومانسية المستهلكة، لكن الغريب في وسائل الإعلام أنها حرصت على إخفاء وجه الإرهابي حين ظهر مكبلاً في قاعة التحقيق فضلاً عن إطلاقها توصيف (الجريء) و (غير الخائف)، وكأنَّ سعياً من الرأي العام يحاول تخفيف الكراهية الخشنة والبشعة، وإلا ما الذي يجعل الوسائل الاعلامية تخفي وجه هذا القاتل، وهو الذي لم يخف وجهه أثناء تنفيذ جريمته بالأبرياء المصلين؟
لقد نفذ جريمته ــ كما قلنا ــ بعد تمهيد أشبه بالسينمائي، ويقترب كثيراً من آليات الألعاب الإلكترونية التي تغزو عقول أولادنا وتستعمر ذهنياتهم وأوقاتهم ، فلماذا يظهر هو وجهه ويكشف عن مسعاه وقصدياته في حين تعمد وسائل الاعلام على إخفائه؟
ومع تزامن الحدث مع حدث مماثل في مسجد آخر بنفس البلد، لابد لنا من القول: إننا في مرحلة انتقالية من كراهية ناعمة إلى خشنة تستخدم الإرهاب؛ لتنفيذ مشاريعها، وإيصال رسائلها، وأي تنظير يحاول تسويف هذا الفعل، أو تبريره، وتصنيفه على أنه عمل فردي سنقول له: عفواً نحن نحترم عقولنا.