الانبار بين عقدة حفظ الامن وصراع الارادات
باسم حسين الزيدي
2015-04-20 02:16
الانبار كبرى محافظات العراق، تحتفظ بنسبة الثلث من حجمه او بمساحة تقدر (138.5) كلم2، وتحدها 3 دول عربية (سوريا، الأردن، السعودية)، وتشكل الصحراء معظم تضاريسها الجغرافية باستثناء المناطق والمدن الخضراء التي توزعت على جانبي نهر الفرات، وتسكنها الكثير من القبائل العربية من أمثال عشائر الدليم التي كانت تسمى الانبار (لواء الدليم) نسبة إليهم.
في عام 2003 اشترط شيوخ العشائر في المنطقة الغربية (الانبار) عدم دخول قوات "شيعية" او "كردية" مقابل عدم مقاومة القوات الامريكية ابان الغزو الأمريكي للعراق، وتم دخولها دون مقاومة، الا ان هذا الهدوء لم يدم طويلا، فسرعان ما تسرب تنظيم القاعدة الى المنطقة الغربية من دول الجوار التي كانت تتحسس من وجود قوات أمريكية قريبة منها او منزعجة من وجود نظام سياسي جديد في العراق يحكم فيه "الشيعة" و"الاكراد" الى جانب "السنة" بعد كانوا على الهامش لمدة قرون من الزمن، وحدثت العديد من المواجهات العسكرية بين القوات الامريكية وتنظيم القاعدة مبكرا، وبالأخص في مدينة "الفلوجة"، (هي خارج حكم الدولة العراقية في الوقت الحالي)، التي لاحقها دمار واسع على مدى موجتين حتى استطاعت القوات الامريكية دخولها، إضافة الى معارك أخرى في حصيبة والقائم واغلب المدن التي تقع على جانبي نهر الفرات، وكان الوضع الأمني في الانبار يعتمد على مقدار التقارب والتباعد بين شيوخ العشائر من جهة والولايات المتحدة الامريكية والحكومة العراقية من جهة أخرى.
وحصل التقارب المنشود بعد الاتفاق على تشكيل "مجالس الصحوة" من العشائر السنية في الانبار والتي تولى زمامها الشيخ "عبد الستار أبو ريشة" أواخر عام 2006 الذي شهد الانقسام الطائفي الحاد داخل العراق أثر تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء ودخول العراق في منطقة الحرب الاهلية الطائفية، وقد انتشرت معظم مجالس الصحوات في المناطق التي شهدت ترديا امنيا، خصوصا في المحافظات الغربية والشرقية وأطراف ومناطق حزام بغداد الشمالي والجنوبي والغربي، ولعب مقاتلي الصحوات دور كبير في إعادة الامن الى هذه المناطق وتقليل نفوذ القاعدة والحركات المتطرفة الأخرى التي اتخذت من المناطق الغربية معقلا رئيسيا لها، وبالأخص تنظيم ما يعرف (الدولة الإسلامية في العراق) الذي يعرف حاليا بـ"داعش"، (وكان يعمل تحت عبأه تنظيم القاعدة في ذلك الوقت)، والتي كانت تحت قيادة "أبو عمر البغدادي"، (قتلته القوات الامريكية لاحقا)، حيث استطاع مقاتلي العشائر من الصحوات تحجيم دور التنظيم الى حد كبير، كما ان زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" ناشد العشائر السنية بالتوقف عن مساندة القوات الامريكية والحكومة العراقية العمل مع "مجاهدي تنظيم القاعدة مقابل العفو عنهم"، وكان للخلاف بين التنظيمات المتطرفة والحركات الإرهابية على اقتسام الغنائم والأراضي والنفوذ، إضافة الى القسوة المفرطة التي استخدمها عناصر هذه الحركات بالتعامل مع شيوخ العشائر وتخييرهم بين القتل او الخضوع بالقوة وتهديد السلاح لإعلان الولاء للتنظيم، فضلا عن سيطرة المقاتلين الأجانب وتحكمهم في هذه المناطق العربية، أدى الى انكسار شوكة التنظيم والحركات الأخرى مثل (الجيش الإسلامي في العراق، حماس العراق، جماعة أنصار السنة في العراق، كتائب ثورة العشرين، جيش الراشدين، جيش المجاهدين...الخ)، حتى ان البعض منها حل نفسه نهائيا بعد الخسائر التي مني بها بعد عامين من تشكيل الصحوات.
الصحوات لم تستمر في مسيرة حفظ الامن للمناطق الغربية بعد ان دب الضعف والخلاف بين قادتها وشيوخ العشائر والحكومة العراقية، هذا الموقف اضعف من مكانة الصحوة ودور العشائر السنية في مواجهة التنظيمات التكفيرية المتواجدة في مناطقهم، كما اعطى فرصة جيدة لعودة تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم "القاعدة" في المناطق التي خسرها، خصوصا بعد رحيل القوات الامريكية عام 2011 وتولي القوات الأمنية العراقية زمام حفظ الامن الهش في العراق، على الرغم من ضعف الإمكانات والمعدات والتدريب المتاح لهذه القوات، وفي تلك الفترة شهد العالم العربي والشرق الأوسط قيام ثورات "الربيع العربي" في عدة دول عربية (والتي جلبت معها الفوضى الأمنية) وبالأخص في سوريا (الحدودية مع الانبار) حيث شهدت اكبر موجة من الإرهاب والتطرف في العالم (بعد العراق)، بعد وصول عشرات الالاف من المقاتلين الأجانب من اكثر من 100 دولة حول العالم (حيث كشف تقرير للأمم المتحدة عن وصول عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق إلى 25 ألف مقاتل، ينتمون إلى أكثر من 100 دولة)، واصبح الامر خارجا عن السيطرة تماما، وبالأخص عندما هاجم تنظيم "داعش" (الذي يسيطر على ثلث مساحة سوريا تقريبا) في 9/6 العام الماضي على مناطق غرب وشرق وشمال العراق، واستطاع السيطرة على مساحات واسعة من هذه المناطق (قدرت المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم بـ55 الف كلم2).
قبل أيام قليلة هاجم التنظيم محافظة الانبار لطرد القوات الحكومية من الأراضي التي ما زالت تحت السيطرة الحكومية، وبالأخص مركز المحافظة، وأدى هذا الهجوم الى موجة كبيرة من النزوح بين المدنيين نحو العاصمة العراقية بغداد خوفا من التنظيم والعمليات العسكرية الجارية، ووصلت اعداد النازحين الى 90 ألف مواطن، وقد أبدت قوات "الحشد الشعبي" المشكلة من المقاتلين والمتطوعين الشيعة ممن لبى فتوى المرجعية العليا في النجف الاشرف بخصوص قتال تنظيم داعش التكفيري، رغبتها في مساعدة العشائر السنية والحكومة العراقية لاستعادة الامن في المنطقة الغربية، مثلما فعلت سابقا في محافظة صلاح الدين، وتحديدا في تكريت، بالمقابل فان العديد من الأصوات التي انطلقت من عشرات الشيوخ والقبائل السنية، فضلا عن أهالي تلك المناطق، طالبت خلالها بتدخل الحشد الشعبي لإنقاذ الانبار من تنظيم داعش.
لكن المشكلة توقفت عند اختلاف الارادات المحلية والإقليمية والدولية عند مشارف محافظة الانبار، وبالأخص عند ذكر مشاركة القوات الشيعة (مثلما حدث في بداية سقوط نظام صدام) في تحرير المدن ذات الغالبية السنية، وهو تخوف ولدته المصالح السياسية وعقدة المشاعر الطائفية قبل التفكير بالواقعية او الوطنية، ومثلما حدث في تكريت من موجة إعلامية استهدفت المقاتلين الشيعة او الحشد الشعبي، يحدث الان مقدما في الانبار، مع علم الجميع ان تحرير الانبار وما حولها وحتى الموصل، لن يتم من دون مشاركة المقاتلين الشيعة "الحشد الشعبي" والاكراد "البشمركة" في تحرير هذه المدن، وحقيقة الامر ان الداعمين للقوى السياسية السنية الرافضة لمشاركة المقاتلين الشيعة لا يرغبون برؤية "نصر شيعي" (او هكذا يرونه) في مناطق ذات غالبية سنية، في حين تريد الولايات المتحدة الامريكية مشاركة الحشد الشعبي في تحرير هذه المناطق لكنها تتخوف من حساب النصر النهائي لصالح ايران ونفوذها في العراق بدلا منها، (حيث تعتبر ان العديد من الفصائل الإسلامية في العراق تمول من قبل ايران)، اما الحكومة العراقية فتقف في الوسط، فهي ترغب في إيقاف الانهيارات الأمنية وطرد التنظيمات المتطرفة من هذه المناطق بمشاركة الحشد الشعبي، الا انها خائفة من الاحتقان الطائفي الذي قد يستخدمه المنزعجون من هذا الامر، كورقة أخيرة قد تعيد العراق الى مربع الصراع الطائفي السني-الشيعي.