أثر المزاج السوداوي على الرغبة بالتغيير
عادل الصويري
2019-01-19 04:35
التفاؤل بالتغيير لا يعني أنه عملية سهلة وفي المتناول، فعلى من ينشد التغيير لابد أن يتحصل على عدة أدوات تقف البصيرة في مقدمتها، فضلاً عن المعرفة بالإمكانيات الذاتية، ومدى الاستعداد الشخصي والعزيمة على تنفيذ المشروع التغييري، خصوصاً الإرادة المتعلقة بتغيير الأشياء الأخلاقية والسلوكية من حالة إلى حالة أفضل؛ لأنها أصعب من قضية تغيير الأشياء المادية التي تكون أسهل إجرائياً.
ولا يكفي أن تكون للإنسان إرادة وعزم وتصميم فقط؛ لأن هذه الأشياء ــ على أهميتها ــ قد تجعل من عملية التغيير عشوائية مالم تصاحبها مستويات ثقافية ومعرفية تكون محفزاً أقوى لإحداث التغيير الإيجابي المنشود، فالشعوب اليائسة والباقية على مهيمنات التخلف والابتعاد عن ركب التطور الحضاري؛ يصعب أن يكون لها مشروعٌ تغييريٌّ وإصلاحيٌّ واع؛ وذلك لجمودها وتفاعلها مع هذا الجمود والسكون غير المستعد للتحريك.
ولعل أهم عقبة تقف بوجه اي مشروع للتغيير، تلك التي تتعلق بالخوف من الإقدام على تنفيذ هذا المشروع، وهذه العقبة ترتبط بالإرادة كأداة من أدوات التغيير، والخوف هنا ناتج من عادات وتقاليد دأبت عليها المجتمعات التي تولي أمثالها الشعبية اهتماماً أكبر قيم المعرفة والتطور.
في العراق مثلاً هيمن على الذهنية المجتمعية وحتى وقت قريب المثل القائل : (شين اللي تعرفه أفضل من زين اللي ما تعرفه)، أي أن المجتمع قابل للتماهي مع الوضع السيء طالما هو معروف ومشخص، وهو الأفضل ــ لمن يتبنى هذه المقولة ــ من أي وضع إيجابي متخيل قد لا يأتي. هذا الخوف يتأتى من المزاج السوداوي لكثير من المجتمعات التي عانت من القهر والاضطهاد؛ بسبب السلطات الجائرة والمستبدة.
تراكمات السوداوية
عوامل عديدة تقف وراء تراكم المزاج السوداوي للفرد، منها ما هو مجتمعي، أو تاريخي، أو سياسي. كل هذه العوامل قد تتظافر سلبياً بهدف إبقاء الفرد في حالة من الاحباط المستمر، فيكون من السهل السيطرة عليه، وبالتالي السيطرة على المجتمع من خلال تكثيف حضور (الاعتباط السياسي) كوسيلة مهيمنة تجعل من اليأس حالة ملازمة، أو على أقل تقدير تخضع الإنسان للقبول بالمثل الشعبي أعلاه.
وهذه الاعتباطية؛ تؤدي إلى قهر تسلطي، وعلاقات ملتبسة، تفضي إلى عدم الشعور بالأمان، خصوصاً من قبل الطبقات المجتمعية التي تجد نفسها الحلقة الأضعف في دوامة الصراعات السلطوية، وتقع عليها مخلفات العلاقة الاعتباطية بين أطراف التسلط، فتعيش إزاء هذا الوضع المرتبك حالة من التناقض والتيه في المجهول، وعدم الجدية في إيجاد حلول جذرية، أو الاهتداء لبوصلة يمكن أن تؤشر لطريق ذي فائدة؛ لأن شكل العلاقة الملتبس هذا وكما أثبتت التجارب لا يتوقف على صراع الحصول على المناصب والمكاسب فقط، بل أنه أنتج عنفاً مجتمعياً يتمثل بصدام الأحزاب فيما بينها حتى وإن كانت من لون مذهبي واحد، أو اتجاه إيديولوجي واحد، فيتضرر الجميع، وهنا مكمن الخطورة، فشيوع العنف المجتمعي نتيجة التجاذبات بين الأطراف المتسلطة والممارسة للقهر ينذر بانهيار قيمي كبير مالم يتم التصدي له، والتفكير الجدي بالحد من مخاطره تمهيداً لإزالتها، والعمل على تحديد مسببات اعتباطية هذه العلاقة التي أدت إلى نشوء العنف، ومن ثم إيجاد الحلول الكفيلة بإنهائها.
ومخطىء من يعتقد أن هذه التراكمات هي من نتاج التغيير الذي حصل في العراق في نيسان 2003؛ لأن نظرة فاحصة ودقيقة على الوضع؛ تجعلنا نصل إلى حقيقة أن هذه التراكمات بدأت مع بدايات نشوء الدولة العراقية وتكونها عام 1921 حين تكون نسق مهيمن تمثل بثنائية (الحزب/العشيرة) كما يرى الدكتور (سليم جوهر) في كتابه (الأسس التشظية) إذ يعتقد أن ثنائية الحزب/العشيرة هي من أوصلنا إلى حالة الضبابية تصنع "علاقة وضع يتضمن عدم التجانس، هي ليست علاقة اعتيادية بين شيئين او بين الشخوص، فليس ثمة مقياس معين متعارف عليه لنحاكم على ضوئه المواقف. من الطبيعي ان نتوقع من المحب الاخلاص ولكنك تجد بدل ذلك الغدر، ومن الوطني التضحية حينما يحتاجه الوطن لكننا نتعرض لهزة عنيفة حينما نجده وهو يتاجر بالوطن. ومن المتسالم عليه ان تجد لدى المتدين التقوى والزهد عن حطام الدنيا كما يسمونها، لكن المفاجأة بحجم حب الملذات والخوض في المتشابهات. ومن جمال الدنيا ان تجد في النص المعنى والالفة معه وصدق العبارة واهمية ما يتناوله النص للإنسان والواقع، لكننا لا نجد ما هو متوقع في كثرة النصوص، بل الخواء وضياع المعنى. هنا تحدث المفارقة بين حقيقة ما يوجد وخيبة التطلع، بين الامكان والتحقق بين القابلية والمنجز".
الاهتزازات تكمن في التحول من الشيء إلى نقيضه، وهذا هو ما حصل في التجربة العراقية السياسية على امتداد زمنها وحتى يومنا هذا، لكننا اليوم ربما وصلنا إلى ذروة السوداوية الناتجة عن هذه الاعتباطية المقيتة.