لبنان واستحقاقات ما بعد الانتخابات

د. احمد عدنان الميالي

2018-05-23 07:24

دخل مجلس النواب اللبناني يوم الاحد ٥/٢٠ / ٢٠١٨ ولايته بعد إجراء الانتخابات الأخيرة في 6/ 5/ 2018 ويترقب الشعب اللبناني ذهاب ممثليهم يوم الأربعاء القادم إلى مجلس النواب لعقد أول جلسة لإنتخاب رئيس المجلس ونيابته وهيئته، بعد إنقطاع عن الممارسة الانتخابية على صعيد البرلمان منذ عام ٢٠٠٩ نتيجة خلافات وإنقسامات سياسية تمحورت حول قانون الانتخابات وتوزيع الدوائر الانتخابية وكيفية التصويت، مما سبب شغورا رئاسيا لمدة سنتين وتمديد عمل مجلس النواب منذ ذلك الحين. في هذه الانتخابات وضعت قواعد جديدة أسست لبعض التغييرات في النتائج والمعطيات والحسابات السياسية، رغم إستحالة تغيير منطق التوزيع الطائفي لعدد مقاعد المجلس البالغ عدده ١٢٨ مقعد ضمن ١٥ دائرة، ٢ منها في بيروت، يحصل المكون المسيحي بمختلف طوائفه على نصف تلك المقاعد ويحصل المسلمون بمختلف طوائفهم إضافة إلى الدروز على النصف المتبقي.

المعطيات الجديدة في هذه الانتخابات أفرزت تقدم واضح لحزب الله مع تراجع مقاعد تيار المستقبل لسعد الحريري لثلث المقاعد التي حصل عليها في آخر انتخابات، ويبلغ عدد الطوائف في لبنان ١١ طائفة موزعة، حسب الدوائر الانتخابية في لبنان بما يضمن تمثيلها في المجلس.

سابقا كان النظام الانتخابي قائم على أساس أكثرية يمكن الناخب من خلال إختيار ممثليه من مجموع قوائم بما يشكل قائمة واحدة ضمن الدائرة الانتخابية المحددة له، وهي التي ينحدر منها أسلافه وليس مكان سكنه، أي كان بإمكان الناخبين البالغين سن ٢١ سنة الإدلاء بأصواتهم لكل المقاعد في دائرتهم الانتخابية وفقا للقانون القديم الذي يحسم فيه النتيجة من يفوز بأغلبية بسيطة، في حين نص القانون النسبي الجديد الذي يعتمد على منح الصوت التفضيلي لمرشح واحد فقط ضمن نفس القائمة التي يختارها، أي إختيار قائمة واحدة ومرشح واحد من ذات القائمة. وهذا التغيير طرح التنافس المعقد بين أعضاء القوائم أدى إلى تغيير الخارطة الانتخابية.

وبعد إنتهاء الانتخابات واعلان النتائج حصل حزب القوات اللبنانية على 15 مقعدا، وتيار العزم على أربعة مقاعد، وحزب الله على 14 مقعدا، وحركة أمل على 16 مقعدا، والحزب السوري القومي الاجتماعي على ثلاثة مقاعد، وتيار المردة على أربعة مقاعد، وحزب الكتائب على ثلاثة مقاعد، وتكتل التغيير والإصلاح 27 مقعدا، والحزب التقدمي الإشتراكي على 10 مقاعد.

ورغم هذه المعطيات الجديدة في نتائج الانتخابات، ومن المتوقع أن تتشكل الحكومة وفق السياق السابق، رغم حصول تغييرات في الوزن النيابي بعد ميلان هذا الوزن لصالح حزب الله وحلفاءه حركة أمل والتيار الوطني الحر، في ضوء تراجع مقاعد تيار المستقبل وثبات القوى المسيحية كحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المردة والحزب التقدمي الإشتراكي.

من الصعب كسر المعادلة السياسية في لبنان، فالعرف السياسي الدارج بمحاصصة المناصب العليا الثلاث رئاسة الحكومة للسنة والبرلمان للشيعة والجمهورية للمسيح، يفرض مشهد تزايد فرصة سعد الحريري بتشكيل الحكومة من جديد خاصة بعد تراجع الخصومة مع حزب الله بعد حادثة إحتجازه في السعودية.

كما من المرجح جدا إنتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب وهو في هذا المنصب منذ عام ١٩٩٢، ويقع ضمن عاتق المجلس عملية انتخاب رئيس جمهورية جديد خلال فترة ولايته وقد ينتخب فيها الميشال عون، بما لا يتجاوز أربع سنوات.

بعد انتخاب رئيس المجلس ونيابته تبدأ عملية زيارة رئيس الجمهورية من قبل النواب وتقديم الاستشارات النيابية الملزمة والتي على ضوئها يتم تكليف مرشح لتشكيل الحكومة وفق تلك الاستشارات.

لبنان في الفترة الأخيرة تجاوزت التجاذبات الإقليمية بين إيران والسعودية وأيضا تجاوزت تداعيات الأزمة السورية منذ عام ٢٠١١، رغم وجود مليون نازح سوري وأكثر في لبنان، ورغم وجود تيارين داخل لبنان: تيار المقاومة وتيار سياسة النأي بالنفس، إلا أنه نجح بتجاوز العقد السياسية الداخلية وأجرى الانتخابات وسجلت نسبة مشاركة وصلت إلى (٤٩.٢٠%) أوضحت مدى إبتعاد التأثيرات الإقليمية والدولية بتلك الانتخابات.

لكن المؤشرات الأخيرة تعطي منظورات مغايرة لهذه الإيجابيات بعد فرض الولايات المتحدة ودول خليجية عقوبات مالية وقانونية ضد حزب الله لتعقيد مشهد تشكيل الحكومة بعد تقدم الحزب وحلفاءه إضافة إلى تحرك السفارة السعودية في لبنان للتدخل من جديد بعد زيارة بعض الجهات والشخصيات والدعوة لمأدبة افطار لهم مضافا إلى ذلك الخلافات السياسية بين نبيه بري وسمير جعجع والميشال عون حول منصب نائب رئيس مجلس النواب، إضافة إلى مسألة فصل النيابة عن التوزير بين الأحزاب.

كلها مؤشرات تضع تعقيدات على مشهد تشكيل الحكومة رغم الإتفاق على تسمية الحريري رئيسا لها لأن الحريري في مأزق يجعله يتقاطع مع حزب الله في منحهم وزارات مهمة وسيادية في ظل فيتو أمريكي - خليجي على هذا المشهد والضغط إتجاه تحييد حزب الله سياسيا، إضافة إلى الصفة العسكرية والتداخل بينهما بالنسبة لأمريكا في التعامل مع ملف حزب الله. فكيف يوفق الحريري هذه التناقضات بتشكيل الحكومة وفق التدخلات الخارجية والإسقاطات الداخلية ؟، يبقى الرئيس الفرنسي الملاذ الأخير للحريري لإنقاذه مرة أخرى من مأزق الإستحقاق الحكومي بعد الانتخابات.

لبنان الآن تقع في مشاكل بنيوية وإقتصادية كبيرة وتحتاج إلى الاستقرار للحصول على القروض اللازمة لتمويل المشاريع المعطلة وتحريك عجلة الاقتصاد، ومن مصلحة القوى السياسية إستثمار تلك الانتخابات وإفرازاتها بالتئام البرلمان وإختيار رئيس له ونيابة ثم رئيس حكومة ووزراء لتعزيز سياسة تحييد الصراعات حول لبنان، خاصة مع إنشغال القوى الفاعلة في المنطقة بالتنافس الإقليمي في الملف السوري واليمني وتداعيات الإتفاق النووي الإيراني والأزمة الخليجية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي