الكويت بين عقدة الأمس ومصالح اليوم
بعد مؤتمر إعمار العراق
د. جاسم يونس الحريري
2018-02-27 05:40
يؤشر المراقبون ظهور ردود أفعال كويتية داخلية سواء من النخب الأكاديمية أو من رجال الدولة بعد إنتهاء المؤتمر الدولي لإعمار العراق في الكويت للفترة بين 12-14شباط/ فبراير 2018، ومن خلال تحليل أبعادها ومقاصدها العلنية والخفية، سيصل المرء إلى نتيجة مفادها بقاء التحسس والريبة من العراق حتى بعد التغيير السياسي عام 2003، والفترة الإنتقالية التي عاشها العراق منذ الغزو والإحتلال الأمريكي له ولحد الآن بعد أن زرع الإحتلال البغيض المحاصصة العرقية والطائفية والفتن والقلاقل داخل الجسد العراقي، وإنهيار الأوضاع الأمنية بسبب نشاط الجماعات المسلحة الإرهابية كتنظيمي القاعدة وداعش هناك.
ناهيك عن تجاذبات المشهد السياسي العراقي بين الشد والجذب، وإشكاليات العراق الداخلية من التضخم الإقتصادي وإنتشار البطالة والأرامل والمطلقات، والعوز المادي والإقتصادي للشرائح الفقيرة، وإنتشار الفساد المالي والإداري بفعل إفرازات الحروب الإقليمية والداخلية، كل هذه العوامل لم تدفع الكويت لتغيير نظرتها الضيقة تجاه العراق، والعيش في عقد الماضي التي شرب عليها الدهر وأكل، بالرغم من مرور عشرات السنوات التي دفع العراق فيها آلاف الدولارات من التعويضات والديون لها، بالرغم من مبادرة بعض دول الخليج الأخرى كدولة الإمارات العربية المتحدة من إعفاء العراق من تلك الديون، إلا أن الكويت بنخبها السياسية والرسمية والشعبية تعيش إرهاصات ما جرى في عام 1991 بدون أي إعتبار لما تحقق من تغيير سياسي بعد عام 2003 بكل أفرازاته السلبية.
فلو تفحصنا بعض ردود الفعل الكويتية لأدركنا حجم التحسس الكويتي الداخلي من العراق بالرغم من إحتضان الكويت لمؤتمر إعمار العراق فعلى سبيل المثال لا الحصر نشر عبد الله بشارة الدبلوماسي الكويتي السابق، ورئيس لأحد مراكز البحوث حاليا مقالة في صحيفة القبس الكويتية بعد مؤتمر إعمار العراق في الكويت يقول: "منذ أكثر من ثلاثة عقود تم الغزو ليس في معركة خسرناها، وإنما بواسطة آليات لا تعرفها طبائع الكويت الغدر والسوقية السياسية، وإغتيال القيم والكذب والخداع، وسنظل نلوم أنفسنا إلى الأبد، لأننا تجاهلنا الشر، ولم نهيأ بلدنا ولا أنفسنا لمداهمته، وسنظل نتحمل شروخ الغزو بهدوء مع ملاحقة الإهتمام بالشأن العراقي".
ومع هذه اللغة الحادة التي تتسم ببقاء الريبة بالعراق، إلا أن هذا ليس ديدن العلاقات الدولية، فاليوم أنت صديقي بمنظور العلاقات الدولية، وغدا أنت عدوي، وبعد غد ستكون عدو عدوي صديقي، والغريب أن هذا المنطق يصدر من دبلوماسي عمل كممثل لبلاده في الأمم المتحدة لمدة عشر سنوات يعرف أصول العمل الدبلوماسي التي تتسم بالشمولية وتقدير الأمور وفق مصلحة بلاده، وليس تجاه موقفه الشخصي، المهم أن نفس الكاتب أعلاه يقول في موضع آخر من مقالته سالفة الذكر ومن باب النرجسية والإعتداد بالنفس، وكأن كل الذين حضروا مؤتمر إعمار العراق في الكويت ليس لديهم أي خبرة في الإستثمار وفقط المؤسسات الكويتية هي الرائدة بذلك إذ يقول: "ليس هناك أقدر من صندوق الكويت للتنمية وخبرته، فمعه نطمئن بأن أصابع الفساد لن تلمس تبرعات العالم، ومع مراقبة الصندوق ينحسر هذا الخوف"، ويتناسى بشارة أن ما أسماه (بتبرعات العالم) أغلبها تقدم بصورة قروض أو ديون، وستفرض عليها فوائد تعود على الدول المقترضة للعراق فوائد مجزية وبهذا ستكون تلك الدول هي المستفيدة وليس العراق.
ومن جانب آخر يطرح التساؤل التالي: ماهي مصلحة الكويت من إحتضانها لمؤتمر إعادة إعمار العراق، هل هي لمصلحة عراقية أم لمصلحة كويتية؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل سيكون بالتأكيد القول أن سبب سعي الكويت لتصعيد دورها في العراق هو يمثل مصلحة كويتية بحتة وليس لتحقيق مصلحة عراقية كما يتوهم البعض خاصة أن هناك تسريبات (من داخل كواليس المقاولين، ورجال الأعمال الكويتيين الذين تضرروا بفعل تراجع أسعار النفط، وتقليل النفقة على المشاريع الحكومية في السنوات الأخيرة اشترط هؤلاء المشاركة بجزء من (كعكعة إعادة إعمار العراق) مع مشاركة غرفة التجارة والصناعة الكويتية،. كما أن شركات المقاولة الخاصة بهم ستتولى جزءا كبيرا من مشاريع إعادة إعمار المناطق الشمالية، وبناء الخدمات الأساسية في مدن الجنوب العراقي).
وقد كشف القاضي وائل عبد اللطيف النائب العراقي السابق في تسجيل صوتي له "إن الكويت ستستفاد من إقراضها للعراق على مكاسب كبيرة منها الإشراف الكامل على ثلاثة حقول نفطية كبرى (حقل الزبير، وسجيل الأعلى، وقبة صفوان وعدد من الآبار النفطية، فضلا عن مكاسبها السابقة عبر الإستيلاء قاعدة أم قصر البحرية، وقرية أم قصر"، وأضاف عبد اللطيف في إشارته إلى أن "الترسيم الحدودي بين العراق والكويت تحت حجة تطبيق القرارات الدولية سببت للعراق خسائر جسيمة منها إعطاء الحق للكويت الدخول إلى عمق 10 كيلومتر في العمق العراقي و60 كيلو متر بإتجاه الناصرية"، وأوضح "إن الترسيم الحدودي البحري بين العراق والكويت سبب للعراق خسارة عن خور عبد الله للكويت في الوقت الذي رفض هذا الترسيم المندوب الأممي الماليزي قائلا: "ليس من حقي ترسيم الحدود البحرية لأنها غير مشمولة بخطة قرار الأمم المتحدة والذي يختص فقط بترسيم الحدود الأرضية بين العراق والكويت، وإذا تريدون إجباري على هذا الترسيم فأني أقدم إستقالتي وسأعود إلى بلدي".
وبالرغم من كل ماذكر لا تخلو الساحة الكويتية من الأصوات التي تنظر إلى العراق نظرة متوازنة مع مصالح بلادها، حيث يقول الدكتور ظافر محمد العجمي الأكاديمي الكويتي والمدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج: "في الكويت نساير العصر قبل أن نسائله، فقد تجاوز صانع القرار السياسي الجرح العراقي في خاصرة الكويت، وتجاهل دور القلق التأريخي في صيانة نظرية الأمن الكويتية، ففي ذلك إستجابة مرنة وتفكير إستراتيجي راق لمستقبل المصالح مع الجار الشقيق"، ويضيف العجمي "إن مؤتمر إعادة إعمار العراق بالكويت هو دبلوماسية وقائية سارت بها الكويت المرحلة الراهنة دون أن تجعل الماضي الأليم يحول بينها وبين المستقبل مع العراق الشقيق".
إن الكويت تدرك أن مصالحها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في العراق تحتم تواجدها في الساحة العراقية ليس لجلب إستثماراتها الإقتصادية في العراق فحسب، بل لأن العلاقات الدينية بين الشعبين العراقي والكويتي تحتم خلق دور دبلوماسي، وقنصلي قرب المزارات الشيعية في العراق، وهذا الأمر تم طرحه في الربع الأخير من عام 2017 من قبل أحد النواب الكويتيين (خليل أبل)، الذي يوضح أن الكويت لها رغبة بإقامة قنصلية عامة في مدينة النجف الأشرف من أجل رعاية مصالح المواطنين الكويتيين الموجودين للتجارة أو الزيارة، أسوة بالقنصلية التي مقرها محافظة البصرة وذلك تسهيلا لإجراء وإنجاز معاملات وإحتياجات المواطنين الكويتيين الموجودين بشكل متواصل ودائم لتذليل العقبات والتواصل معهم ورعاية مصالحهم ومساعدتهم.
إذن، الكويت بدأت تكشف عن مصالحها في العراق بشكل صريح وعلني، لكن يشكل عليها عدم مبادرتها بتحويل ديونها إلى استثمارات كويتية داخل العراق، خاصة بعد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق في الكويت، لأن إتخاذ هذه الخطوة الكويتية ستزيح الكثير من علامات الإستفهام تجاهها، فبين أنها تعبر عن رؤيتها لمساعدة العراق في أزمته الإقتصادية، وإعمار المدن المحررة من تنظيم داعش الإرهابي، وبين تمسكها بل تزمتها على عدم تحويل ديون العراق إلى (استثمارات كويتية) طويلة الأجل مع العراق، لأن في حالة عدم إتخاذ الكويت هذه الخطوة سيكون للتواجد الكويتي في العراق في الفترة القادمة يكون (بطابع براغماتي) أكثر من طابع نابع من علاقات الجيرة والأخوة المفروض الباسها على العلاقات العراقية - الكويتية، وستعطي المجال للتحليلات السياسية ترجيح إمكانية تأزم العلاقات بين الطرفين في أي وقت من الأوقات، لاسيما أن للعراق ملفات ساخنة مع الكويت منها قضية بناء ميناء مبارك الذي سيؤثر على بناء ميناء الفاو العراقي لأن تفضيل الكويت لمصالحها على مصالح العراق سينتج أزمات جديدة يمكن أن تنفجر في أي وقت، لاسيما أن هناك أصحاب أراضي، وممتلكات أصابها الضرر الشنيع بعد ترسيم الحدود المجحف برعاية أمريكية وأممية تحت ذرائع واهية، هذه الحالة لا تعطي للمراقب بصمة أمل لمستقبل العلاقات العراقية - الكويتية، وإنما ستظل العلاقات أسيرة لطموحات الكويت لأولوية مصالحها على مصالح العراق، بينما البيئة الإقليمية والدولية تتجه نحو التكتلات والتوافق والتلاقي في المصالح، وليس وفق مبدأ (آخذ ولا أعطي) في تقييم الأمور.