الحشد يهبنا الحَياة
نـــــزار حيدر
2015-03-20 11:23
فعِندما يمتزجُ ربيعُ الانتصارات مع ربيعِ الطّبيعة تتضاعفُ الآثار والفرحة.
ولقد تعدّدت الاسماء [نيروز، عيد الام، الربيع، عيد الشجرة، عيد المعلم] سمِّهِ ما شئْتَ، فالجوهرُ واحدٌ، انّهُ يَوم الحياة.
لقد اختارَ الجميعُ الربيعَ للاحتفالِ بكلّ هذه المسمّيات، لانّه رمز الحياة والتكاثر والخصْب والإنتاج والبهجة والسعادة.
انّهُ يومُ الذين يحبّون الحياة ويقّدرونها، وهوَ يومُ مَنْ يهبُ حياتَهُ للآخرين دفاعاً عنهم اذا تعرّضت حياتَهم للخطر، ولذلك فلا نبالغُ ابداً اذا قُلنا أَنَّهُ، هذا العام تحديداً، يومُ الحشد الشعبي، وكلُّ المقاتلين الشّجعان في سوح الجهاد ضِدّ الارهاب، الذي تطوّع بإرادته مُضحّياً بروحهِ ودمهِ ليهبَنا الحياة.
انّهم تَرَكُوا حياتهم ومعاشهم وآباءهم وأمّهاتهم وأزواجهم وابناءهم وأعمالهم ووظائفهم ومدارسهم وكل شيء من أجلِ ان يهبوا الحياة لكلّ من يهدّده الارهابيون بالموت والفناء، الانسان والحضارة والمدنية والتاريخ والثقافة وكل شيء.
وصدقَ الله العلي العظيم الذي قال في محكم كتابه الكريم {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالحشدُ الّذي يقتصّ اليوم من الارهابيين، يهبُ الحياةَ مرّةً اخرى للعراق.
انّه يحيي النّفس بتضحياته، فهو، اذن، أحيا الناس جميعاً، كما في قوله تعالى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
انّه يهبنا الحياة بمواجهتِه الارهابيين اّلذين يقتلون ويدمّرون ويُفسدون، أولم يصفهم الأزهر الشريف في بيانٍ له مؤخراً بأنهم (مفسدون في الارض) وهم (محاربون لله ولرسوله) وان جزاءهم هو قول الله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟ فلماذا، اذن يطعن بإنجازاته المرجفون؟ الا يدلّ ذلك على انّهم لا يملكون ذرّةً من شرفٍ او غيرة او ناموس؟ والا، قولوا لي بربكم. هل رأيتم شريفاً يخافُ على عِرضه، يسبُّ الذي يصونه من عدوانِ المعتدين؟! ابداً.
فلولا فتوى المرجعّية الدينية العليا بالجهاد الكفائي، والتي تشكّل على أساسِها الحشد الشعبي الذي هبّ للدّفاع عن الأَرْضِ والعِرض، لربما كان هذا آخرُ ربيعٍ نشمُّ نسيمه العبِقِ، فلو كانت (فقاعة) الارهابيّين قد تمدّدت اكثر فاكثر، لما تمتّعت نواظرنا اليوم بالدّبكة الكرديّة التُراثيّة الرائعة، ولما تمتعت نواظرنا ببراعم الورود وجنابذ الرّمان التي تتفتح هذه الايام.
انّ الحشدَ يهبنا الحياة وهو يضحّي بالغالي والنفيس، فلولاه لماتَ كلُّ شيء في العراق كما تموت الحياة اليوم في الموصل التي اغتصبها الارهابيون فقتلوا فيها كلّ شيء، حتى الرموز التاريخية من صور وتماثيل وصخور لم تسلم من حقدِهم الاسود، لانّهم لا يحبّون الحياة لا لأنفسهم ولا لغيرهم، انهم يعشقون الموت ومناظر الدم والهياكل العظمية والأجساد المتعفّنة والرؤوس المتطايرة والوجوه المكفهرّة التي لا تَعرف البسمة.
انّهم يعشقون القتل والذبح فتراهم يعلّمون الصّبية لعبةَ حزِّ الرّقاب.
انّهم يعشقون الظلام فتراهم يكرهون العلم والتعليم والثقافة والفكر الحرّ، لانّهم استبدلوا عقولَهم حجراً صماً حشّوا به رؤوسهم.
انّهم يكرهون كلّ شيء يدل على الحياة، فكرهوا التنوّع والتّعدّد في المجتمع العراقي فاندفعوا يطردون السُّكّان الأصليّين من مناطِقهم، ارضهم التي ولدوا فيها وأملاكهم التي عاشوا فيها.
وكرِهوا الحضارة التي تدلُّ على العمق التاريخي للعراق، فطفِقوا يدمّرون رموزها بكلّ الوسائل والأدوات.
في يَوْمِ الحياة، نحيّي قوّاتنا المسلحة بمختلف مسمياتها من الحَشْدِ الشعبي والعشائر الغيورة والبيشمرگة، التي تهبنا الحياة والطمأنينة والأمن والاستقرار بانتصاراتها وتضحياتها الغالية.
وفي يَوْمِ الحياة، نحيّي كلّ من يساهم في تحقيق هذه الانتصارات، بقلمهِ الحر الشّريف وكلمتهِ الشّجاعة وخطابهِ التّنويري ودَعَواتهِ وصلواتهِ الكريمةِ وتوجيهاته القيّمة، وأوّلهم المرجعية الدينية العليا التي ما فَتِئت تتابع جبهات الحرب على الارهاب عن قرب.
اللهمَّ ارحم شهداءنا الابرار، ومُنَّ على جرحانا بالصّحة والعافية، وعلى أسر الضحايا والنازحين بالصّبر الجميل.
اللهم أَنزِل على شعبِنا الابّي المجاهدِ والصابرِ شآبيبَ رحمتِك، وجنّب بلادنا المزيد من المعاناة، واقطعْ عنّا دابرَ التّكفيرييّن والارهابيّين والظُلاميّين والمنافقين والوصوليّين والفاسدين والمضلّلين والطائفيّين والعنصريّين، بحقّ مُحَمَّدٍ وآله الطاهرين، آمّين يا ربّ العالمين.