استقالة الحريري والصراع الإيراني-الخليجي في لبنان
د. جاسم يونس الحريري
2017-11-20 06:06
لم يمر وقت طويل على وصول (سعد الحريري) إلى رئاسة الوزراء في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، بموجب تسوية سياسية جاءت بحليف حزب الله الأبرز (ميشال عون) إلى سدة رئاسة الجمهورية، بعد عامين ونصف من الفراغ في رئاسة الجمهورية. أعلن الحريري من داخل الأراضي السعودية استقالته في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وشن هجوما غير مسبوق على إيران وحزب الله، وقال الحريري: "إننا نعيش أجواء شبيهة بالأجواء التي سادت قبل اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ولمست ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي"، وأكد أن "هناك حالة إحباط، وتشرذم، وإنقسامات، وتغليب المصالح الخاصة على العامة، وتكوين عداوات ليس لنا طائل فيها".
وعبرت إيران عن أسفها لاستقالة الحريري، وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: "إن تكرار الإتهامات غير الحقيقية، وبلا أساس الصادرة عن الصهاينة، والأميركيين ضد إيران على لسان رئيس الوزراء اللبناني المستقيل يثبت أن هذه الاستقالة سيناريو جديد لإثارة التوتر في لبنان، والمنطقة، لكننا نؤمن بأن الشعب اللبناني سيتجاوز هذه المرحلة بسهولة".
وتتناغم مع التصريحات الإيرانية التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، وإستغلال مناسبة استقالة الحريري مناسبة لإطلاقها، حيث أكد بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي على "إن استقالة رئيس الوزراء اللبناني وتصريحاته هي جرس إنذار للمجتمع الدولي للتحرك ضد العدوان الإيراني"، وأضاف "إن إيران تسعى إلى تحويل سوريا إلى لبنان أخرى"، وتابع أيضا "إن هذا العدوان لا يهدد إسرائيل فحسب، بل الشرق الأوسط برمته".
الأسباب الخفية لاستقالة الحريري
يؤكد أغلب المراقبين أن الحريري الذي يحمل الجنسية السعودية، والفرنسية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، عند ذهابه إلى السعودية ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان إعلان استقالته متناغما بعد تصعيد كلامي من السعودية ضد إيران وحزب الله على لسان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي التقى الحريري قبل أيام في الرياض.
الموقف الخليجي المتذبذب من استقالة الحريري
1- اعتبر وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن هذه المسألة، أي استقالة الحريري (ذات حساسية عالية)، مؤكدا على "ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبنان"، وقال الوزير القطري: "المسألة اللبنانية ذات حساسية خاصة لتعدد أطيافه، ويجب عدم التدخل في شؤونه الداخلية".
2- غرد الكاتب الكويتي أحمد الجار الله، عقب إعلان استقالة سعد الحريري، "إن دول خليجية، وعربية مهمة ستدعم قوة المكونات اللبنانية".
3- دعت المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت مواطنيها إلى مغادرة لبنان، وعدم السفر إليه ، في خطوة تصعيدية، وانضمت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة لتذكر مواطنيها عبر بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي بضرورة الإلتزام الكامل بعدم السفر إلى لبنان من دولة الإمارات أو من أية وجهة أخرى، وانضمت أيضا إليهم مملكة البحرين التي أعلنت على جميع مواطنيها المتواجدين في لبنان المغادرة على الفور مع توفير أقصى درجات الحذر والحيطة.
أسباب استقالة الحريري من وجهة نظر إيران
1- اعتبر مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام "إن استقالة الحريري جاءت بترتيب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك من أجل توتير الوضع في لبنان، والمنطقة، ومواجهة حزب الله"، وأضاف شيخ الإسلام "إنه يتمنى لو كان الحريري قد تحلى بالحكمة التي تحلى بها والده، وأحترم عزة الشعب اللبناني، وحفظها، وذلك بتقديم استقالته من لبنان وليس من دولة أخرى".
2- قال المساعد الخاص لرئيس الوزراء الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان: "إن إعلان سعد الحريري الاستقالة هو إجراء متسرع"، مؤكدا "إن إعلان استقالة الحريري جاءت مفاجئة للجميع"، وأعتبر عبد اللهيان "إن استقالة الحريري ستسبب فراغا سياسيا"، وأضاف "إن علي أكبر ولاياتي مستشار المرشد الإيراني كان قد قال خلال زيارته لبيروت، أن إيران تريد استقلال ووحدة لبنان".
تفسير حزب الله لاستقالة الحريري
أكد نبيل قاووق عضو المجلس المركزي لحزب الله اللبناني، على "إن السعودية تسعى لإغراق لبنان في الفتنة"، مشيرا إلى "إن النظام السعودي يريد تغيير موقع، وهوية، ودور لبنان في المقاومة ليكون جزءا من المحور السعودي الذي يطبع مع إسرائيل ويعتدي على اليمن، والبحرين، وسوريا" -على حد تعبيره-، وختم بالقول: "إن السعودية تورط نفسها في إستهداف المقاومة وهي قضية أكبر منها"، مؤكدا على "إن ما عجزت عنه الولايات المتحدة وإسرائيل فالسعودية عنه أعجز".
التفسير الأمريكي لاستقالة الحريري
اعتبر وليد فارس المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط في حملة الرئيس دونالد ترامب، (الأمريكي ذو الأصل اللبناني)، إن هذه الاستقالة وأسبابها جاءت (كرسالة هامة للغاية ليس فقط للبنانيين، وإنما للمنطقة برمتها وإلى العالم أجمع)، مشيرا إلى "إن واشنطن، والكونغرس الأمريكي باتوا يعملون بجهد على كبح نفوذ حزب الله، والنفوذ الإيراني"، وأكد فارس ردا على وجود معلومات تحدثت عن تنسيق أمريكي - سعودي لاستقالة الحريري، على أنه "لا علم لنا بتنسيق تكتيكي أمريكي - سعودي للاستقالة، لكن هناك تكتيكا إستراتيجيا أمريكيا عربيا يضم السعودية"، مشيرا إلى "إن الحريري استند إلى دعم التحالف العربي الدولي ضد إيران".
خلاصة القول، أن استقالة سعد الحريري كان حدثا مفاجئا وصادما للمنطقة وهو يدخل مع الأجواء التصعيدية السعودية-الأميركية ضد إيران، وخرجت بعض المعلومات أن الحريري تعرض لضغط رسمي سعودي لتقديم الاستقالة، وأتفقت أغلب الكتل السياسية اللبنانية أن الخروج من هذه الأزمة يتم من خلال تشكيل حكومة لمغادرة هذا السيناريو الذي أثقل كاهل البيئة الإقليمية، والدولية.
إن اقحام السعودية نفسها في قضية استقالة الحريري فسره الكثير من المحللين، والمراقبين أنه يأتي تناغما مع الضغط الأمريكي على إيران لتحجيم نفوذها في المنطقة العربية، وتهيئة الأجواء للتطبيع الإسرائيلي – العربي، بعد ذلك من خلال تقبل إسرائيل كواقع حال في المنطقة، وتحجيم نفوذ أي قوة إقليمية تقف بوجه إسرائيل التي عبرت عن خشيتها من القوة والنفوذ الإيراني في المنطقة.