القحط الفكري وولادة داعش
علي حسين كبايسي
2015-03-09 11:18
هل لمجرد أن تكتب معادلة من بعض الكلمات تدخل بها عالم الإبداع، وتتساقط عليك أكاليل من التفخيمات فيلسوف القرن، مفكر الأمة، ابن خلدون العصر الحديث.... كتساقط النجوم على أكتاف عسكر الأنظمة العربية من لواء إلى مشير.
كتب أينشتاين E=mc2، فكانت الإجابة لكثير من التساؤلات التي عجزت عنها الفيزياء الكلاسيكية، فاستحق لقب أبو الفيزياء الحديثة.
هل المعادلة: إنسان + تراب + وقت = حضارة؟؟، إبداع يحل لغز الحضارة، ويستحق صاحبه براءة الاختراع، وكيف لم ينتبه لذلك أسوالد شبنغلر؟!، فيمنع تدهور الحضارة الغربية انطلاقا من خلط أو مزج هذه الثلاثية السحرية.
إذا كان التراب = مواد أولية، فاليابان أرخبيل صغير يفتقر للمواد الأولية، ولكنه أبهر العالم بصناعاته الاليكترونية المتفوقة وحجز لنفسه مرتبة متقدمة كقوة اقتصادية عظمى، لوكسمبورغ حيز جغرافي مجهري على الخريطة ومؤشر التنمية البشرية جد عال ويعتبر من الدول الصناعية.
إنسان + تراب + وقت = حالة سكون، في حالة فقدان النخبة الملهمة التي تحرك ديناميكية التحدي وتطرح البناءات الفكرية التي تؤدي إلى التطوير والإبداع.
داعش يحتل جغرافيا من العراق مهد الحضارات، وأرض واسعة من بلاد الشام، هل مع الوقت يصنع حضارة؟؟، فالإنسان المطروح في المعادلة لم يأت على المعنى الأخص، أي الإنسان الكامل، بل جاء على المعنى الأعم الذي قال فيه القرآن "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة: 30]"،"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب: 72]".
إشكالية العالم العربي هو اقتصاد الريع الذي طواه الزمن، وغياب الإنتاج وأدوات الإنتاج، والنظرة الإيديولوجية للقيمة التبادلية وفائض القيمة في إطار طرح تصورات على العدالة.
في مذكرات شاهد القرن، كتب: "أما صديقي صاحب المقهى، "ولد جدنا" كما كنا نسميه، والذي مازالت قدمه راسخة بزاوية القادرية، فقد فضل الصمت حتى لا يتورط في نظرياتي الإصلاحية، الوهابية، الوحدوية."!!!
هل الوهابية تصنع حضارة!!، هل هي إصلاحية وحدوية، التباهي بحادثة ذبح جعد بن درهم في مقدمة كتاب الظاهرة القرآنية على الطريقة الداعشية تقودنا إلى أين؟!.
صاحب مشكلات الحضارة يعيب على محمد عبده لتأليفه كتاب التوحيد بحجة أن الأمة كلها موحدة طبعا على العقيدة الواسطية المجسمة، فالتوحيد تحصيل حاصل فلنبحث عن أسباب أخرى تعيق الحضارة، ونسي صاحب المقهى مازالت قدمه راسخة بزاوية القادرية، فالوهابية الإصلاحية حسب زعمه تكفر صاحب المقهى وكل أشعري على شاكلته!، والوهابية الوحدوية ثبت الصفات الخبرية للإله والإله عندهم شاب أمرد!!!!.
يقول في كتاب الظاهرة القرآنية " فمحمد في ذهابه إلى عزلته في غار حراء لم يكن لديه سوى ذلك المتاع العادي من الأفكار الشائعة في وسطه البدائي. ثم تأتي الفكرة الوحي بها فتقلب هذه المعرفة الضئيلة المحاطة بسياج مزدوج من الجهل العام، والأمية الخاصة عند محمد "، " ومع ذلك فإن النبي سيكاشف زوجته الحانية بهمومه، ويشكو لها بمرارة، إذ يظن بنفسه الجنون والمس، ويرى أن سحرا مشؤما قد أضر به...."،" ومع ذلك ففي الأربعين نجده وقد شمله الهم، والألم أيضا، إنه يشك!. إنه لا يشك في وجود الله، فإن ثقته فيه لم تتزعزع أبدا. ولكنه يشك في نفسه هو!، فكيف، ولماذا ورد هذا الشك على نفسه؟... لماذا يجد الآن ظل شخصه في حقل تأملاته؟ ولماذا يجد طيف ذاته يتوارد على أعماق نظراته الدينية، حتى ليصبح تقريبا فيها نقطة الارتكاز "، ألا يوجد إشكالات في التوحيد قبل أن نتكلم في الإشكالات الحضارية.
استقرائيا هل داعش موحدة؟! هل الوهابية التي ينتمي إليها فكريا موحدة؟ هل انتبه إلى المعادلة القرآنية "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10]"، إن كانت الوهابية موحدة فعمل داعش صالح؟؟!!.
داعش تنطلق من منطلق الدين الذي يؤمن به صاحب مشكلات الحضارة، وهذا الدين أتى على الأخضر واليابس، فالإشكال في الموروث الفاسد الذي خرج من طيات الكتب ليتجسد في أبشع الصور عينيا.
يقول ابن خلدون " المغلوب مولع بإتباع الغالب " وهذا ما أثبته التاريخ بالاستقراء فالياباني أدهش المجتمع الأمريكي بتفوقه التكنولوجي في ثمانينات القرن الماضي، ولكنه وقع في شرك المعادلة الخلدونية، ومن إبداعات صاحب مشكلات في الحضارة " قابلية الاستعمار" فأصبح الإنسان أمر عدمي فتتحول المعادلة السحرية إلى " تراب + وقت = حضارة "، هل هي في بحاجة إلى موازنة؟.
يقول شبنغلر أن ما يتوصل إليه كانت بجهد عقلي، يصل إليه غوته بومضة جمالية، وهذا ما يدعوا إليه السهروردي بالجمع بين الفلسفة والعرفان، فكانت الفلسفة المتعالية لصدر المتألهين، ومنه نستشف دراية شبنغلر بالإبستومولوجيا، أي البحث في أصل المعرفة وتكوينها ومناهجها وصحتها، فكانت له قدم راسخة في فلسفة التاريخ، بينما مفكرنا في مشكلات الحضارة يفصل بين الروح والعقل بزمنين متعاقبين.
في الظاهرة القرآنية يقول عبقري مشكلات الحضارة في تفسير الآية: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور: 35])، انطلاقا من تخصصه تقني سامي كهرباء أن: مشكاة = عاكس، مصباح = سلك، زجاجة = أنبوبة.
إذن: الآية تتكلم عن مصباح إديسون، (ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم: 30])، آية من آيات الله العجاب في المدلولات العرفانية والكنوز المخفية يسقطها أموي إلى سلك ومصباح كهربائي!!!.